
علي اللافي–كاتب ومحلل سياسي
بعد غد الاحد 29 جانفي 2023سيجرى الدور الثاني لتشريعيات 17 ديسمبر ومن ثم سيكون الرئيس سعيد قد أكمل محطات خارطة طريقه التي اعلن عنها في ديسمبر 2021 وسميت يومئذ بخطة التسقيف والتي كانت استجابة منه للضغوط حيث كان المطلبين الأهم بعد 25-07-2021 من طرف قوى في الداخل والخارج هم تشكيل الحكومة والتسقيف الزمني لبرنامجه السياسي وطبعا ينتظر الجميع ماذا سيتم مستقبلا والى اين نحن ذاهبون (في تعانق مع لقطة اشهارية تونسية بقيت عالقة في اذهان التونسيين وهي “بابا عزيزي وين ماشيين”) وهنا يمكن الجزم ان محددات هامشية وعوامل بسيطة قد تحدد أي من السيناريوهات الخمس المرتقبة والممكنة سيتم ترجحيه دون تغييب لحقائق ومعطيات يقوم عليها الوضع الحالي بكل رداءته وكارثيته سواء من حيث حدة وتعفن الوضع السياسي والكارثية غير المسبوقة للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، فأي حقائق على الأرض يمكن البناء عليها وماهي تفاصيل وحيثيات السيناريوهات الخمس وأي منها سيكون مرجحا في أفق بداية المقبل وبناء أي معطيات وما هو مستقبل تطور الأوضاع اجتماعيا وسياسيا في بداية ماي 2023؟
** حقائق لا يمكن تغييبها لقراءة مستقبل تطورات الأوضاع
كثير من المحللين السياسيين يستقرؤون الأوضاع بناء على ما يتمنونه وليس وفقا مجهرية حيثيات وتفاصيل الحقائق والمعطيات على الأرض ولا على محددات تطورات الأوضاع سواء كانت تلك المحددات محلية ( اجتماعيا – سياسيا – امنيا) أو إقليمية أو دولية، ومن ثم سئم الراي العام مما يقولونه وانتبه الى أن بعضهم وظيفي واقرب للارتزاق عبر تلك المنابر وأنه قد يكون تم تحديد ما يقال له وان به خطوط حمراء في ما يقول وما لا يقول، والثابت أن التحليل السياسي يرتكز على ما هو ذاتي وما هو موضوعي في كل مربع من مربعات الاستقراء للأوضاع سواء تشخيصا أو استشرافا، وبخصوص قراءة المشهد السياسي والاجتماعي التونسية عشية اجراء الدور الثاني للتشريعيات فان وجب الوقوف على الحقائق التالية:
- حقيقة أولى: ان مسار 25-07 وأهدافه وتأطيره السياسي حتى الآن هو حدث تكتيكي مرحلي وليس استراتيجي وان بناء مشهد ما بعد 2024 هو الاستراتيجي وأن الغاية مما جرى هي ترتيب أوضاع البلد لأفق نهاية 2029 وأن الهدف كان الغاء نتائج انتخابات 2019 واجراء إصلاحات مؤلمة وتمريرها ومن ثم البناء عليها وان يكون النظام السياسي رئاسيا وشبيه بالحالة الجزائرية الحالية (ديمقراطية مؤطرة وحريات غير مضغوطة ولكنها ليست مطلقة وصلاحيات رئاسية كبيرة وجزء منه لدى القوى الصلبة للدولة ولكن للبرلمان والأحزاب والمجتمع المدني أدوار بعينها وهوامش لا باس بها)، هذا من حيث ما برمج ولكن الاشكال في أن ما تم على الأرض كان اقرب للتنزيل غير الأمين وغير الممكن بناء على الأرضية وبناء على ان عقلية الحوار والشراكة كانت غائبة وطبيعة الوضعين الاجتماعي والسياسي لم تكت تتناسب مع التسجيل زمنيا ومكانيا وطبيعة النخبة وعدم مراعاة واقع الأشياء والمكونات والأطراف واختيار الفاعلين والاسماء (الحكومة – التسميات- الولاة)…
- حقيقة ثانية: أن بعض الأطراف التي وُظفت في الوصول الى لحظة انجاز حدث/انقلاب 25-07 قد اعتبرت أنها قادرة على توظيف الرئيس “سعيد” ومسارهوهي أطراف اعتبرتأن قطار 1 سيتم إيقافه ومن ثم الدفع بقطار2 (وهي قوى منظومة ما قبل 2010 على غرار اتباع حاكمة قرطاج قبل فرار المخلوع ومن يحنون لها وأنصار “الدستوري الحر” واليسار الوظيفي وبعض قوميين لا يزالون يحلمون بركوب الاحداث وقليل الكلفة السياسية لهم)، والخلاصة أن قطار “سعيد” على السكة حتى اليوم وان أولئك جميعا في وضع لا يُحسدون عليه وأن خطابات “سعيد” في أغلبها موجهة لهم في حين هم يعتقدون أنها موجهة لمعارضيه…
- حقيقة ثالثة:أن قراءة ما بعد ذكرى الثورة يمكن القول إن هناك مستقبلا 4 مربعات زمنية مفصلية: أفق منتصف فيفري القادم-أفق نهاية أفريل المقبل -أفق الذكرى 13 للثورة أي 14 جانفي 2023- أفق استحقاقات 2024)، وهنا لا يمكن تغييب أن منطق استقواء الأطراف وهيمنتها على الساحة السياسية قد نسخه حدث 25-07 وأيضا نتائج انتخابات الدور الأول للتشريعية، فلا منظومة الحكم في وضع مريح (ولن تكون في وضع مريح مستقبلا) وأنه لا سبيل للمس من الحريات في الحد الأدنى، وأن “عبير موسى” قد انتهى دورها الوظيفي بل هي لم تعد سوى رقم من بين ارقام عدة (حادثتها مع الأمنيين يوم 14-01-2023 كانت رسالة مشفرة أن القوى الصلبة للدولة ترفضها رفضا كليا بعد أن كانت تتوهم ذلك سابقا عبر قولها سيتم تسليمنا المقود) ، كما أن حركة النهضة لن تكون سوى مكون من بين مكونات الساحة السياسية وأنه لم ولن يتم السماح بهيمنتها على الفعل السياسي في افق نهاية العقد الحالي، وأنه أيضا سيتم تحجيم مستقبلي لدور المنظمة الشغيلة وأن مربعات فعل الاتحاد بين 2011 و2021 قد أصبحت ماضيا (ولا يعني ذلك طبعا سحب دور المجمع والمبادر منه أو الغاء دوره الكلاسيكي في الدفاع عن منظوريه)…
- حقيقة رابعة:أن كل الأطراف لا تمتلك الا جزء من الرهانات والقدرة على التغيير والمسك سواء كانت سياسية أو اجتماعية، وأن جميعها في حالة ترقب وبهتة (سواء في الحكم أو في المعارضة) ولا يمكن تغييب أن أغلبالأطراف مرتهنة في ذهنها السياسي للإقليمي والدولي وخاصة في ظل توازن الضعف محليا (بين السلطة والمعارضة وبين مختلف المدارس الفكرية والسياسية) وأيضا بناء على حالة ضعف في هامش الفعل السياسي الذاتي وقصور ذاتي لكل فاعل سياسي على استقراء المشهد ومركباته ومكوناته وأوزان كل طرف، ومن ثم فالجميع شبه مبرمج بغض النظر انه فعلا وظيفي أو لا (وواع بوظيفيته أو لا) وأيضا سواء كانت تك الوظيفية للداخل أو للخارج (بجناحيه الإقليمي والدولي)، والخلاصة أن الجميع هم في حالة ذهول أولا وثانيا انهم جميعا (Paramétrées)…
- حقيقة خامسة: أن رحيل “سعيد” ومنظومة حكمه لم ولن تتم بالشارع وأن ذلك ثابت حتى بداية مارس أو ربما نهايته، وهو ما يعني أن حل الشارع مؤجل بما يعني أنه حتى ان تم ذلك فليس في الوقت الراهن تحديدا وخاصة في ظل ما يجري في الإقليم (أنظر مقدمة القراءة أعلاه) وهو أمر يمكن استخلاصه من خطاب “الطبوبي” صبيحة ذكرى الثورة بقوله “إنه لا مجال للحلول الشعبوية” وفعليا هو أراد أن يقول لاحلول عبر الشارع”، وهو أيضا ما يفسر التباطؤ في مبادرة الثلاثي وخاصة وأن منظومة 25-07 لن تستمر الى ما لا نهاية (في أفق 2024) ولكنها قابلة للاستمرار وخاصة اذا مضت في القبول بمريعات بعينها واساسا في نقطة علاقة الحكومة بالقصر وأخذها من الرئيس سعيد مربعات الاجتماعي والتعاون مع مؤسسات النقد الدولية ومسكها للإداري اليومي ( التعيينات – المفاوضات الاجتماعية)، والواقع أن رفض الحل بالشارع بسبب الخوف من ثلاث كوارث ممكنة عمليا: “عدم التحكم بالمآلات” و”تداعيات ذلك على دول الجوار وعلى كل المنطقة” و”عدم العودة لمربعي ما قبل 2021 وما قبل 2010 تحديدا”.
** تفاصيل وحيثيات السيناريوهات الخمس وكيف سيتم الترجيح بينها في أفق بداية ماي المقبل
يمكن الجزم انه بناء على كل ما ذكرناه أعلاه أنه في افق بداية ماي المقبل(اي ما بعد عيد الفطر) هناك خمس سيناريوهات ممكنة لتطور الوضع السياسي في تونس:
١ – سيناريو أول: ويتمثل في اقتناع جميع الأطراف وأولهم الرئيس “سعيد” والقول الصلبة للدولة في ضرورة المضي في حل سياسي تشاركي وبداية رفع التحديات الاجتماعية والتحضير المتأني لما بعد 2024 (وهو الهدف الاستراتيجي الذي تبني عليه كل القوى مرمى فعلها السياسي والاجتماعي) وعبر تشريك كل الأطراف السياسية والاجتماعية وبدون استثناء…
2-سيناريو ثان: وهو ينبني على المضي في سياسة النعامة حكوميا والهروب/المضي الي الامام في مسار 25-07 حتى بداية ماي المقبل، والتي قد ينتج عليها أحد سيناريوهين (الثالث او الرابع) تراتبيا في أفق سبتمبر 2023 وفي حد أقصى جانفي 2024….
3-سيناريو ثالث: وهو سيناريو الانفجار الاجتماعي المفتوح على كل العواقب والتي لم ولن يستطيع اي طرف تحديد احجام تداعياته محليا ولا إقليميا ولا دوليا وهو خط أحمر في رؤية الأطراف الاجتماعية حتى بداية فيفري ونعتقد أن الأطراف الإقليمية والدولية قد نبهت منه وستعمل على تحاشيه حتى منتصف افريل المقبل وبما لا تكون تداعياته على ليبيا ومصر والأردن أساسا ولكنها ستتغافل عنه بداية من ماي المقبل وخاصة اذا ما أصبحت مصالحها غير معنية بتداعياته…
4-سيناريو رابع: ويتمثل في التقاء موضوعي لأطراف بعينها وعمدها للتهيئة لمسار مستقبلي تحت لافتة 7نوفمبر2 والذي ورغم ضعف نسبه الا اننا نتدحرج نحوه منهجيا من حيث بحث قوى سيستام ما قبل 2010 توفير ارضيته الاجتماعية والأمنية والثقافية وسط بهتة أهل الثورة والنخب في السلطة والمعارضة (قد يتم السيناريو زمنيا في فترة سعيد أو ما بعده) …
5-سيناريو خامس: وهو سيناريو قد ينبني على تقديرات الضرورة القصوى والمفاجئة وأن تكتشف كل الأطراف انه قد تم الترتيب لسيناريو طارئ من حيث الإجراءات والتقديرات وهو قد يختلف عن سابقه من حيث فجئية الخطوات والتي لا يمكن تصورها أو تقديرها عبر تحليل سياسي ….
** الخلاصة أو في الإجابة على سؤال: الى أين نحن ذاهبون؟
لا خلاففي أن الحل في أفق نهاية فيفري المقبل وربما في افق نهاية مارس المقبل لم ولن يكون بالشارع وأن ذلك قرار دولي واقليمي ويبدو أيضا ان ذلك مقبول من طرف الجميع (أطراف سياسية واجتماعية والقوى الصلبة للدولة) ولكنه بعد الأسبوع الأول من أفريل وفي صورة وجود حلول توافقية سياسيا واجراءات اجتماعية يرتاح لها الشارع وإيجاد حكومة انقاذ فان شروط سيناريو الانفجار الاجتماعي ستكون متوفرة على الأرض لا قدر الله، ومن ذلك المنطلق وتلك المعطيات والحقائق سالفة الذكر أعلاه فانه لا حل فعلي الا عبر الحوار والتنازلات بغض النظر عمن سيقدم التنازل وأن الجميع سيقبل بالحوار – والا فليس هناك حلول ولا انقاذ – ومن هنا يمكن الجزم أنه قد يكون هناك مفاجآت خلال الأيام والاسابيع القادمة وبعضها قد يكون غير متوقع للمتابعين ولكن الثابت أيضا أن المجتمع الدولي يرغب في حكومة قوية ولها سلطة في إدارة الاجتماعي والإداري والتفاوض المباشر مع صندوق النقد ومع الأطراف الاجتماعية والسياسية وان تكون محل ترحيب وقبول اجتماعي وذهني من الشارع وخاصة في ظل وضوح أن المساعدات المادية واللوجستية لم ولن تأتي إلا من الجارين ( ليبيا والجزائر) وأنه لا يمكن العودة فعليا لا لما قبل 2021 ولا ما قبل 2010 وان التجاذب السياسي والغطرسة النقابية لن يكون لهما أي هامش في افق ما بعد مارس 2023، كما أن منظومة 25-07 أصبحت سياسيا في عداد التاريخ حتى وان انكر أنصارها ذلك وما هناك الآن هي مرحلة اللعب على التوازنات سياسيا داخل مربعات المعارضة وداخل كل مكون فيها بل وداخل كل حزب وكل طرف اجتماعي، وهو ما يصح على الحكومة وأطراف الموالاة السياسية لمسار 25-07 (وهي أطراف في حالة تسلل لا تعيه ولم تستوعبه بعد) ومعنى كل ذلك أن هناك تحولات جنينية نحو المرحلة المقبلة، وثانيا هناك حالة توازن ضعف ضمن مكونات الحكم (ليس هناك أي وزير قوي او طاغ حضوره على عكس ما يتم ترويجه)، والخلاصة أن الأرجح هو حصول مفاجآت لا يقدرها الجميع ومن ثم السير نحو طاولة التفاوض والحوار كما يمكن توقع تنازلات كبرى وربما انسحابات تغير كثير من المعادلات وتعطي مبررات وتدفع نحو مسالك لحل الازمة السياسية التي يتفق الجميع على حدتها ومن ثم يمكن إيجاد تفاهمات للإنقاذ الاقتصادي والاجتماعي ومن ثم ستكون تونس في بداية مارس المقبل فرضيتين، وتتمثل الأولى في مضي الجميع نحو مربع الحلول والإنقاذ والتكاتف والعودة للريادية بل وإدارة رقاب العالم وخاصة في ظل حقيقة ان الملف التونسي لم ولن يحل الا بعد تريب الحد الأدنى للملف الليبي وأيضا عبر عقلية الاستثناء التونسي أيضا، اما ثاني الفرضيات فهي الإصرار على عدم الواقعية ومسارات عقليات التكلس التي مورست في 1955 (التناحر اليوسفي البورقيبي) أو سنة 1980 (خلافات الحاشية البورقيبية) أو ديسمبر 2010 (التعاسة النوفمبرية وصراعات رجال المخلوع وزمرته الفاسدة) وحتى لو مضينا لأسابيع نحو تلك الفرضية فان الاقدار والرجال والحرائر قادرون على تغيير المضينحوها واختيار المضي في الفرضية الأولى….