تحاليلليبيا

ليبيا: هل تستطيع الأحزاب أن تعود من بعيد وتعيد مشهد بداية ستينات القرن الماضي؟

بعد انتفاضها ومطالبتها بأن تكون حاضرة في الاستحقاقات الانتخابية

علي اللافي – كاتب ومحلل سياسي مختص في الشؤون المغاربية والافريقية  

1-  أولا، تزامناً مع معركة الإعداد للانتخابات التشريعية والرئاسية التي لم تتضح معالمها أو مصيرها بعد في ليبيا رغم التقدم الحاصل في المسارات الأربع ازمة الليبية (المسار العسكري/الأمني-المسار الاقتصادي/الاجتماعي-المسار السياسي/التنفيذي-المسار الدستوري) تعالت خلال الأيام الماضية أصوات الأحزاب السياسية المغيبة عن المشهد، مطالبة بعدم إقصائها مرة أخرى عن صناديق الاقتراع، وفيما قد تكون محاولة لتوحيد الصف وتعميق التأثير في المشهد المعقد، نشطت أخيراً عدة أحزاب وبرزت في صور تكتلات حزبية جمعت حتى بعض الخصوم، كحزبي تحالف القوى الوطنية والعدالة والبناء، اللذين سيطرا سابقاً على جزء كبير من مسار الجسم التشريعي إبان وجود المؤتمر الوطني العام (البرلمان السابق).

2- ثانيا، على عكس ما يعتقد البعض فان ليبيا عريقة في تبني النظام الجمهوري والحياة الحزبية ففي سنة 1918 تم تأسيس أو تجربة جمهورية في العالم العربي وعرفت يومها بالجمهورية الطرابلسية ولاحقا تأسست أحزاب وتيارات سياسية يسارية وقومية عربية وليبرالية وإسلامية وعرفت أوجها خلال عقد الستينات من القرن الماضي ولكن نظام القذافي قمعها وفككها وادخل قادتها السجون بما في ذك الناصريين والعصمتيين ولم يعد هناك أي وجود علني للأحزاب منذ سنة 1973 واضطرت أغلبها للدخول في السرية ولكن طول فترة النظام السابق تلاشى وجود كثير من الأحزاب والتنظيمات حتى أنه لم يعد اليوم أي وجود فعلي لليسار الماركسي ولا للتيار القومي العربي حيث يقتصر المشهد اليوم على بقايا السبتمبريين والاسلاميين والليبراليين وبعض أحزاب وطنية محافظة…

3- ثالثا، على عكس ما يحاول الاعلام العربي المناصر للثورات المضادة العربية فان التجربة الديمقراطية الليبية ما بعد 2011 لم تفشل بل عرفت النجاح والدليل هو تنظيم أربعة استحقاقات انتخابية (انتخابات يوليو 2012 التشريعية-الانتخابات البلدية-انتخابات هيئة الدستور-انتخابات جوان/يونيو 2014 التشريعية) ولم تبدأ الأزمة في ليبيا الا بحدوث الانقلاب في مصر وبداية تداعياته على ليبيا إضافة الى تداعيات الأزمة الخليجية الأولى وظهور محورين اقليميين متصارعين وحتى لغة الحرب لم تبدأ الا كانعكاس مباشر للازمة الخليجية الثانية…

4- رابعا، تُجيب الدراسة/القراءة التحليلية على الأسئلة التالية:

  • سؤال أول: ماهي حيثيات وخلفيات انتفاضة الأحزاب؟
  • سؤال ثان: ما هي فسيفساء المشهد الحزبي ومختلف مساراته بين 2011 و2022؟
  • سؤال ثالث: كيف تنامت علل الظاهرة الحزبية في ليبيا بين سطوة الاجتماعي وتضخم دور المليشيات ومؤثرات الإقليم؟
  • سؤال رابع: أي حضور واي مستقبل للأحزاب في افق نهاية سنة 2023؟

** في ماهية الانتفاضة الأحزاب الأخيرة وحيثياتها:

1- أولا،  فعليا انتفاضة الأحزاب على هندسة المشهد السياسي ليست جديدة بل هي تعود الى مطلع سبتمبر/أيلول 2022، ويومها أعلن الحزبان (التحالف الوطني – العدالة والبناء) مع أحزاب: الجبهة الوطنية، والتغيير، وليبيا النماء والعمل الوطني، وتيار يا بلادي، وتكنوقراط ليبيا، عن تأسيس شبكة تواصل، وقبل ذلك، في مايو/ أيار 2022، أعلنوا عن تأسيس “تجمع الأحزاب الليبية” من 24 حزباً، وعلى وقع مساع لم تنجح بعد لإعداد قاعدة دستورية أو قوانين انتخابية من قبل مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، واستناداً إلى الضغط السياسي المتصاعد للمجتمع الدولي الذي يشدد على ضرورة أن تكون القواعد توافقيّة، بهدف إنهاء النزاع وإنتاج أساس دستوري مقبول يقود أطراف النزاع للتعجيل بإجراء الانتخابات، أجرى تكتل “تجمع الأحزاب الليبية” عدة لقاءات خلال الأيام الماضية، لبحث مصير العملية السياسية، بما فيها الانتخابات.

2- ثانيا، التكتل الحزبي سالف الذكر أعلاه طالب في بيان صدر عنه إثر انتهاء اجتماعاته، مساء أمس الثلاثاء، بأن تُشرّع أي قاعدة دستورية للانتخابات دور الأحزاب في العملية السياسية، باعتبار العمل الحزبي أساساً للممارسة الديمقراطية، مشككاً في أن تكون قوانين الانتخابات مقبولة “ما لم تقر مشاركة الأحزاب السياسية في العملية الانتخابية، وفق نظام القوائم الحزبية لأغلبية مقاعد البرلمان، وبما يضمن حق المستقلين في الترشح أيضاً”، وشدد التكتل على ضرورة حذر البعثة الأممية من أن يتم تهميشه في مسارات التشاور وبلورة الحلّ الذي تقوده الأمم المتحدة، معبراً عن رفضه لما وصفه بــ”العبث بمقدرات الدولة ومستقبلها، واختزال المشهد السياسي في كيانات ومجموعات بعينها”، وعمليا ورغم مشاركة الأحزاب في أول تجربة انتخابية تشريعية في ليبيا عام 2012، إلا أنها اسُتبعدت من الترشح في انتخابات عام 2014، التي انتجت مجلس النواب الحالي، والأخير استبعدها من الترشح أيضاً عند إصداره للقوانين الانتخابية التي كانت تمهد للانتخابات التي لم تجر في نهاية عام 2021، فيما لم يوضح التعديل الثالث عشر، الذي أقره مجلس النواب الأسبوع الماضي، وضع الأحزاب في العملية الانتخابية المقبلة.

3- ثالثا، يُرجح رئيس حزب صوت الشعب والناطق باسم تكتل “تجمع الأحزاب الليبية” فتحي الشبلي استمرار ترسيخ إبعاد الأحزاب عن المشهد السياسي بناءً على القوانين السابقة التي منعتها من الترشح في الانتخابات، وقال في تصريح لاحدى اليوميات العربية إن “الذين صاغوا القانون لم يملكوا أي خبرة أو تجربة، ولم يستعينوا بخبرات من سبق، وكان القصد من البداية تفريغ الأحزاب من أي محتوى أو حصانة، ومنع مشاركتها في الحياة السياسية”، ويعتبر الشبلي أن اشتراط قوانين الانتخابات السابقة حصول المرشح للانتخابات التشريعية على مؤهل جامعي “أكبر دليل على إقصاء فئات كالفلاح والعامل وفئات أخرى من المشاركة السياسية”، ويطرح الشبلي سبباً آخر لضعف دور الأحزاب، وهو فقرها المالي وعدم دعم الدولة لها، ما يشكل وفق قوله “خطراً، لأنه تتم الاستعانة بالمال الفاسد”، إلا أنه يستدرك بالتأكيد على نضج العمل الحزبي، مستنداً في ذلك إلى أن الرؤى التي باتت تطرحها الأحزاب “تصب في صلب وعمق الحل”، على حد قوله.

