حرص أميركي واسباني على تعزيز الشراكة والتنسيق الأمني مع المملكة المغربية
في ظل اشادة مدريد بالنتائج الإيجابية للتعاون وتوسيع واشنطن لمجالات التنسيق

خلود الطيب – كاتب صحفية مختصة في الشؤون المغربية
تُشكل تجربة المغرب الرائدة في مكافحة الإرهاب ومواجهة مختلف الظواهر الإجرامية العابرة للحدود حافزا للعديد من القوى الغربية على التعاون معه، على غرار الولايات المتحدة واسبانيا فالأولى أشادت منذ أسابيع بالشراكة مع المغرب وها هي تعلن استعدادها لتوسيع مجالات التنسيق لتشمل منطقة الساحل الافريقي بينما الثانية وبعد أكثر من سنة ونصف من الوئام والشراكة ها هي تشيد بالنتائج الإيجابية للتعاون بين البلدين فماهي حيثيات وابعاد حرص البلدين الغربيين على تعزيز الشراكة مع المملكة؟
** حرص أمريكي على تعزيز الشراكة وعمل على توسيع مجالات التنسيق نحو الساحل الافريقي
1- الإشادة الامريكية منذ أسبوعين بالشراكة مع المملكة لم تكن خطابية فقط بل هي تبعت بخطوات عملية حثيثة على غرار التنسيق الأمني وتوسيع مجالاته وقد شكل ملف تعزيز التعاون للحد من “التهديدات الناشئة والتحديات الأمنية” محور لقاء مدير المخابرات المغربية “عبد اللطيف حموشي” مع مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي “كريستوفر راي” الذي يجري زيارة عمل إلى الرباط غير محددة المدة على رأس وفد رفيع المستوى، وقد أوضح بيان المديرية العامة أن “اللقاء شكل مناسبة سانحة للطرفين لاستعراض مستوى علاقات التعاون الثنائي المتميز بين الجانبين…”، وانصبت المباحثات المشتركة بين الجانبين بحسب البيان، على “دراسة الآليات الكفيلة برصد ومواجهة حركية المقاتلين في التنظيمات الإرهابية عبر المنافذ الحدودية، وتبادل المعلومات بشأن هؤلاء المقاتلين، وتدعيم التعاون العملياتي لمكافحة التهديدات المرتبطة بالأسلحة الكيميائية والبيولوجية والنووية، بالإضافة إلى توسيع نطاق التعاون الثنائي المتميز في مجال مكافحة الإرهاب ليشمل منطقة الساحل…”، ومعلوم أن زيارة المسؤول الأميركي إلى المغرب في وقت تتصاعد فيه التهديدات الإرهابية في منطقة الساحل وفي العمق الأفريقي.
2- فعليا ترتبط المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني والمديرية العامة للأمن الوطني في المغرب بشراكة استراتيجية مع الوكالات الأميركية لتطبيق القانون، خاصة مكتب التحقيقات الفيدرالي ووكالة الاستخبارات المركزية ومكتب مكافحة المخدرات، وقد أشادت وزارة العدل الأميركية ومكتب التحقيقات الفيدرالي مؤخرا بدور مصالح الأمن المغربية في تتبع وملاحقة وتوقيف أخطر المطلوبين للقضاء الأميركي، وفي الجرائم السيبرانية التي استهدفت كبريات الشركات العالمية الكائن مقرها في الولايات المتحدة، ويجمع بين المغرب والولايات المتحدة تعاون ثنائي في شتى المجالات، وخاصة منها المجالات الأمنية والعسكرية والاقتصادية والسياسية.
** شراكة الرباط مع مدريد تتوطد والأخيرة تشيد بالشراكة المريحة
1- أظهرت الحكومة الإسبانية ارتياحا للشراكة المربحة مع المغرب، وما حققته حتى الآن من نتائج مثمرة خاصة على مستوى الأمن والهجرة، حيث تم تفكيك العديد من الشبكات الإجرامية العابرة للحدود، كما سجل تراجع كبير في نسق الهجرة غير الشرعية، وقد أشاد وزير الشؤون الخارجية والاتحاد الأوروبي والتعاون الإسباني خوسيه مانويل ألباريس بالشراكة القائمة مع المغرب، وما حققته من نتائج إيجابية ملموسة لاسيما على الصعيد الأمني، وقد ودخلت العلاقات المغربية – الإسبانية منذ أفريل الماضي مرحلة جديدة، بعد اعتراف مدريد بسيادة المغرب على صحرائه، وتبنيه مقترح المملكة لحل النزاع المستمر منذ عقود مع جبهة بوليساريو الانفصالية التي تدعهما الجزائر، وقال “ألباريس” في كلمة له أمام لجنة الشؤون الخارجية بالبرلمان الإسباني، إن التعاون مع المغرب مكن من “تفكيك الشبكات الإجرامية والإرهابية بفضل عمل الأجهزة والأجهزة الأمنية”، مشيرا إلى أن “النتائج الملموسة” التي تحقّقت خلال هذه الفترة تعود بالنّفع على مواطني سبتة ومليلية المحتلتين، بالإضافة إلى مواطني جزر الكناري والأندلس.
2- عقد المغرب وإسبانيا بالرباط الاجتماع الثاني عشر رفيع المستوى الذي توج بإعلان مشترك، عبر فيه الطرفان عن التزامهما بتوطيد العلاقات الممتازة التي جمعتهما دائما وجددا التأكيد على إرادتهما في إغنائها بشكل متواصل، كما أكدا عزمهما على توطيد تعاونهما في مجال محاربة الإرهاب، مبرزين أنهما يواصلان العمل المشترك وفي إطار الأمم المتحدة من أجل تطوير الجهود الدولية في مجال محاربة الإرهاب وتمويله، ونظرًا لأهمية حماية الحدود الجغرافية من أي اختراقات من الجماعات المتطرفة والإجرامية، وهنا يمكن الجزم أن تصريحات وزير الخارجية الإسباني أمام البرلمان تعني أن أجهزة الدولة الإسبانية واعية تماما بأهمية التعاون الأمني والاستراتيجي مع المملكة المغربية خاصة وأن مدريد سياسيا في حاجة إلى الرباط أكثر من أي وقت مضى، ومعلوم أن العقلية السياسية للمؤسسات المغربية ترتكز على فكرة أن التنسيق والتعاون الإيجابي والبنّاء وحسن الجوار هي قيم أساسية وقناعات استراتيجية تؤطر عملها الدبلوماسي وسياستها الخارجية، وهو ما سيخدم التنسيق الثنائي في القضايا المتعلقة بمكافحة التهديدات التي تشكلها الجماعات المتطرفة وشبكات الجريمة المنظمة التي تنشط في منطقة غرب البحر الأبيض المتوسط.
3- لا يُمكن فعليا تغييب معطى أن المكتب المركزي للأبحاث القضائية التابع للمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني في المغرب (أي المخابرات) قد تمكنت في أكتوبر الماضي في عملية أمنية مشتركة مع المفوضية العامة للاستعلامات التابعة للشرطة الإسبانية، من تفكيك خلية إرهابية تنشط في كل من الناظور ومليلية، ويشتبه في ارتباطها بتنظيم الدولة الإسلامية، وهو ربما ما جعل وزير الشؤون الخارجية والاتحاد الأوروبي والتعاون الإسباني يبرز في تصريحاته وقراءاته أن النتائج العملية والملموسة باتت ماثلة للعيان على الأرض، وهي من إفرازات المرحلة الجديدة من العلاقة مع المغرب في جميع الميادين، ومعلوم أن نفس الوزير وأثناء تفاعله مع أسئلة المعارضة وبعض أحزاب الأغلبية، أعرب رئيس الدبلوماسية الإسبانية عن تقديره للعلاقة مع الرباط، قائلا إن العلاقة الجديدة مع المغرب متميزة ومبنية على “ركائز متينة” تستند إليها، والتي تم تحديدها في “خارطة الطريق” المتفق عليها عقب زيارة رئيس الحكومة “بيدرو سانشيز” إلى الرباط في السابع من أفريل من السنة الماضية، وشدد المسؤول الإسباني على أن الرباط ومدريد تتعاونان على مكافحة المافيات التي تتاجر بالبشر، مضيفا أن الهجرة ينبغي أن تكون آمنة وقانونية ومنتظمة ومنظمة، مسجلا في هذا السياق انخفاض وتيرة الهجرة غير القانونية بـ69 في المئة، على مستوى الوصول إلى السواحل الأندلسية، خلال يناير مقارنة مع نفس الشهر من 2022، وبـ82 في المئة على مستوى جزر الكناري.
