
علي اللافي – كاتب ومحلل سياسي مختص في الشؤون المغاربية والافريقية
قبل ثلاث أيام تقريبا من تقديم المبعوث الأممي “عبدالله باتيلي” افادته الحاسمة أمام مجس الأمن الدولي محددة ليوم 27-02-2023) وبقراءة تقييمية موضوعية وفي انتظار المفاجآت يُمكن القول والتأكيد أن جهود مجلسي “النواب” و”الأعلى للدولة” الليبيَّين للتوافق على أساس دستوري للانتخابات قد قاربت من الفشل، وهنا لا يمكن تغييب أنه قد بدأت تلوح في الأفق ملامح توجُّه أطراف دولية لفرض رؤية بديلة لإقرار الأساس الدستوري من أجل إجراء الانتخابات خلال الشطر الثاني من العام الجاري، وبقراءة أكثر واقعية يمكن استقراء ذلك بعد إعادة ترتيب الأحداث منذ بداية الشهر الجاري حتى تتوضح الصورة أكثر فاكثر فاللقاءات الدولية المعلنة والخفية والمشاورات في عواصم الإقليم قد تعددت بشكل مكثف وغير مسبوق وضمنها كانت “واشنطن” حاضرة في جميعها تقريبا مباشرة أو بالوكالة وخاصة بعد أن أحَال مجلس النواب تعديل الإعلان الدستوري (أي الدستور المؤقت) -والذي أقرّه خلال جلسته يوم السابع من شهر فيفري/شباط الجاري- على مجلس الدولة للموافقة عليه ومعلوم أن هذا الأخير قد فشل في عقد أكثر من جلسة للتصويت عليه بناء على الاختلافات الكبيرة بين أعضائه إزاء بعض البنود، ولكن في انتظار المفاجآت الممكنة وفي انتظار ما قد تكون قد افضت اليه جلسة أمس الخميس للأعلى للدولة، هل سيُسارع المجتمع الدولي لآلية بديلة لإجراء الاستحقاقات خلال الشطر الثاني من السنة الحالية، وماهي طبيعة تلك الآلية وحيثيات فرضها وتنزيلها ومن ثم التوافق عليها لا محليا فقط بل وأيضا توافق الجزائريين والمصريين حولها بل وقبولها في بقية عواصم الإقليم ومن طرق القوى الدولية الكبرى؟
** حيثيات ما يجري بين المجلسين منذ بداية فيفري الحالي وهل ستكون هناك مفاجآت؟
1- أولا، رغم التأكيد أنّ الاستعدادات جارية لعقد جلسة أمس الخميس لعرض مشروع التعديل للتصويت، بعد عدة جلسات لمناقشته منذ الأحد الماضي(18-02-2023)، فان الثابت هو تزايد الخلافات بين أعضاء المجلس حول التعديل حيث إنّ “أغلب الأعضاء يريدون إبطال التعديل، فيما يؤيد البعض إقراره، لكن مع بعض التعديلات وفق ما هو متداول ومثبت من خلال تصريحات كثير من أعضاء المجلس، وفعليا شكّل المجلس لجنة مكونة من أربعة أعضاء لجمع ملاحظات الأعضاء حول مضمون التعديل الدستوري لطرحها للنقاش خلال جلسة يوم غد، قبل التصويت لإقرار التعديل من عدمه، وفقاً لمصادر مقربة من مجلس الدولة، أفادت بأنّ غالبية الأعضاء سلّمت اللجنة ملاحظات تسير في اتجاه رفض التعديل على الرغم من ميل رئيس المجلس “خالد المشري” وبعض الأعضاء، لتمريره، ورغم أن الترجيح الأكبر هو أن تنتهي جلسة أمس الخميس دون تصويت بسبب الاختلاف الواسع داخل المجلس، ولكن ذلك لن يغيب رغبة “المشري” في إقرار التعديل خاصة وأنه بعد ضغط من أعضاء المجلس قد أرسل عضوين من المجلس للمشاركة في جلسة مجلس النواب التي أُقرّ فيها التعديل على الإعلان الدستوري (بعضهم أكد أنّ ذلك حصل دون علم الأعضاء)، ومعلوم أن كثير من أعضاء “الأعلى للدولة” عبّروا عن استغرابهم إقدام مجلس النواب على إجراء تعديل على الإعلان الدستوري حيث قالت احدى العضوات “نحن أنجزنا قاعدة دستورية في مجلس الدولة، ولا يوجد سوى خلاف بسيط عليها يتعلق بترشح مزدوجي الجنسية والعسكريين. وهاتان النقطتان أُحيلتا على رئيسي المجلسين اللذين قررا أن يحال البتّ فيهما من خلال القوانين الانتخابية”، متسائلة عن الهدف من وراء إقرار التعديل في هذا الوقت، معبرة عن مخاوفها من أنّ رئيس مجلس النواب “عقيلة صالح” أراد من خلال التعديل، توسيع صلاحيات الرئيس، وكذلك تحويل مجلس الشيوخ، الذي يشكل الغرفة الثانية من المجلس التشريعي المقبل، إلى جسم استشاري فقط.
2- ثانيا، حول البديل إذا ما فشل المجلسان في إقرار الأساس الدستوري للانتخابات يعتقد الجميع إنّ المبعوث الأممي “عبدالله باتيلي” يضع في حساباته سيناريوهين الأول هو أن يتفق المجلسان (يعني يقر الأعلى للدولة التعديل أو يغير جزء منه) وفي صورة العكس هو سيعمل على آلية قد تسير به لتشكيل لجنة حوار جديدة، لكنه لن يتخطى مجلسي النواب والدولة عند تشكيلها، وقد يعطي صلاحيات كبيرة للجنة الحوار، تسمح لها بتشكيل حكومة، وقد تصل لوضع قوانين انتخابية”، مشيرة إلى أن تلك اللجنة ستتشكل من 15 عضواً من مجلس النواب ومثلهم من مجلس الدولة، وأيضاً 15 من خارج المجلسين، ويتوافق هذا الاستنتاج مع ما كشفت عنه مصادر عربية مقربة من مجلس الدولة، حول مضمون الملاحظات التي وصلت إلى رئاسة مجلس الدولة من الأعضاء المعترضين على إقرار التعديل الدستوري، فقد توافقت المعطيات المسربة لوسائل الاعلام على أنها تركزت على محاولة مجلس النواب إعطاء صلاحيات واسعة لرئيس الدولة المقبل من خلال نصوص التعديل، مثل تمثيل الدولة بشكل واسع، بما فيها عقد الاتفاقيات الدولية، وتعيين رئيس الحكومة وإقالته، ومنحه منصب القائد الأعلى للجيش، بل ومنحه صفات تتيح له التدخل لوقف إصدار بعض القرارات والقوانين التشريعية، مشيرة إلى أن مجلس النواب يحاول بذلك تحصين رئيس الدولة وحمايته، ليبقى لمدة أطول لتمديد فترات الانتقال السياسي، وكشفت مصادر متطابقة النقاب عن مطالبة قرابة العشرين عضواً بالمجلس، بتدخل المجلس الرئاسي لصياغة الأساس الدستوري للانتخابات كأحد البدائل لتجاوز فشل مجلسي النواب والدولة في إنجاز ذلك، وفعليا يطمح مجلس النواب ورئيسه عقيلة صالح لأن يصوت مجلس الدولة بالموافقة على التعديل، ليكون أساساً دستورياً للقوانين التي ستجري وفقها الانتخابات، لكن تعثر مجلس الدولة في إقراره دفع رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، إلى إعلان استعداد مجلسه التعاون مع المؤسسات التشريعية لوضع إطار دستوري لإنجاز الانتخابات البرلمانية والرئاسية وفقاً لـ”آليات بديلة لتحقيق تطلعات الشعب في اختيار قيادته”، بحسب تغريدة على حسابه، ليل الاثنين الماضي.