4- رابعا، يمكن الجزم أن الاستمرار في إبعاد الأحزاب وراءه فعليا الأطراف السياسية المتنفذة في المشهد، والتي وصلت إلى مواقعها بصفة فردية أو مدعومة من قبل أطراف جهوية أو قبلية أو مناطقية أو عائلية، وكل من سبق ذكرهم حسب رئيس حزب التغيير جمعة القماطي “لا يملكون برنامجاً أو مشروعاً سياسياً ولا رؤية سياسية، وتحركهم المصالح الشخصية وثقافة التعامل مع الدولة كغنيمة، وبالتالي هم لا يريدون إفساح الفرصة أمام الأحزاب، لأنها ستطرح مشروعاً سياسياً ورؤيا وبرامج، وتكون كتلاً داخل البرلمان، وبالتالي ينتهي دور الأفراد والمشاريع الفردية”، وفعليا من المنتظر أن تسير القاعدة الدستورية المنتظرة أو القوانين التي ستنظم الانتخابات التشريعية القادمة على نهج منع الترشح نفسه على أساس القوائم الحزبية، “ما لم يكن هناك ضغط حقيقي من الأحزاب نفسها والمجتمع الدولي والأطراف الفاعلة المدنية والشعبية”، والثابت أن استبعاد الأحزاب “أفسح المجال أمام الاختيار على الأساس القبلي والجهوي والمناطقي”، وذلك حدا برئيس حزب التغيير إلى القول أن التجربة الحزبية “وليدة في ليببا”، موضحاً بالقول: “كان هناك انقطاع وتغييب للعمل الحزبي على مدى 60 سنة، بل كان هناك تجريم له بحكم القانون طيلة حكم القذافي، وبالتالي لم تتجذر التجربة في المجتمع الليبي، ولم تنتشر أفقياً وتستقطب وتبني قواعد شعبية”، ومع إقرار القماطي بوجود العمل الحزبي، إلا أنه يراه محدوداً بسبب ضعف إمكانيات الأحزاب وتخلي الحكومات المتعاقبة عنها. ومع كل ذلك، يعتقد القماطي أن صوت الأحزاب “بات مسموعاً في الأشهر الأخيرة”، وذلك بعد تنسيقها في مجموعات وشبكات، وتجدد ظهورها الإعلامي، وتمنح لجنة شؤون الأحزاب بوزارة العدل بالحكومات الليبية المتعاقبة تراخيص إنشاء الأحزاب، ومنحت حتى نهاية العام الماضي تراخيص لقرابة الـ70 حزباً موزعة في أنحاء البلاد، أكثرها لا تعرف له فاعلية ولا انتشار.

** فسيفساء المشهد الحزبي بين 2011 و2022  

 

غياب الأحزاب طيلة أربع عقود وحدوث ثورة 17 فبراير اوجد تيارين كبيرن في ليبيا بعد 2014 اختارت الأحزاب القديمة والجديدة (والمقننة ما بعد 2011) الى تيارين رئيسيين وهما تيار فبراير وتيار السبتمبريين (نسبة لانقلاب/حركة 01-09-1969)

1- فسيفساء مكونات تيار فبراير قبل وبعد 2014 وصولا لنهاية 2022

عملياً بدأت كتلة أنصار فبراير في التآكل الفعلي تحت تأثير عوامل الفوضى وانعدام الأمن منذ نهاية عام 2013 حيث فقدت الكثير من أنصارها وخاصة من عموم الشعب الذين لا أجندات سياسية أو إقليمية لهم، وكانوا يرون في التغيير تحولاً إلى الأفضل لكن آمالهم تبخرت، وساء الوضع الاقتصادي والاجتماعي وسط المعركة السياسية، وتعقدت أوضاع الليبيين المعيشية، وانعدم الأمن كلياً، وكثرت العمليات الإجرامية، وخاصّةً عمليات الخطف على الهوية، وحدثت الخيبات، وسقطت أحلام التغيير والاستقرار ومقولات ليبيا الغد وسط تواصل الصراع بين حكومتي الإنقاذ في الغرب الليبي، وحكومة “الثني” في الشرق (حتى فيفري 2021) ثم ظهرت حكومة باشاغا بداية من مارس 2022 وهما حكومتين تحكم فيهما عدد من قيادات الجيش بينما أعضاء حكومة وبرلمان طبرق ليسوا سوى واجهة سياسية وعملياً تشكل المشهد السياسي إثر تطورات الأحداث أحداث 2014  كما يلي:

  • الإسلاميون: وأغلب أحزابهم تشكلت بعد أكتوبر 2011، وإن كانت تواصل، وتجاوز لتيارات إسلامية ظهرت في عقدي السبعينات والثمانينات وبداية التسعينات على غرار “الجماعة الليبية المقاتلة” و”الإخوان المسلمين” و”التجمع الإسلامي”، أما راهناً فهناك أحزاب إسلامية عديدة وصغيرة وبعضها لا أفق سياسي له باستثناء “حزب العدالة والبناء” بقيادة “عماد البناني” (وهو الذراع السياسي للإخوان المسلمين في ليبيا) بدرجة أولى، وحزبي “الوطن”(بقيادة عبد الحكيم بلحاج) و”الأمة الوسط” (بقيادة “سامي الساعدي”) بينما تم خلا سنة 2022 تأسيس الحزب الديمقراطي على يسار الإسلاميين وبقيادة زعي العدالة والبناء السابق أي “محمد صوان”…
  • الليبراليون: ويتشكلون في تنظيمات وأحزاب هي أقرب للصورية باستثناء “قوى التحالف الوطنية” (بقيادة محمود جبريل) وبعض أحزاب أخرى تم تأسيسها سنة 2021، ، كما أن حزب “الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا” له قدرة على استرجاع إشعاعه التاريخي، وأهم زعيمين له تاريخيا هما: “عبد المجيد صهد” و”محمد المقريف” (المقيم في سلطنة عمان حالياً) أما حاليا فيقوده الأستاذ “عبد الله ارفادي”…
  • 2- “السبتمبريون”، وتنظيماتهم السياسية بين 2014 و2022-

          عملياً وجد أنصار القذافي أملاً في العودة من بعيد عبر دعمهم الخلفي للجنرال المتقاعد “خليفة حفتر” بشكل مؤقت في انتظار تطور الأحداث والذي اعتمد على ضباط سابقين، والذي كانت استراتيجيته المرحلية سنة 2014 السيطرة على مدينة بنغازي في انتظار تطور الأوضاع إقليمياً،  وعملياً وظف حفتر شعور أنصار القذافي بالهزيمة، وخاصّةً المتمركزين في تونس، ومصر، وهم الذين مكثوا في البداية ينتظرون وعن قرب يراقبون، ويتربصون،  ثم وجدوا في ظهور الخلاف داخل تيار فبراير متنفساً لهم، فبدأوا بالمجاهرة بذلك حتى أنهم أعلنوا تمسكهم بنظامهم السابق في صائفة 2013 مع الظهور القوي للثورتين المضادة في تونس ومصر وخاصّةً بعد الانقلاب العسكري على الرئيس يومها أي “محمد مرسي”، وتجلى ذلك بوضوح من خلال الملتقيات والمسيرات في بعض مدن مختارة بدراسة ودراية، ورافق ذلك ظهور وعودة قنوات إعلامية محسوبة عليهم، فتواصلوا معها، فمولوها، وخدمتهم تواصلياً عبر ترذيل تيار فبراير فاعلنوا  لاحقا عن بعض التنظيمات السياسية على غرار:

  • “الجبهة الشعبية لتحرير ليبيا”، والتي اتخذت من مصر مقراً لها، وأعلنت عن نفسها في عام 2014 قبل أن يتم تغيير تسميتها بـــ”الجبهة الشعبية الليبية” مع بداية 2017، وهو تنظيم اختار “سيف الإسلام القذافي” زعيماً له رغم أنه يومها ما زال في الأسر (لم يقع إطلاق سراحه إلا في 10 جوان الماضي 2017)، وهو يتنقل اليوم بين اوباري ومناطق الجنوب أي توجد قبيلته رغم أن وضعه الصحي ورفض واشنطن له يُعيقه عملياً في لعب دور سياسي، وسيكتفي حسب البعض الآخر بالتوجيه ودعم المصالحة الوطنية المرجوة ودعم أنصاره برلمانيا…
  • حركة النضال الوطني“، وهو فصيل دعمه “أحمد قذاف الدم”، المقيم في مصر، ويلتف حوله الكثير من أنصار القذافي وخاصّةً من الضباط السابقين في جهاز الأمن الخارجي
  • جبهة الخلاص الوطني“، وهو فصيل تدعمه عائشة القذافي، وتم الإعلان عنه خلال سنة 2015م، ويهدف إلى عودة نظام أسرة القذافي تحديداً، ويقدم سيف الإسلام كحاكم لليبيا الجماهيرية الجديدة، وقد أكد البعض أنه غير من استراتيجيته منذ بداية 2017 وليغيب تماما مع بداية سنة 2021

