المغربتحاليل

المغرب : كيف عززت الرباط مكانتها إقليميا ودوليا وكيف تطورت علاقتها مع المؤسسات المالية الدولية؟

بعد أن حققت انتصارا دبلوماسيا في باريس عبر الخروج من المنطقة الرمادية

خلود الطيب – كاتب صحفية مختصة في الشؤون المغربية

            نجحت المملكة المغربية بالخروج من اللائحة الدولية في أن تحقق نصرا جديدا يدعم صورتها كدولة ناجحة تحتكم إلى الأنظمة العالمية الأكثر مصداقية، في خطوة يقول المتابعون والمراقبون أنها نصر يأخذ أبعادا متعددة، خاصة وأنه نصر دبلوماسي تحقق في قلب باريس -حيث تعرض المغرب إلى حملات تشويه واستهداف بسبب تمسكه بثوابته-كما أن نفس القرار كرس فعليا مكانة الرباط إقليميا ودوليا وسيعزز ولا شك علاقتها مع المؤسسات المالية الدولية، ولكن تحقق ذلك الأمر والذي جاء كنتاج لبناء تراكمي للاستقرار السياسي ولعمل دؤوب قامت به النخبة والمؤسسات المغربية في مختلف المجالات؟

1- لا يختلف اثنان في ن المملكة المغربية ورغم بعض الازمات الاجتماعية والمترتبة أغلبها على تداعيات الازمتين العالميتين في الغذاء والطاقة، تجني ومنذ حوالي السنتين ثمار الاستقرار السياسي أولا – تسليم الحكومة من تحالف حزبي لآخر بطريقة سلسة وبناء على نتائج الانتخابات -وأيضا بناء على النتائج الملموسة للاستراتيجيات طويلة المدى صناعيا وثقافيا ودبلوماسيا، ورغم أن ملف الصحراء قد سبب للملكة استنزافا لكثير من طاقاته وأدخله في مطبات كثيرة إقليميا ودوليا الا أن المملكة استطاعت الخروج منتصرة دوما في معارك تنمية الشراكات وتحويلها الى نتائج ملموسة على الأرض بحيث كان المغرب حاضر رياضيا وثقافيا ودبلوماسيا بل وتحولت لنموذج يحتذى ومثال يقتدى في اكثر من ملف ومجال ( المشاركة المتميزة للمنتخب المغربي في الدورة الأخيرة لكاس العالم في قطر – قدرة المغرب على إدارة الوساطة بين طرفي الصراع في ليبيا بين 2015 و2021 أي حتى تشكيل حكومة- كسر الفجوة بينها وبين كثير من الدول الافريقية- جلب استثمارات عدة واغلبها ذات طابع استراتيجي…)

2- من حيث التفاصيل والحيثيات عزا اجتماع الجمعية العامة لمجموعة العمل المالي التابعة للاتحاد الأوروبي “غافي”، والذي عقد في باريس بين 20 و24 فبراير الجاري، قرار إزالة المغرب من القائمة الرمادية إلى “الالتزام السياسي الراسخ للمملكة بملاءمة منظومتها لمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب مع المعايير الدولية، ووفاء المغرب التام بكل التزاماته في الآجال المحددة…”، وقد رحبت المملكة المغربية الجمعة الماضي (24 فيفري الجاري) بالخطوة التي كشفت الجهود الكبيرة التي بذلتها الحكومة لتحقيق الشفافية ومكافحة تبييض الأموال والفساد والمعاملات المالية غير المشروعة وفق مخطط ونهج أقرته الحكومة المغربية وعملت على تنفيذه، وفعليا يأتي خروج المغرب من اللائحة “الرمادية” لمجموعة العمل المالي تكريسا للجهود المبذولة منذ سنوات في مسيرته نحو الشفافية والحكم الرشيد وتعزيز الترسانة القانونية المحلية، وذلك بعد زيارة ميدانية لخبراء من المؤسسة إلى المغرب خلال الفترة بين 16 و23 جانفي/يناير الماضي، من أجل التثبت من تطبيق المملكة، والقطاعات المستهدفة بالمراقبة خصوصا، لتوصيات المجموعة.

