
بعد سنوات من التهميش الذي يقول البعض إنه متعمد، فيما يراه آخرون حدثا طبيعيا، تستعرض السينما التونسية تاريخ رائدة الحركة النسوية بشيرة بن مراد في فيلم يؤرخ لمسيرتها يحمل عنوان “التونسية” وهو من إخراج المنصف بربوش.
يتناول الفيلم فترات من حياة المناضلة بن مراد ودورها في الحركة النسوية من خلال تأسيس “الاتحاد الإسلامي النسائي التونسي” وجهودها في المطالبة بتعليم المرأة ووقوفها ضد المستعمر الفرنسي إلى حين حصول بلادها على الاستقلال وعلاقتها بالزعيم الراحل الحبيب بورقيبة من خلال شهادات لأفراد من عائلة المناضلة والشخصيات التي عاصرتها.
ويشارك في الفيلم الممثلون انتصار برهومي وحليمة داود وإلياس العبيدي وسهى بن شعبان.
ولدت بشيرة بن مراد (1913 – 1993) بالعاصمة التونسية في عائلة أرستقراطيّة عريقة في العلم والدين، إذ كان جدها الشيخ أحمد بن مراد مفتيا حنفيا، وكان والدها الشيخ محمد الصالح بن مراد شيخ الإسلام الحنفي والذي شجعها على مواصلة نضالها رغم أنه كان من أبرز معارضي الطاهر الحداد رائد تحرير المرأة في تونس.
وفي مجتمع منغلق، رفعت بن مراد صوتها وكشفت عن وجهها ورفعت العلم وجابت الشّوارع لتقود المظاهرات وبرزت إلى جانب أختها نجيبة وعدد من نساء الأرستقراطية التونسية في الأعمال الخيرية.
وكشف المخرج منصف بربوش أن إنجاز عمله الجديد استغرق سنتين، لكن عملية جمع الوثائق والصور الخاصة بالراحلة بشيرة بن مراد استغرق ثلاثين سنة.
ولفت إلى أنه استند في إعداد فيلمه إلى وثائق متنوعة تحصل عليها من الأرشيفين الفرنسي والبلجيكي، إلا أنه لم يجد أي وثائق تتعلق بهذه المناضلة في الأرشيف الوطني التونسي.
وغابت كذلك الدولة التونسية عن تمويل ودعم هذا الفيلم الذي تم إنجازه بدعم ذاتي من المخرج وعائلة بشيرة بن مراد.
وكتب المخرج معلقا على خبر صدور الفيلم عبر صفحته الخاصة على فيسبوك “‘التونسية’ فيلم عن مناضلة زاهدة، هي بشيرة بن مراد.. سنمضي إلى الأعالي، سنمضي إلى الآفاق وأقدامنا راسخة في هذا البلد.. الحلم الذي ناشدته المناضلة بشيرة بن مراد تحقق وبات واقعا ملموسا، فهي المرأة التي أحبت التحرر الفكري والمجتمعي، وتاقت إلى الحرية والديمقراطية وتكوين برلمان تونسي”.
وبين التحرر الفكري المجتمعي والنضال الديمقراطي، رسم الفيلم صورة تكاد تكون مكتملة عن حياة بن مراد، وانطلق المخرج من وسطها العائلي الذي أثرى زادها المعرفي وانتهى بدورها السياسي في الدفاع عن قيم الديمقراطية وتكوين برلمان تونسي.
شهادات حية كثيرة متنوعة، من عائلة بن مراد وشخصيات حقوقية وسياسية من أصدقائها، ومراوحة بين محاكاة الأحداث وتجسيدها، كشفت عن تفاصيل دقيقة تخص حياة رائدة الحركة النسائية في تونس ومؤسسة الاتحاد الإسلامي النسائي التونسي الذي كان يهدف إلى تعليم الفتيات وجمع التبرعات لفائدة طلبة شمال أفريقيا الذين يدرسون في فرنسا.
ويوضح المخرج أن “عمق الفيلم يوضح فشل الاستعمار الفرنسي في صد ‘للا بشيرة’ عن النضال والتوق إلى إعلاء مكانة المرأة التونسية في المجتمع ونجحت في زيارة الكثير من المدن وأسست فروعا نسائية تابعة للاتحاد النسائي الإسلامي، فما كان للشرطة الفرنسية إلا حل وحيد وهو سجنها في الحمّام توجسا من قدرتها على التأثير وتكوين شعبية ثورية”.
وأضاف “الكثير من الحقائق الأخرى تتضح في زوايا الفيلم، علاقة بشيرة بن مراد بالرئيس السابق الحبيب بورقيبة، وزهدها في حياتها الاجتماعية والسياسية، امرأة معطاء اجتماعيا ولا تلهث وراء المناصب السياسية”.
المصدر : العرب بتاريخ 06 فيفري 2023
لقراءة الخبر من مصدره اضغط هنا