4- الإسبان كانوا واضحين في الاعتراف بالمجهودات الجبارة التي تقوم بها المملكة لتدبير محاربة الجريمة والتصدي لامتداد التنظيمات الإرهابية وإيقاف جرائمها الجبانة والارهابية خاصة وانه ملف مُركب ومُعقد من أجل كسب رهاناته وضبط مكوناته المتغيرة، وهم يعتقدون أنه ترجمة لخطط التعاون المغربي – الإسباني في مجال الهجرة، ومعلوم أن مجلس الوزراء الإسباني قد صادق في أكتوبر الماضي على منح المغرب مساعدة مباشرة في مجال التعاون الشرطي الدولي للمملكة المغربية بمبلغ 30 مليون أورو، توجه بالأساس إلى تمويل مكافحة الاتجار بالبشر وإدارة تدفقات الهجرة، أو بشكل غير مباشر عن طريق خطط التنمية الاجتماعية والاقتصادية الشاملة لمدينتي سبتة ومليلية، باستثمارات مجمعة تزيد على 711 مليون أورو، ومن المقرر أن تحصل الرباط على 130 مركبة رباعية الدفع مخصصة لمحاربة الهجرة غير النظامية ومزودة بشبكات المراقبة، بقيمة ستة ملايين يورو، واتخذت مدريد من الرباط شريكا استراتيجيا في محاربة الهجرة غير النظامية، حيث تم تقديم آليات عسكرية وأمنية إلى المملكة، وجعلت من الرباط المستفيد الأجنبي الرئيسي من الإعانات الإسبانية غير القابلة للاسترداد (أكثر من 92 مليون يورو)، وكان من المنتظر أن يرتفع منسوب التنسيق بعد تقارب بيدرو سانشيز، رئيس الحكومة الإسبانية الحالي، مع المغرب والاعتراف بمقترح الحكم الذاتي في الصحراء، والذي كسر أكثر من أربعة عقود ونصف العقد من الحياد الإسباني في هذا الشأن.
5- الخلاصة أن المملكة المغربية تمثل ثاني أكبر دولة في القارة الأفريقية تتعاون في مجال الهجرة مع إسبانيا والاتحاد الأوروبي، بإجمالي مساعدات موجهة إلى دعم جهود محاربة الهجرة غير الشرعية يصل إلى 346 مليون يورو، 238 مليون منها تقريبا من صندوق الاتحاد الأوروبي الاستئماني، المخصص للطوارئ في قارة أفريقيا، ومعلوم أن وزير الداخلية المغربي “عبدالوافي لفتيت” قد ذكر الثلاثاء 21 فيفري بالرباط في لقاء رسمي بالتضامن الفعال للمغرب والجهود الحثيثة التي يبذلها في مجال مراقبة الحدود ومحاربة جميع أشكال الجريمة العابرة للحدود، والتي تجعل من المملكة فاعلا رئيسيا في استتباب الأمن الإقليم، وجدير بالذكر أنه على المستوى العملياتي فان المملكة شددت على ضرورة التمييز بين ضحايا الهجرة السرية الذين تجب حمايتهم وشبكات تهريب المهاجرين التي تتعين مكافحتها بحزم مطلق…