
خلود الطيب – كاتبة صحفية مختصة في الشؤون المغربية
قال سفير فرنسا في الرباط “كريستوف لوكوتورييه” إن التوصية التي تبناها البرلمان الأوروبي حول حرية الصحافة في المغرب لا تلزم أبدا فرنسا”، بينما بدت الطبقة السياسية في المملكة انها أقرب الى موقع ومربع اتهام باريس بالوقوف وراء تلك التوصية، والسؤال المحوري هنا هو: لماذا تبدو باريس حذرة وودودة مع الرباط في آن واحد فهل هي موازنات الإقليم أم أن الأمر يرتكز على منع تأثير ذلك على زيارة ماكرون المرتقبة؟
1- تذهب بعض قراءات الى القول والتأكيد أن باريس تريد أن تهدئ التصعيد الأخير مع المغرب الذي زاد من المتاعب التي تعترضها في مناطق أخرى من أفريقيا، لكن واقعيا من الصعب جدا أن ينجح تصريح لسفير فرنسي في تبديد غضب المغاربة الذين يطلبون موقفا فرنسيا رسميا واضحا بشأن عناصر الخلاف، ومعلوم أن السفير “لوكوتورييه قد قال لمجلة “تيل كيل” (Tel quel ) في عددها الصادر نهاية الأسبوع الماضي إن “قرار البرلمان الأوروبي لا يلزم أبدا فرنسا”، وأضاف السفير الفرنسي مؤكدا “نحن مسؤولون عن قرارات السلطات الفرنسية، أما البرلمان الأوروبي فبعيد عن سلطتنا والأمر يتعلق بشخصيات منتخبة…”، كما شدد الدبلوماسي الفرنسي على أن “الحكومة الفرنسية لا يمكن أن تعتبر مسؤولة عن البرلمانيين الأوروبيين….”
2- بعض المراقبين قرأوا تصريحات “لوكوتورييه” أنها تهدف إلى امتصاص الغضب الرسمي في المغرب ومنع تأثير ذلك على زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الرباط المقررة في هذا الشهر، ولا يعرف إن كانت باريس ستطلق تصريحات أكثر وضوحا من كلام “لوكوتورييه”، سواء من الرئيس ماكرون أو من وزارة الخارجية، من أجل التمهيد لنجاح الزيارة ومنع هذا التوتر من أن يدفع إلى تأجيلها لكن المؤكد أن المملكة المغربية لن تقبل أيّ شراكة مع باريس ما لم تحسم موقفها من قضية الصحراء وتكف عن المواقف الضبابية، وكانت الخارجية الفرنسية ردت على سؤال بشأن الاتهامات الموجهة إلى بلادها باستهداف المغرب بالقول “إنه لا أزمة مع المملكة” وإن شراكتهما راسخة، وكان البرلماني الأوروبي الفرنسي “تييري مارياني” أكد على ضرورة إعادة بناء العلاقة بين المغرب والاتحاد الأوروبي، وعلى “أننا في حاجة إلى بعضنا البعض، لدى الاتحاد الأوروبي شريك موثوق وهو المملكة المغربية، وهذه الشراكة ركيزة أساسية لسياسة الاتحاد الخارجية في أفريقيا”، مضيفا أنه “يجب أن نفعل كل شيء لإعادة بناء العلاقة التي تضررت إلى حد كبير…”
3- فعليا تمتلك المملكة المغربية الكثير من الأوراق للضغط بها على أوروبا، وعلى رأسها موضوع التنسيق الأمني بشأن الحركات المتطرفة وبشأن الهجرة، فضلا عن شراكة قوية في مجالات متعددة من الصعب على الاتحاد الأوروبي التفكير في القفز عليها، وأقر البرلمان الأوروبي في الـ19 من جانفي/يناير الماضي توصية غير ملزمة انتقدت تدهور حرية الصحافة في المملكة، ولقيت هذه الخطوة إدانة قوية في الرباط، عبّر عنها خصوصا البرلمان المغربي الذي أعلن عزمه على “إعادة النظر” في علاقاته مع نظيره الأوروبي، مندّداً بـ”تدخّل أجنبي” و”ابتزاز”، وتركزت انتقادات الطبقة السياسية والإعلام المحلي على باريس، في سياق تقارب فرنسي – جزائري يثير حفيظة الرباط، واعتبر رئيس اللجنة البرلمانية المشتركة بين المغرب والاتحاد الأوروبي لحسن حداد الأسبوع الماضي أن “جزءا من الدولة العميقة الفرنسية” يقف وراء تبني التوصية الأوروبية، وقال حداد في مؤتمر صحفي بالرباط “أظن أن جزءا من الدولة العميقة في فرنسا تزعجه الانتصارات الأمنية والدبلوماسية للمغرب، واستغل هذه الأزمة ليحرك الليبراليين الفرنسيين لتبني هذا القرار…”، وأشار إلى أن رئيس مجموعة “رينيو” (وسط ليبرالي) في البرلمان الأوروبي الفرنسي “ستيفان سيجورني” (فعليا هو مقرب من الرئاسة الفرنسية) قد لعب دورا كبيرا جدا وكان من مهندسي القرار)
4- الخلاصة أنه وان سبق أن نفت وزارة الخارجية الفرنسية وجود أيّ أزمة مع المغرب، موضحة على لسان المتحدثة باسمها “آن كلير لوجاندر” أن “البرلمان (الأوروبي) يمارس صلاحياته بشكل مستقل” وأعلن السفير الفرنسي نهاية أزمة التأشيرات مع المغرب و”العودة إلى الوضع السابق وموضحا أنه أرسل إلى الرباط لطي الصفحة”، فان فرنسا اليوم في وضع متحرك في كل الإقليم الذي تتمحور فيه المملكة بقوة ومن ثم فان باريس تبدو حذرة وودودة في نفس الوقت مع الرباط، ومربع الحذر يرتكز على قوة شراكات المغرب في مربعات ذلك الإقليم متوسطيا ومغاربيا وافريقيا وعربيا أما الودية فهي حتى لا تخسر كل الأوراق استراتيجيا مع المملكة وحتى تتم زيارة ماركون المرتقبة وبعدها لكل حدث حديث حسب آليات فعل وتكتيك باريس ومقاربات مستشاري الاليزيه الحاليين، ومعلوم أن فرنسا قد كانت قررت في سبتمبر 2021 تقليص عدد التأشيرات الممنوحة للمغرب والجزائر إلى النصف، مبررة ذلك برفض البلدين استعادة مهاجرين غير نظاميين تريد باريس ترحيلهم، ومعلوم أن ذلك قد تسبب في أزمة بين الحليفين التقليديين، قبل أن تعلن وزيرة الخارجية الفرنسية “كاترين كولونا” أثناء زيارتها إلى الرباط في ديسمبر الماضي نهاية أزمة التأشيرات والعودة إلى تعاون كامل في مجال الهجرة.