3- ثالثا، سبق أن لوّح باتيلي خلال إحاطة لمجلس الأمن، نهاية ديسمبر2022 باللجوء إلى الآليات البديلة، وأعقبها تحذير من جانب الولايات المتحدة الأميركية، وبريطانيا، وألمانيا، وإيطاليا، لمجلسي النواب والدولة بإمكانية إيجاد “آليات بديلة” إن لم يتمكنا من التوصل إلى اتفاق لإجراء الانتخابات، ومن المهم القول أنّ فشل مجلس الدولة في عقد جلسة لإقرار التعديل من عدمه، يمثل معطىً واضحاً على فشل مسار اعتماد التعديل الدستوري كأساس دستوري للانتخابات، مرجحاً ألا يعلن مجلس الدولة رفضه للتعديل، بقدر ما سيعلن تمديد الجلسات وتفريع اللجان لدراسته قبل إقراره، ولا شك في ثبوت أن هدف رئاستي المجلسين وضع مشروع التعديل عثرة أمام جهود البعثة الأممية وأطراف دولية يبدو أنها حددت للمجلسين وقتاً معيناً للتوافق على قاعدة دستورية. ونشاط المجلسين أخيراً هدفه البقاء ليس إلا، فلن ينجزا الأساس الدستوري ولن يسمحا للمجتمع الدولي بالتدخل باعتبار مشروع التعديل لا يزال منظورا، ويرجّح ثبوت استمرار الانسداد السياسي، مضيفاً أنّ “مجلس النواب نجح في توريط الداخل والخارج في عقبات لا يمكن تجاوزها، فما تجري مناقشته في مجلس الدولة تمّ فعلياً تضمينه في الإعلان الدستوري وأصبح نافذاً”، موضحاً أنّ “عقيلة صالح نجح في نقل الخلافات إلى مساحات جديدة، وركزها في صلاحيات رئيس الدولة المقبل، وغاب معها الخلاف حول شروط ترشح الرئيس، خصوصاً شرط ازدواج الجنسية ووظيفة العسكريين”، وفي المقابل، أي البعض الآخر من الفاعلين السياسيين الليبيين أنه لا دستورية لتعديلات مجلس النواب على الإعلان الدستوري دون موافقة مجلس الدولة، استناداً إلى الوثائق السياسية المسيّرة للمرحلة، ومنها اتفاق الصخيرات، وخريطة طريق جنيف، اللذان ينصان على المشاركة بين المجلسين في إقرار القوانين والقرارات، مشيراً إلى أن مجلس النواب فشل في الكثير من المرات في تمرير قراراته منفرداً، ومن هناك يمكن الجزم أن فشل مجلس الدولة في إقرار التعديل الدستوري سيمكّن “باتيلي” والعواصم الغربية من فرض أي حل، حتى وإن كان يشبه مبادرة تشكيل لجنة حوار سياسي سبق أن شكلتها البعثة الأممية، فالمهم في الآونة الحالية بالنسبة إلى الخارج أن توجد في هياكل الدولة سلطة واحدة يمكن أن تتعامل مع المخاوف الأميركية والأوروبية مما ترتب عن الأزمات الدولية، ومنها التوغل الروسي في ليبيا، وإمكانية أن تتحول ليبيا إلى ورقة ضغط بيد موسكو”، والثابت أن أن فشل المجلسين في إقرار أساس دستوري، يتزامن مع عزم واشنطن على عقد لقاء دولي بشأن ليبيا أمس الخميس بمشاركة عدد من الدول المعنية بليبيا، ويقول: “اللقاء سيسبق إحاطة باتيلي التي يعتزم تلاوتها أمام مجلس الأمن الأسبوع المقبل، ويمكن أن تتضمن انعكاساً لمضمون لقاء واشنطن، خصوصاً أنه لوّح في الكثير من المرات بإمكانية لجوئه إلى آليات بديلة”، معتبراً أن كل ذلك سعي في طريق تحصين مشروع تلك الدول الغربية بقرارات أممية لتضييق الخيارات أمام خصومها، ولا سيما موسكو.
4- رابعا، بخصوص دور المجس الرئاسي، يمكن القول أن إمكانية أن يكون كمجلس أداة للبعثة الأممية والمجتمع الدولي ليكون بديلاً لتمرير أي مشروع لإنجاز الانتخابات بعيداً عن صراع مجلسي النواب والدولة، وهو أمر وارد وممكن خاصة وأن أعضاء من مجلس الدولة هم من طالبوا بذلك، كذلك هناك أطياف سياسية، منها أعضاء بمجلس النواب، يمكن أن تطالب بذلك إذا تبنت الأمم المتحدة المجلس الرئاسي كآلية بديلة من مجلسي النواب والدولة، ولأنه الطرف الوحيد الذي لا يميل لأي من المجلسين أو لأي طرف سياسي، والثابت اليوم قبل الغد إن استشعار الداخل الليبي لدور محتمل للمجلس الرئاسي، ومنه سعي الكثير من القوى السياسية والأحزاب للقائه، وقبلها سعي هذه القوى لتشكيل تكتلات سياسية، استباقاً للأوضاع المقبلة، ومن أجل خوض غمار الانتخابات، ومعلوم في مطلع سبتمبر/ أيلول 2022 أعلنت ثمانية أحزاب منها أهم حزبين ليبيين وهما: “تحالف القوى الوطنية”، و”العدالة والبناء”، تأسيس شبكة تواصل، وقبل ذلك، في مايو/ أيار 2022، أُعلن تأسيس “تجمع الأحزاب الليبية” من 24 حزباً.
** إمكانية المضي في آية بديلة، ولكن وفق أي ترتيبات واي ما ماهية لتلك الآلية وكيفية احداث توافق محي وإقليمي ودولي حولها؟
1- أولا، مثلما بينا أعلاه تذهب كل التحليلات في ترقب العديد من السيناريوهات والتصورات حول “الآليات البديلة” ومنها إنشاء لجنة حوار سياسي جديدة على غرار لجنة الحوار السياسي السابقة التي تكونت من أعضاء ممثلين عن مجلسي النواب والدولة، بالإضافة إلى أعضاء آخرين مستقلين، لكسر احتكار المجلسين للقرارات في العملية السياسية. ومن التصورات أيضاً، إمكانية دفع الأمم المتحدة إلى خيار اعتماد النظام البرلماني في ليبيا، بعدما استمر الجمود بسبب عدم التوافق على الانتخابات الرئاسية، وعندها يمكن إجراء انتخابات برلمانية، على أن ينتخب المجلس التشريعي الجديد رئيس البلاد، وطبعا سيتوضح الغموض وستتبين تفاصيل وحيثيات كل ذلك وخاصة في إحاطة باتيلي الذي سيقدمها إلى أعضاء مجلس الأمن في 27 من شهر فيفري/شباط الحالي وقبل ذلك سيشارك المبعوث الأممي في المؤتمر المعني بليبيا في واشنطن إلى جانب كل الدول المعنية بالشأن الليبي والذي أشرنا اليه أعلاه وطبعا باستثناء ليبيا نفسها التي لن تشارك بحجة عدم وجود شخصية مجمع عليها يمكن أن تمثلها.
2- ثانيا، لا يجب السقوط في فرضيات نظرية وغير واقعية ميدانيا بخصوص شكل وتفاصيل تلك الآليات البديلة وإمكانية تجسدها من عدمه والحل هنا الذي يمكن أن تنتجه وهنا لا يمكن أن الذهاب ذلك مهم حتى لا يتم التدويل خاصة وأنه لوحظ تزايد “تدويل” الملف الليبي في كل مرحلة من مراحل الأزمة (أي بين 2014 و2021)، وكيف وافق الشعب على أن يحتكر قادة الأطراف المتصارعة القرار السياسي، لا في النجاح، بل في الفشل الذي سيفضي حتماً إلى المزيد من التدخلات الخارجية، وهنا وجب عى الليبيين انهاء الحرب بالوكالة أولا ومن ثم اعمل على انهاء كلّ تلك التدخلات إلى فرض وصاية دولية تبدو مقدماتها واضحة ربما من خلال الاجتماعات التي تجريها الدول المعنية بليبيا حول الملف الاقتصادي، والمعرّفة بـ”مجموعة العمل الاقتصادي” برعاية أممية، ودون أي مشاركة ليبية، للعمل على الوصول إلى آلية لحجب أموال النفط الليبي عن التصرف فيها من قبل أي شخصية تصل إلى كرسي السلطة، بدعوى أن إيرادات النفط هي السبب الرئيسي في تمويل حالة الصراع في ليبيا، وقد يبرز السؤال الأهم هنا، عن جدوى انتخاب قادة جدد للبلاد، وما جاء بهم وأوجدهم في السلطة “آلياتٌ بديلة” لخدمة مصالح الخارج، وقرار المال مرهون بموافقة الخارج.
3- ثالثا، الخلاصة يظهر أن الذهاب للانتخابات خلال الشطر الثاني من السنة الثانية أمر صبح باتا ويفرضه واقع توازن الضعف محليا وإقليميا ودوليا، ولكن الاشكال يكمن ومنذ أسابيع في آليات التنزيل وفي تفاصيل هندسة خارطة طريق جديدة وأن تكون توافقية وجامعية خاصة وان الليبيين سئموا فعليا التجاذب وسئموا الصراعات وانهم يريدون اجساما شرعية بينما يرغب المجتمع الدولي والإقليمي منذ أشهر في انتخابات في أقرب وقت خاصة وانه يعلم ان الحلول في ليبيا تحديدا هي مسكنات حلول تحديدا وانه بالتالي لابد من ابعاد كل الشخصيات الجدلية وخاصة بعد إيجاد مخارج للمسارات الأربع للأزمة (المسار العسكري/الأمني- المسار الاقتصادي/الاجتماعي- المسار السياسي/التنفيذي- المسار الدستوري) وهي أزمة بدأت سنة 2014 وتواصلت وفق منطق الحرب بالوكالة حتى فيفري 2021، قبل أن تتجدد في مارس 2022 اثر تشكيل حكومة ثانية في شرق البلاد…