ويخلط أنصار القذافي والمنقسمون على أنفسهم، بين السياسي والقبلي حتى أنهم قبل تأسيس التنظيمات الثلاث فقد ركبوا موجة دعم ما يسمى بمؤتمر القبائل والمدن الليبية والذي يبدو ظاهرياً أنه يشمل كل المدن والقبائل الليبية، ويخطأ من يعتقد أن أنصار القذافي وحدة متكاملة أو أنهم من الممكن أن يشكلوا حزباً سياسياً بالمعنى الكلاسيكي، أو أن ذلك الحزب أو تنظيماتهم قابلة للعيش مطولاً أو أنهم من الممكن أن يبقوا تحت جبة “سيف الإسلام” لسنوات حتى تتوضح الأمور اقليميا ودوليا ومحليا…

** علل الظاهرة الحزبية بين تنامي دور المليشيات والعوامل البنيوية والتاريخية ومؤثرات الإقليم

1- أولا، بعد 2011 وبعد انتصار ثورة فبراير ونجاحها في اسقاط نظام القذافي شهدت ليبيا طفرة في لجوء الأفراد والمجموعات إلى تأسيس الأحزاب السياسية، بعد منع امتد لأكثر من 4 عقود، وخلال حوالي 11 عاماً جرى إشهار ما لا يقل عن 110 أحزاب، اعتمدت لجنة شؤون الأحزاب السياسية التابعة للمجلس الأعلى للقضاء الليبي سنة 2021 أوراق تأسيس 8 أحزاب منها لممارسة العمل السياسي. لكن العديد من المنعطفات السياسية التي مرت بها البلاد خلال العقد الأخير بينت غياب دور تلك الأحزاب وضعف تأثيرها، إذ اكتفت بإصدار البيانات، سواء المؤيدة لحدث ما أم المنددة بحصوله، فيما اكتفى بعضها الآخر بحضوره على صفحات التواصل الاجتماعي، ولا يُعرف على وجه الدقة ما إن كانت هذه الأحزاب لا تزال قائمة أم حلت نفسها، والثابت أن غياب دور الأحزاب في المشهد الليبي، يعود إلى أسباب عدة، بعضها مرتبط بالانقسامات التي شهدتها بعض الأحزاب المدنية نفسها، والبعض الآخر يعود إلى تركيبة المجتمع الليبي الذي يسيطر عليه تاريخياً التنافس القبلي والجهوي، وهو ما ظهر جلياً في منح الأحزاب حصة قوامها نحو 40 في المئة من المقاعد فقط (80 مقعداً) في انتخابات المؤتمر الوطني التي جرت عام 2012 (أول انتخابات برلمانية تجرى في البلاد ما بعد القذافي)، فيما حصل الأفراد المستقلون المدعومون من القبائل والعائلات الكبيرة على 60 في المئة (120 مقعداً). بل إن تظاهرات خرجت عام 2013 داعية إلى حل الأحزاب شجعت “المؤتمر الوطني العام”، الذي سيطر عليه المستقلون، على إصدار قانون قوّضت نصوصه من مشاركة الأحزاب في انتخابات مجلس النواب التي جرت في حزيران (يونيو) عام 2014.

2- ثانيا، تداعيات تحول الصراع السياسي إلى عسكري منذ عام 2014، ألقت بانعكاساتها على المشهد برمّته وفي القلب منه دور الأحزاب السياسية، ففي بلد يحكمه صراع القوة، ينسحب الاهتمام الشعبي بالمشاركة السياسية المدنية، فيما تصاعدت سطوة قوى الإسلام السياسي الراديكالي، وارتباطها بالميليشيات المسلحة، من جهة، وبمشاريع إقليمية من جهة أخرى (تقارير دولية ومحلية فإن ليبيا تضم أكبر مخزون في العالم من الأسلحة غير الخاضعة للرقابة، إذ تحتوي على نحو 30 مليون قطعة سلاح بين خفيفة ومتوسطة وثقيلة بأيدي الميليشيات وعصابات التهريب والجريمة أو العشائر)، ورغم أن البعض يرفض تحميل التركيبة المجتمعية القبلية في ليبيا مسؤولية ضعف التجربة الحزبية، فان الثابت أنها اعاقتها بنيويا ومع ذلك فهناك كثيرين يتطلعون لتشكيل كيانات في ليبيا تساهم في استقرار البلاد وترسيخ العملية الديموقراطية وطبعا لو جرت انتخابات تشريعية وفقاً للنظام الدستوري والقانوني الحالي “سيكون الأفراد المستقلون الأكثر حظاً في الفوز بالانتخابات، ولكن سيتغير الأمر بالوقت وطبعا سيتغير المشهد السياسي وسيكون للأحزاب دور في المستقبل عندما يكون لليبيا سلطة منتخبة ودستور دائم.

3- ثالثا، بعد عام 2011 بدأت تنشط الحياة الحزبية في ليبيا مع تسهيل إجراءات تأسيس الأحزاب، لكن الملاحظ أنه بعد عام 2014 وكما بينا ذلك أعلاه بدأت الأحزاب الانحياز إلى المعسكرات الفاعلة على الأرض، فهناك عدد من الأحزاب أغلب أعضائه من قيادات النظام السابق، أبرزهم حزب “الحركة الوطنية الليبية الشعبية”، وهؤلاء يتركز نشاطهم في المنطقتين الشرقية والجنوبية، ويدعمون قوات خليفة حفتر، فيما هناك أحزاب أخرى على رأسها حزب “العدالة والبناء” (الذراع السياسية للإخوان) وهؤلاء ينشطون في الغرب الليبي ولسندهم الاجتماعي ظهير موال للميليشيات وفي حد ادنى هم في تقاطع معهم سياسيا واجتماعيا…

** مستقبل الأحزاب في ليبيا في افق نهاية سنة 2023

الخلاصة أن التجربة الحزبية لم تنضج بعد رغم أنها أفضل حالا من بعض بلدان عربية كثيرة في المشرق والمغرب العربي وفي الشرق الأوسط، وطبعا سبب ذلك هو أن الفاعل على الأرض هي القوة العسكرية كما أن النشاط الحزبي في البلاد جاء بعد حرمان لعقود، بالإضافة إلى أن الأجواء ملبدة والعملية السياسية متعثرة”، مشدداً على أن “التجربة الحزبية تحتاج إلى دولة مستقرة، كما أن العدد “المهول” من الأحزاب، يفوق التمثيل السكاني في ليبيا. و”كثرة الأحزاب دلالة واضحة على عدم التوافق في الرؤى وكذلك على الانقسام، ونهم البعض وشغفهم برئاسة حزب وتصدر المشهد إعلامياً ومن المترقب مستقبلا وخاصة إذا تم فعليا انتخاب سلطة دائمة في البلاد فسنتدمج أغلب هذه الأحزاب، ويوجد في ليبيا ايوم فريقين مختلفين حول رؤية دور الأحزاب، والفريق أول متفائل ويعتقد أن الامر متربط بالوصول الى تأسيس مسار ديمقراطي بعد انجاز الاستحقاقات الانتخابية، بينما يبدو الفريق الثاني متشائما بل ويشكك في قدرة الأحزاب على تنظيم صفوفها، استعداداً للتنافس في الانتخابات التشريعية إذا أجريت، ويمكن هنا التساؤل “هل لدى الأحزاب الحالية من تياري فبراير والسبتمبريين قدرة على التواصل مع المواطنين والتعامل معهم وفهم ديناميكية الوعي الجمعي؟ وهل في ليبيا اليوم حياة حزبية فاعلة؟ وهنا يمكن تفهم انتفاضة الأحزاب الأخيرة ذلك أن شكل النظام الانتخابي لم يتحدد بعد، وما إن كانت ستُجرى وفقاً للنظام الفردي أو القوائم أو الجمع بين النظامين، لكن في كل الأحوال فإن الأحزاب والكيانات السياسية غير موجودة، وإن وجدت، فهي لا تعبّر عن الديموقراطية بوجهها الحديث وهو ما يعني أنه امام الأحزاب المائة والمقننة في ليبيا في افق نهاية 2023 عمل كبير لتكون مستقبلا قادرة على احداث موازين القوى سياسيا وبالتالي طرح بدائلها ومشاريعها في قيادة الدولة الليبية…

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق