علي اللافي – كاتب ومحلل سياسي مختص في الشؤون المغاربية والافريقية
بدت خطوة اعلان الجزائر تخصيص ملياردولار لتمويل مشاريع تنموية في الدول الأفريقية عبر“الوكالة الجزائرية للتعاون الدولي من أجل التضامنوالتنمية“، مفاجئة للكثير من المتابعين لأنها أولا وأخيراتعني انتقال هذا البلد المغاربي الى “دولة مانحة” وهيفي الأخير خطوة غير مسبوقة افريقيا ومغاربيا وفيجنوب المتوسط ولكن ما قد يتم تغييبه ان تلك الخطوة هيعلى ترابط وثيق ودقيق مع عودة دبلوماسيته منذ بداية2021 أي نجاعتها وفاعليتها بعد أن كانت مشلولة بينسنتي 2014 و2020 إضافة الى تغيير الدستورالجزائري منذ اكثر من سنتين بما يسمح لجيشه وقواتهبالتواجد والقيام بمهام في الخارج والمقصود هنا طبعاومن حيث الاولوية افريقيا، واضافة الى ذلك الترابط فانالسؤال الأهم اليوم وبعد هذه الخطوة ما هي الغاياتالسياسية والاقتصادية التي تستهدف الجزائر تحقيقها، خصوصاً في ظل صراع إقليمي على التموضع والنفوذفي افريقيا ومتغيرات كبيرة جارية في كل مربعات الإقليموخاصة في منطقة الساحل وبعض دول في غرب ووسطافريقيا وفي ظل التسابق والتلاحق الروسي/الصينيعلى وراثة باريس في هذه البقاع؟
1- أولا، منذ اكثر من 5 سنوات بدأت الجزائر تطويرخطة سياسية واقتصادية لإعادة الارتباط بالعمقالأفريقي وإعادة فتح وتطوير طرق التجارة وخطوطالتنقل بين الجزائر والساحل وعمق القارة السمراءحيث تم فعليا تعزيز مشروع الطريق الصحراويالجزائر –لاغوس في نيجيريا، وإنشاء منافذ بريةوتجارية مع موريتانيا، وتولت الجزائر إنجاز الطريقبين “تندوف” جنوبي البلاد إلى مدينة زويرات فيالعمق الموريتاني، وأطلقت مع بداية 2021 خطوط نقلبحري إلى موانئ كلّ من موريتانيا والسنغال، ومعلومأن الرئيس الجزائري “عبدالمجيد تبون” كان قد أعلنعن خطة لمد خطوط السكك الحديدية إلى أقصىجنوب الجزائر، ومنه إلى كلّ من النيجر ومالي ولميقتصر الأمر على تلك الخطوات التي وسمتبالاستثنائية والسريعة حيث شجعت الدولة الجزائريةومؤسساتها الجمعيات الخيرية والإغاثية على العملوالتمدد في مناطق العمق الأفريقي في تنزانياوبوركينا فاسو وبنين وتشاد كما حثت الفرق الصوفيةالتي لها امتدادات في كثير من الدول الأفريقية، علىغرار الطريقة التيجانية التي لها امتداد بالغ فيالسنغال ونيجيريا، على تفعيل حضورها بل ووضعاستراتيجيات فعل وتأثير وبالتوازي مع ذلك عززتالجزائر حضورها السياسي والثقافي في كثير منالدول الأفريقية بل وأعادت افتتاح سفارات لها كانتمغلقة في دول على غرار غينيا وقال الرئيس تبونيومها مؤكد أن ذلك “تصحيح خطأ ما كان يجب انيتم“
2- ثانيا، الخطوة الجديدة هي خطوة استثنائية بكلالمقاييس ذلك أن تخصيص مليار دولار أميركي لفائدةمشاريع التنمية في أفريقيا وهو القرار الذي أعلنهرئيس الحكومة “أيمن بن عبد الرحمان” يوم 19 فيفريالجاري خلال قمة الاتحاد الأفريقي مؤكدا يومها أنالقرار يهدف “لتمويل مشاريع تنموية في الدولالأفريقية لا سيما منها تلك التي تكتسي طابعاً اندماجياً، أو تلك التي من شأنها المساهمة في دفععجلة التنمية في القارة“، لافتاً إلى أن “الوكالةستباشر إجراءات تنفيذ هذه المبادرة الاستراتيجية، بالتنسيق مع الدول الأفريقية الراغبة في الاستفادةمنها“، وثمة ما يربط بين القرار الجديد، وبين تجهيزالجزائر من عامين “وكالة خاصة للتعاون الدولي“، كإطار حكومي يتولى إدارة مشاريع التمويلوالمساعدات الموجهة. وإذا كانت الوكالة قد نفذتمشاريع محدودة منذ إنشائها في إبريل/نيسان2020، في مالي والنيجر وموريتانيا، بسبب ظروفأزمة كورونا، فإن السلطات الجزائرية، تعتبر أنالظروف الراهنة تبدو مواتية لإعادة تفعيل هذه الوكالة، واستخدامها بالصورة المطلوبة للنفاذ إلى العمقالأفريقي عبر التمويلات والمشاريع التنموية الصغيرة، خصوصاً في قطاعات الصحة، والتعليم، والنقل، والمياه، وغيرها.