3- يُمكن التأكيد أن خروج المغرب من القائمة الرمادية انتصار دبلوماسي وسياسي غير مسبوق خاصة وان البلد قد لاءم تشريعاته مع المعايير الدولية المتصلة بمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب وانتشار الأسلحة وكل ما قد يتصل بالشفافية والنزاهة، ومعلوم أن هذه ليست المرة الأولى التي يحصل فيها المغرب على إشادة دولية من هيئة مرجعية دولية تكرّس رؤيته الاستراتيجية الاستباقية لتبنّي أعلى المعايير في مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، ليبدو في صورة الدولة الناجحة في محيطه الإقليمي، وهو أمر من دون شك سينعكس بشكل إيجابي على تعميق دوره الإقليمي ويكسب تعاطفا أوسع لقضاياه خاصة دعم مقاربته في الصحراء المغربية، والثابت اليوم أن خروج المغرب من اللائحة الرمادية يمثل مكسبًا سياسيًا وازنًا على المستوى الدولي نظرًا للارتباط الوثيق لهذا القرار بالإشادة الدولية بشفافية آلياته المالية والتجارية واستجابتها للمعايير الدولية في القطاع المالي، وقد حرصت المملكة فعلا على تعزيز ترسانتها القانونية في مجال مكافحة غسيل الأموال، باعتماد مجموعة من مشاريع القوانين، في وقت عملت مؤسسات الدولة على تعزيز الآليات الرامية إلى الوقاية من هذا النوع من الممارسات.

4- ركزت التدابير المتخذة من طرف المملكة على حزمة من الإجراءات التشريعية والتنظيمية والتحسيسية والرقابية، والمنفذة من قبل مختلف السلطات والمؤسسات الوطنية المعنية، بتنسيق من الهيئة الوطنية للمعلومات المالية، وبشراكة مع الأشخاص الاعتباريين الخاضعين للقانون العام أو الخاص، ومعلوم أن الخروج من اللائحة الرمادية قد تزامن مع حملات من طرف جهات أوروبية تدفع إلى التشكيك في التوجه المغربي لتعزيز دوره إقليميا ودوليا كشريك استراتيجي واقتصادي وتجاري ذي مصداقية، خصوصا وأنه عزز منظومته القانونية والمؤسساتية الوطنية في مجال مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، فضلا عن مرور أربع سنوات على التقييم الذي خضع له في هذا المجال من طرف خبراء مجموعة العمل المالي، ويمكن التأكيد أن المملكة المغربية خلقت الحدث من داخل فرنسا والبرلمان الأوروبي اللذين حاولا استثمار توتّرهما مع المغرب من أجل اختلاق وافتعال أزمات وحملات مضللة ومغرضة لتشويه سمعته والتأثير على مكانته الدولية خصوصا في ما يتعلق باقتناع مجموعة العمل المالي بالإجراءات التي قام بها وملاءمتها مع المعايير الدولية، ولا شك اليوم أن الاعتراف الدولي من باريس يأتي مفندا للحملات الإعلامية المضللة التي تشنها جهات فرنسية، وهو يشكل ضربة موجعة لمهندسي هذه الحملة وإفراغ محتوياتها الإعلامية على المستوى الدولي.

5- الخلاصة أن استقراء التطور الأخير واعتباره مسكبا جديدا للمملكة المغربية لا يمكن معه تغييب أن رئاسة النيابة العامة المغربية قد أطلقت بداية السنة الجارية دليلا علميا يحدد تقنيات البحث والتحقيق في جرائم غسيل الأموال وتمويل الإرهاب ويقدم الدليل للممارسين في حقل العدالة الجنائية الإطار القانوني الوطني والدولي لمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، ومعلوم أيضا أن الحكومة المغربية قد اعتبرت أن “خروج المملكة من القائمة الرمادية سيكون له أثر إيجابي على التصنيفات السيادية وتصنيفات البنوك المحلية…”، كما أشارت – أي الحكومة- إلى أن القرار “سيعزز صورة المغرب ومكانته خلال المفاوضات مع المؤسسات المالية الدولية، فضلا عن ثقة المستثمرين الأجانب في البلاد…”، أما محافظ بنك المغرب ( أي المصرف المركزي) “عبداللطيف الجواهري” أن تقريرا إيجابيا من مجموعة العمل الدولي حول المغرب يصلح أساسا كقاعدة للمفاوضات مع صندوق النقد الدولي، مشددا على أهمية خروج المغرب من القائمة الرمادية في تحسين التصنيف السيادي لدى وكالات التصنيف الدولية، وتسهيل خروج الخزينة إلى السوق الدولية، وضمان شروط اقتراض أفضل.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق