الجزائر

الجزائر ومعادلة توتر العلاقة مجددا مع باريس والتقارب المتواتر مع واشنطن

أبو رسلانكاتب ومحلل سياسي    

              منذ أسبوعين كانت باريس والجزائر حريصتينعلى دعم العلاقات والتي رفع عيها كثير من طبقات التوتروخاصة بعد زيارتي ماكرون ووزير خارجيته حتى أنالجزائريين قد ارجأوا زيارة تبون موسكو والتي كانتمقررة لبداية فيفري الحالي الى ماي حتى تكون قريبةزمنيا من زيارته لباريس وهي خطوة اعتبرت حرصجزائري على احداث توازن بين الغرب وروسيا وهو مايفسر لقاء عسكري رفيع المستوى أول امس في العاصمةالجزائرية مضاف اليها الغاء سابق للمناورات مع موسكوكانت مبرمجة قريبا من الحدود المغربية ( وكانت رسالتهاالضمنية للغرب اكثر منها للمغربولكن بوادر الأزمةالدبلوماسية الجديدة مع باريس والتي لاحت على أثرتدخل فرنسي لنقل رعية جزائرية من تونس إلى باريس، مع قرار الرئاسة الجزائرية، مساء أول أمس الأربعاءاستدعاء السفير الجزائري من باريس للتشاور معه إثرالحادثة، كل ذلك أوجد معادلة معقدة وصعبة بين ملامحتوترات جديدة قد تستدعي الازمات والتعقيدات السابقةوأيضا الحرص على ن ينحصر ذلك مع باريس ففي نفساليوم الذي عادت ملامح التوتر كان رئيس الأركانالجزائري يستقبل عسكريين أمريكيين رفيعي المستوى بلوكان خطابه مؤكدا على الحياد وعلى اخذ مسافة علىموسكو، فما هو مستقبل التطورات المرتقبة على مربعمعدلة العلاقة بين الجزائر والغرب؟        

** عودة مربع التوتر مع باريس وكلاسيكيات التعاطي الجزائري  

1- أولا، قبل يومين لم يكن أي مستقرأ للأحداث يتوقع انيعود التوتر كسمة طاغية على العلاقات بين البلدينخاصة بعد رسائل الود المتبادلة وطبيعة مخرجاتاللقاءات والمشاورات وكنه مضمون الاتفاقياتالممضية حتى ذهب بعض المتابعين الى القول أنبعض تعيينات في البلدين قد كان الهدف منها طمأنةالآخر المقابل بل ن باريس قد ضغطت على قناةخاصة لإلغاء لقاء لشخصية غير مرغوب فيها جزائرياوهي خطوة اعتبرت غير مسبوقة في التاريخالفرنسي بل واضطرت احدى سفاراتها في الرباطالرد على الاعلام المغربي والذي انتقد تلك الخطوة، كما أن زيارة الرجل الأول في المؤسسة العسكريةالجزائرية لباريس منذ أيام اعتبرت تتويج لوديةالعلاقات بغض النظر عن تفاصيل ما تم بحثه فيتلك الزيارة والتي اثارت سوائل اعلام اجنبية وعربيةكثير من الجدل، والسؤال هنا ما الذي حدث حتىيجري ما جرى وما الذي كان مخبئا وليتجسد فيالخطوة الفرنسية والتي استفزت الجزائريين كما لمتستفزهم أي خطوة سابقا، خاصة وان كثير منالمراقبين قد اعتقدوا ان هناك دور شراكة قد يتوسعمستقبلا وهو ما كانت تذهب اليه التحاليل قبل حادثةالناشطة الجزائرية واهم سؤال هنا هو كيف يتضاربالتكتيكي والاستراتيجي في كل هذا الخضم بينباريس والجزائر؟                  
2- ثانيا، أفاد بيان للرئاسة الجزائرية أول أمس الأربعاءبأنه وامتداداً للمذكرة الرسمية التي احتجت بموجبهاالجزائر بشدة على التسلل السري وغير القانونيلمواطن جزائري يقضي القضاء الجزائري بوجودهالجسدي على التراب الوطني، فقد أمر رئيسالجمهورية السيد عبد المجيد تبون بمشاورة سفيرالجزائر في فرنساسعيد موسيوكانت وزارةالخارجية الجزائرية قد أبلغت السفارة الفرنسيةبرفضها هذا التطور الذي يلحق ضرراً كبيراً بالعلاقات الجزائرية الفرنسية، معتبرةً أن هذاالتصرفغير مقبولومن شأن هذه الأزمة الجديدةوحديث المذكرة الرسمية للخارجية الجزائرية أن تُؤزمالعلاقات بين البلدين، وقد تؤدي إلى إلغاء زيارةالرئيس تبون المقرر أن يقوم بها إلى باريس في مايو/ أيار المقبل، وهذه هي المرة الثانية التي تقرر فيهاالجزائر استدعاء سفيرها من باريس خلال مدةالسنة والنصف الأخيرة، حيث كانت الجزائر قداستدعت سفيرها من باريس في 2 أكتوبر من عام2021، على خلفية تصريحات وزير الداخليةالفرنسيجيرالد درامانانحول رفض الجزائراستصدار وثائق سفر قنصلية للمهاجرين غيرالشرعيين، الذين ترغب باريس في ترحيلهم.
3- ثالثا، كانت السلطات الجزائرية قد انتقدت فرنساأول أمس الأربعاء عبر صحف حكومية رسميةواتهمتها بالقيامبسلوك غير وديعلى خلفية تدخلالقنصلية الفرنسية في تونس فيتهريبناشطةجزائرية إلى فرنسا (تحمل جواز سفر فرنسياً)، بعدما كانت قد عبرت من الجزائر إلى تونس براً بطريقةغير قانونية“.، وقد كتبت صحيفةالمجاهد“، كبرى الصحف الرسمية في الجزائر أولأمس الأربعاءتصرفت فرنسا بصفة غير ودية للغايةتجاه الجزائر وتونس، إذ قامت عبر تمثيليتهاالدبلوماسية في تونس بخرق القانون التونسي منخلال إجلاء رعية جزائرية إلى فرنسا“، ولمحت نفسلصحيفة إلى أنّ مثل هذا السلوك قد يضر بالعلاقاتبين البلدين، مضيفةً أنّ “باريس، من خلال هذاالتصرف، تضر بالعلاقات بين البلدين في الوقتالذي بدأت تشهد فيه هذه الأخيرة تحسناً ملحوظاً بعد الزيارة التي أجراها الرئيس الفرنسي إلىالجزائر، والتي توجت إعلان الجزائر من أجل شراكةمتجددة“، ومعلوم أن الناشطة الجزائريةالمعارضة “أميرة بوراويقد نجحت في الهروب منالجزائر إلى فرنسا عبر تونس، والتي وصلت إليهاعبر الحدود البرية حيث عبرت الحدود بطريقة غيرقانونية، لكونها ممنوعة من مغادرة التراب الجزائري، في حادث ليس الأول من نوعه في صفوف المعارضينالجزائريين، بسبب ما يعتبرونه تضييقاً سياسياً عليهم من قبل السلطات ومنعهم من السفر، ووصلتبوراويالإثنين 06 فيفري الحالي إلى مدينة ليونالفرنسية قادمة من مطار تونس الدولي، بعدماأحبطت القنصلية الفرنسية في تونس محاولةالسلطات التونسية ترحيلها إلى الجزائر إثر توقيفهانهاية الأسبوع الماضي (تحديدا الجمعة 03-02-2023) في المطار عندما كانت تحاول ركوب رحلةمتوجهة إلى فرنسا باستخدام جواز سفرها الفرنسي(تحمل الجنسية الفرنسية منذ عام 2007 لزواجهامن جزائري مقيم في فرنسا مزدوج الجنسية).
4- رابعا، نقلت صحيفةالخبر” (يومية) عن مصدرمسؤول أنّ “السلطات الفرنسية هرّبت الناشطةأميرة بوراوي من تونس إلى ليون، بتدخل من عقيدفي جهاز المخابرات الفرنسية، وبتنسيق مع السفيرالفرنسي في تونس، حيث كان في انتظارها بمطارليون عقيد في المخابرات الفرنسية، قام بالتنسيقوالتخطيط والتحضير لتسفيرها نحو فرنسا بطرقغير قانونية“، وتحيل كل التقارير السابقة بغضالنظر عن دقة بعض معطيات من عدمه إضافة إلىخبر استدعاء السفير الجزائري في باريس إلىتوقعات جدية بأن تؤثر هذه القضية المستجدة علىعلاقات باريس بالجزائر قبيل الزيارة المرتقبة للرئيسعبد المجيد تبون إلى باريس وتشير تلك التصريحاتإلى إمكانية إضافة أزمة أخرى إلى سلسلة قضاياخلافية تعاني منها العلاقات بين البلدين، خاصة فيما يتصل باحتضان واستقبال باريس لمجموعة منالناشطين المعارضين الجزائريين، والسؤال الآن كيفستتطور الازمة وهل سيتم احتوائها بسرعة أم أنمربعات التوتر ستعود الى مستوها السابق قبلمرحلة الود بين البلدين ولو تم ذلك فهل هو التضاربفي الهدف الاستراتيجي بين مرامي الدولة العميقةالفرنسية التي تبحث عن تحويل الجزائر لدولة وظيفيةفي افريقيا بينما ساسة الجزائر وحكامها الرئيسيينيبحثون عن شراكة فعلية وبما لا يحقق خطوات بعضقوى ودول تسعى ولا شك لتفكيك الجزائر في افقنهاية العقد الحالي او الذي يليه؟