3- ثالثا، قبل هذا القرار الأخير بــــــــ10 أشهر تقريباوتحديدا في 20 إبريل 2022 أُعلن رسمياً عن إطلاقالوكالة التي تتولى تنسيق مجالات التعاون مع الدولوالمجموعات الدولية، بهدف إعادة رسملة علاقاتهاوبحسب المرسوم الرئاسي المؤسس لها فإنها“ستضطلع بوضع وتنفيذ السياسة الجزائرية للتعاونالدولي في المجال الاقتصادي والاجتماعيوالإنساني، وكذلك التعاون الثقافي والديني والتربويوالعلمي مع الدول الصديقة والمجموعات التي يمكنأن تقيم تعاوناً معها في مجالات متعددة، كما تعملالوكالة على هندسة التدابير التي تسمح بتطويرعلاقات التعاون مع الهيئات الأجنبية المماثلة، وإنجازدراسات اليقظة الاستراتيجية والاستشراف في هذهالمجالات“، وعُهد إلى العقيد السابق في جهازالمخابرات شفيق مصباح، برئاسة الوكالة، ثم أحيلترئاستها إلى الدبلوماسي بوجمعة ديلمي، وبخصوص الجانب الرسمي فإن الجزائر بصددالتحول فعليا إلى مرحلة توظيف مقدراتها للمنافسةعلى موقع نفوذ إقليمي في القارة، يتساوق معطموحها السياسي والاقتصادي الذي عبّرت عنهخلال السنوات الثلاث الأخيرة منذ اعتلاء الرئيس“تبون” للسلطة في انتخابات 12 ديسمبر 2019، وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية السفير “عبدالحميد عبداوي“، خلال إحياء مناسبة عيد الشهيدالأحد 19 فيفري إن “مقدرات وإمكانيات الجزائرتُمكنها من لعب الدور الذي يليق بها ويسمح لهابتجاوز المكائد والعقبات لفرض وجهة نظرها، والجزائر لن تدخر أي جهد في لعب الدور المنوط بها، عبر جميع فضاءات انتماءاتها، الأفريقية، والعربية، والإسلامية، والمتوسطية، لتعزيز التعاون والسلموالأمن والاستقرار“، وإذا كانت السلطات الجزائريةترفض التصريح بالغايات السياسية لمثل هذا التلويحبقدرتها المانحة وحيازتها فائض أموال يمكن صرفهافي مشاريع تنموية في الدول الأفريقية، وتبقيالخيار ضمن أهداف السلم، التنمية، تحسين البنيةالتحتية، التضامن الأفريقي، فإن الأهداف السياسيةالمشروعة للجزائر من ذلك تعلن عن نفسها بوضوح.
4- خامسا، يمكن الجزم أن توجه الجزائر نحو دعموتمويل برامج في دول أفريقية سيكون لدول الطوقوالساحل الأولوية فيه وأن ذلك مبني على فكرةالانطلاق من ثلاث مقاربات أساسية:
● مقاربة أولى: وهي مقاربة ترتكز أساسا على كونالجزائر تعتبر أن الرهان على الحل الأمني لتجاوزمشكلات الساحل وأفريقيا، يبقى قاصراً، ما لميتم تدعيمه بمشاريع التنمية، وتحسين البنيةالتحتية، والمياه، والصحة، والتعليم لتركيز السكانفي مناطقهم، وضمان التكثيف الديمغرافي الذييمنع تمركز الجماعات الإرهابية،
● مقاربة ثانية: وهي مقاربة تتمحور حول الأهدافالاقتصادية لكون تمويل برامج تنموية يضمنتعزيزاً أكبر للعلاقات التجارية، ويوفر خطوطاً لولوج السلع والبضائع الجزائرية…
● مقاربة ثالثة: وهي تقارب وتلامس البعد السياسيأساسا بناء على أنه مرتبط بحرص الجزائر علىربط أكبر لعلاقاتها مع الدول الأفريقية ومراكزالقرار فيها، وضمان نفوذ يسمح لها بلعب دورمركزي ومؤثر في قضايا المنطقة وأزماتها، وهندسةالحلول“،
ورغم وجود هذه المقاربات فإن التقديراتالاستراتيجية والأمنية الجزائرية هي جد حذرة فيالتعامل مع الدول الأفريقية، بسبب هشاشتهاالسياسية وضعف سلطتها على قرارها السياسي، ما يجعل مواقفها وخياراتها في التعامل معالأطراف الشريكة غير ثابتة، خاصة وأن هناكسوابق تؤكد ذلك، فمنذ عام 2010، قررت الجزائرلأسباب إنسانية مسح ديون بقيمة 902 مليوندولار، حتى عام 2014، كانت على عاتق عدة دولأفريقية، لكن تلك الدول اتخذت لاحقاً مواقفتتناقض مع السياسات الجزائرية، خاصة فيعلاقة بالتطبيع مع الكيان الصهيوني، وفي قضيةالنزاع الصحراوي، وغيرها والامثلة هنا أكثر منأن تعد…