خلفيات وأبعاد و حيثيات تحرك الدبلوماسية المغربية نحو المشرق العربي
سلطنة عُمان كانت المحطة الثالثة لدبلوماسية المملكة بعد العراق والبحرين

خلود الطيب – كاتبة صحفية مختصة في الشؤون المغربية
لفتت زيارة وزير الخارجية المغربي “ناصر بوريطة” إلى العراق وعُمان في إطار جولة عربية شملت أيضا مملكة البحرين أنظار المتابعين، خصوصا الزيارة التي قام بها إلى بغداد والتي حرص من خلالها على تجاوز مخلفات الماضي وفتح صفحة جديدة، ولكن اللافت للنظر هو أن الدبلوماسية المغربية قد حققت نجاحات كبيرة سنة 2022 مع الشركاء الغربيين وخاصة تعديل الشراكات وتطويرها مع الاوربيين (“الألمان” و”الاسبان” أساسا) إضافة الى سيل من الدول الافريقية والتي أعادت سنتي 2021 و2022 فتح ممثليات دبلوماسية لها لدى المملكة، فما هي خليفات وأبعاد وحيثيات التوجه المغربي نحو دول المشرق العربي خاصة وأن الزيارات قد جاءت بعد أسبوع من قمة “أبو ظبي” الطارئة؟
أ -فعليا شكلت سلطنة “عُمان” المحطة الثالثة لوزير الخارجية المغربي “ناصر بوريطة” في جولته العربية التي قادته إلى مملكة البحرين والعراق، في توجّه مغربي نحو تعزيز العلاقات مع محيطه العربي تماهيا مع طبيعة المرحلة الراهنة وفي ظل التحديات التي يُواجهها العمل العربي بفعل التدخلات الإقليمية لاسيما الإيرانية (على الأقل من وجهة نظر المغرب الكلاسيكية وقراءاتها لما يجري في الإقليم)، وكانت الدبلوماسية المغربية تركز في تحركاتها أساسا على الضفة الشمالية، مع تعزيز العلاقات مع دول الخليج العربي، لكن جولة “بوريطة” الأخيرة والمستمرة تعكس تغيرا في المقاربة الخارجية للمملكة، وقد أجرى وزير الخارجية المغربي مع نظيره العماني “بدر بن حمد البوسعيدي”أول أمس الأحد مباحثات بشأن التعاون الاقتصادي بين بلديهما، وبحسب وكالة الأنباء العمانية الرسمية، فقد جرى خلال الاجتماع والذي عُقد في العاصمة “مسقط” تبادل وجهات النظر إزاء عدد من المستجدات على الساحتين العربية والدولية، واتفق المسؤولان على عقد الدورة القادمة للجنة المشتركة العُمانية – المغربية (دون تحديد تاريخ) لمواصلة تعزيز برامج التعاون واستكشاف مزيد من فرص الشراكة الاقتصادية والتبادل التجاري، وعلى الصعيد السياسي أكدا رؤية البلدين المشتركة الداعية إلى الحوار والتعاون البنّاء لمعالجة مختلف القضايا تحقيقا للسلم والاستقرار بين الأمم والشعوب
.ب – وزير الخارجية المغربية وصل إلى “مسقط” قادما من بغداد في زيارة غير محددة المدة، حيث شارك مع نظيره العراقي “فؤاد حسين” السبت الماضي في إعادة افتتاح السفارة المغربية بعد 18 عاما من الإغلاق، وكانت الرباط أغلقت سفارتها في بغداد ونقلتها إلى العاصمة الأردنية عمّان بعد أن اختطف تنظيم القاعدة آنذاك اثنين من موظفيها، وتعكس زيارة وزير الخارجية المغربي إلى البحرين والعراق وعُمان جزءا من نظرة دبلوماسية مغربية ناشطة للمنطقة، ويشير مراقبون إلى أنه على الرغم من الأهمية الكبيرة التي تحظى بها زيارة بوريطة إلى البحرين لجهة العلاقات المتميزة التي تجمعها بالمغرب، لكن الأنظار كانت مركزة أكثر على زيارة المسؤول المغربي إلى العراق وعُمان، وفعليا تؤشر زيارة المسؤول الأول علي دبلوماسية المملكة إلى بغداد والتصريحات الصادرة عن وزيري خارجية البلدين، ولقاءات المسؤول المغربي مع كبار المسؤولين، على استشراف جديد للعلاقات المغربية – العراقية بآفاق واعدة وإرادة مشتركة في تمتين أوجه التعاون بينهما، خاصة في المجالات ذات الطبيعة الأمنية والاستراتيجية، ويمكن التأكيد أن إعادة فتح السفارة المغربية ببغداد تعكس رغبة المغرب في تعزيز التعاون مع العراق خلال هذه المرحلة المفصلية المطبوعة بتطور إيجابي نسبيا في الأوضاع الأمنية والاقتصادية، وفي نفس الوقت تحدو المغرب رغبة قوية في وضع أرضية صلبة لتوحيد الصف العربي بشكل ملموس والدعم المتبادل للوحدة الترابية والوطنية للدول العربية والتحلي بالبراغماتية السياسية في التعاطي مع الإشكالات والقضايا التي تواجه شعوب المنطقة والأمن الإقليمي بعيدا عن منطق الشعارات والأيديولوجيات التي تخدم مصالح وأجندات إقليمية ضيقة.
ت -باستعادة سفارة المغرب لنشاطها تم رفع المغرب الحجز عن الأموال العراقية الخاصة بمصرفي الرشيد والرافدين، حيث أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية العراقية “أحمد الصحاف” السبت (28-01-2023) أن المملكة أنهت الحجز المفروض على الأموال الخاصة بالمصرفين الحكوميين منذ حرب الخليج عام 1991 (أي عندما فرض مجلس الأمن الدولي عقوبات على العراق، وتجميد أرصدة الفروع المملوكة للحكومة في عدد من دول العالم)، وأكد بوريطة أن المغرب لم يتوان في أي مرحلة من مراحل العملية السياسية في العراق عن تقديم الدعم والمساعدة للشعب العراقي في سعيه لإقامة مؤسسات ديمقراطية، وفي هذا السياق، وقع المغرب والعراق مذكرتي تفاهم بشأن إحداث آلية للمشاورات السياسية، وفي مجال التكوين الدبلوماسي، وفعليا يهدف توقيع الطرفين لمذكرة التفاهم بشأن إحداث آلية للمشاورات السياسية إلى عقد محادثات ومشاورات بطريقة منتظمة على المستوى الوزاري، وكذلك على مستوى كبار المسؤولين، وذلك لمناقشة جميع أوجه علاقتهما الثنائية وتبادل وجهات النظر بشأن القضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك، وجلبت المبادرات الدبلوماسية المغربية المكثفة بشأن العراق اهتمامًا جديدًا بدوره في تحقيق رؤية عالمية لمكافحة التهديدات للاستقرار الدولي والمنطقة، حيث دعا رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني خلال لقائه ببوريطة إلى تعزيز العلاقات الثنائية بين العراق والمغرب، وتبادل الخبرات في ملف مكافحة التطرف والإرهاب ومجالات التعاون الاقتصادي والزراعي والمصرفي، وقد شجّعت عدة عوامل توجهات الدبلوماسية المغربية نحو العراق وسلطنة عمان، منها الحد من التدخلات والتأثيرات الإيرانية من دون أن يكون المغرب حاضرا بشكل فاعل، أولا لتمكين الدولتين اللتين تجمعهما علاقات قوية مع طهران من التعرف على وجهة نظر الرباط للخطر الذي تشكله تدخلات إيران على استقرار منطقة شمال أفريقيا، وهنا يمكن التأكيد أن تحقيق الغايات المرسومة بين المغرب وعُمان والعراق يستوجب كبح وإبعاد التأثيرات والتدخلات الخارجية غير الحميدة من إيران في الشؤون الداخلية للعديد من الدول العربية، وقد ثَبُت أن هذه السياسة التدخلية تُسهم في زعزعة الاستقرار الإقليمي وتشكل مصدر تهديد لأمن دول المنطقة، وواضح أن من شأن تعزيز العلاقات بين المغرب والعراق أن يفرز محورا قويا يجمعهما يكون مستندا إلى قيم ومبادئ مشتركة تجاه القضايا الحيوية في المنطقة العربية باعتبارهما دولتين مركزيتين تتقاسمان الكثير من التحديات المشتركة في جوارهما الإقليمي من قبيل محاربة الإرهاب والدفاع عن الوحدة الترابية.
ث -لا يمكن تغييب أن إيران قد حاولت تسجيل اختراقات اجتماعية وسياسية في المغرب لكن تم إيقافها بإغلاق المؤسسات الثقافية والتعليمية التي تروج للسياسة والأيديولوجيا الإيرانيتين(حيث تعمل طهران على الوصول إلى الحدود المغربية من خلال دعم بوليساريو لوجستيا وعسكريا)، ولكون الوحدة الترابية للمغرب نقطة أساسية في الأجندة الدبلوماسية، وقد جدد وزير الخارجية العراقي خلال مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره المغربي موقف العراق الدائم من قضية الصحراء والداعم للوحدة الترابية للمملكة المغربية، مؤكدا أن العراق يقف إلى جانب المغرب في عدم المس بوحدته الترابية بما يحقق الأمن والاستقرار في منطقة المغرب العربي، من ذلك المنطلق هناك من يرى أن يصبح العراق وعُمان بمثابة نافذة تواصل مغربي مع الإيرانيين للحد من تحركاتهم في الصحراء والدخول على خط الجزائر – بوليساريو، ولا يمكن تغييب أنه في سياق العلاقات المغربية – الإيرانية المقطوعة، سيمثل تعزيز التواصل وبناء علاقات وثيقة مع العراق وعُمان رسالة ضمنية لإيران بأن للمغرب هامشا مهما من الحركة الدبلوماسية، وبأن حالة القطيعة يمكن أن تنتهي إذا ما راجعت إيران سلوكها الخارجي، وعندها ستكف عن اللعب بورقة الجزائر وبوليساريو لأن هذا الأمر يمثل خطا أحمر يرتبط مباشرة بحماية المصالح الحيوية للمغرب.