** لقاء عسكري رفيع المستوى: خطوة أخرى نحو وديةالعلاقات بين واشنطن والجزائر

1- أولا، العلاقات بين واشنطن والجزائر قصة طويلة بينالتواصل والحذر المتبادل وهي علاقة كثيرة التعقيد لاسياسيا فقط بل وأمنيا أيضا نتاج حرص كلا البلدينعلى بقاء التقاطع والانقطاع سمة غالبة على العلاقةبينهما، وخلال الأشهر الماضية وتحديدا منذ اكثر منسنة تواتر التواصل على أكثر من صعيد حيث زاربلينكن العاصمة الجزائرية وتم التشاور بين الطرفينفي أكثر من ملف وأكدت الجزائر أنها تحرص اكثرعلى التوازن في علاقتها بين الغرب والروس، وهو ماتأكد من تصريحات قائد اركان الجيش الجزائريحيث أكد التزام بلاده الحياد في الصراع بأوكرانياوقد جاء ذلك التأكيد باعتبار  وجود سلسلة انتقاداتسابقة أميركية وغربية توجه إلى الجزائر، وتعتبرهامنحازة إلى الجانب الروسي، وقال الفريق أولالسعيد شنقريحةخلال لقائه قائد القيادةالعسكرية الأميركية في أفريقيا (أفريكوم) الفريقأولمايكل لانغليالذي يزور الجزائر: “أود التأكيدأن الجزائر تتشبث بمبدأ عدم الانحياز.. وتتعامل، في إطار خدمة مصالحها، مع دول صديقة كثيرةتربطها معها علاقات عسكرية واقتصادية“، وكانالمسؤول العسكري الجزائري يلمح إلى سلسلةانتقادات توجه غالباً للجزائر، من قبل مشرعينأميركيين ووسائل إعلام غربية، تعتبر أن الجزائرمنحازة إلى صف روسيا، وأنها تعقد صفقات أسلحةتوفر لموسكو عبرها أموالاً توجه لدعم المجهود الحربيضد أوكرانيا، وكان نائب رئيس لجنة الاستخباراتالأميركيةماركو روبيوومجموعة تضم 27 منأعضاء الكونغرس، تتزعمهمليزا ماكلينوجهوارسائل إلى وزير الخارجية أنتوني بلينكن، وطالبوابفرض عقوبات على الجزائر بسبب صفقات الأسلحةمع روسيا.
2- ثانيا، قائد الجيش لجزائري شدد على أهميةإرساءتعاون يكون في مستوى طموحات الطرفين، كونبلدينا منخرطين في مسار تحسين الوضع الأمنيفي القارة الأفريقية، وبإمكانهما تقديم العونوالمساعدة لبعض البلدان التي هي بحاجة إليها، منأجل الاضطلاع بمهامها السيادية، لاسيما عندمايتعلق الأمر بالسلم والأمن“، وكان قائد الأفريكومالفريق أولمايكل لانغليقد وصل أول أمسالأربعاء إلى الجزائر في زيارة عمل، التقى خلالهاالرئيس عبد المجيد تبون، ومعلوم أنه وفي الفترةالأخيرة هناك فعليا تركيز أميركي واضح على تكثيفزيارات لكبار المسؤولين الأميركيين إلى الجزائر، حيثزار منسق شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بمجلس الأمن القومي الأميركيبريت ماكغورك“، ومساعدة وزير الخارجية الأميركي المكلفة بشؤونالشرق الأدنى “يائيل لومبرتالجزائر، في إطارالتحضير للحوار الاستراتيجي بين البلدين، المقررعقده مطلع العام المقبل في واشنطن، كما زارتمساعدة وزير الخارجية الأميركي لشؤون المنظماتالدولية، ميشيل سيسون، الجزائر نهاية الشهرالماضي.

 

** الخلاصة في معادلة التوتر والودية بين الغرب والجزائر  

             واضح أن هناك مرحلة تحول كبرى في العلاقةبين الجزائر والغرب وهذا الأخير يعي جيدا أن الجزائرمحوري افريقيا ومغاربيا وعربيا ومتوسطيا وخاصة فيظل ما يجري في الإقليم وفي ظل تداعيات الحربالروسية الأوكرانية وخاصة في ظل الاستدارة الاوربيةنحو افريقيا بسبب الأمن الطاقي والغاز تحديدا وفي ظلان علاقتها مع روسيا استراتيجية (التسلح وقطع غيارالسلاحالمناوراتالتدريبات وطبيعة الاتفاقياتالسابقة…)، كما أن الدبلوماسية الجزائرية عادت الىفاعليتها ونجاعتها بعد أن كانت مشلولة بين 2014 و2020 وهو ما توضح من العودة القوية لكثير من الملفاتواهمها الملف الفلسطيني والليبي والمالي إضافة الىالتحالف القوي مع روما والتقارب الكبير مع أنقرة ووديةعلاقاتها مع سوريا، ومن ثم ستتواصل ودية العلاقة معالغرب (ألمانياإيطالياأمريكابقية دول أوروبية ) في حين ستبقى العلاقة مع مدريد وباريس مهتزةوخاضعة لاعتبارات تكتيكية بين الجزائر والبلدين وخاصةمع باريس وستكون للدولة العميقة الفرنسية الكلمة الفصلفي محرار وترتيب العلاقة بين البلدين ومن ثم اخذها الىأي منعطف من المنعطفات على ان التوتر سيكون اقربخلال الأسابيع القادمة

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق