
علي اللافي – كاتب ومحلل سياسي مختص في الشؤون الافريقية
لا خلاف في أن الملف الليبي اليوم ورغم تعدد الألغام وكثرة الإشكاليات قد قطع مسارات كثيرة نحو مربعات الحلول بناء على ما سميناه في مقالات وتقارير ودراسات سابقة بتوازن الضعف (أو بتوازن القوى) محليا وإقليميا ودوليا ولكن ذلك لا يعني المضي نحو حلول نهائية انما هو ملامسة نحو تماس مسكنات حلول مرحلية وتكتيكية مرتبطة بمطامح القوى الدولية في المنطقة ومصالحها المتشابكة، وان تم فعليا تحييد المسارين “العسكري/الأمني” و”الاقتصادي/الاجتماعي” فان التعقيدات لا تزال كبيرة وعصية عن التفكيك في المسارين “التنفيذي/السياسي” والدستوري” وهو ما عبر عنه عبّر الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة فيلبييا “عبد الله باتيلي” في أكثر من مناسبة ’وكرره في اليومين الماضيين في الجزائر اثناء لقائه الرئيس عبدالمجيد تبون ووزير خارجيته رمضان لعمامرة وباقي المسؤولين والفاعلين السياسيين الجزائريين حيثعبر عن قلقه من عدم وجود أي تقدم بمسار الحل السياسي للأزمة خاصة في ظل استمرار الانقسام الداخلي والعجز عن التوافق على أرضية مشتركة ومعلوم أن زيارته ولقاءاته في بلد الأمير عبدالقادر ق كانت بغاية تفكيك كثير من الألغام بخصوص الدفع للانتخابات والبحث عن هوية الجهة الحكومية التي ستشرف عليها وتديرها وتزامن ذلك القلق مع اعتراض أعضاء من مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة في ليبيا على ما أسموه التدخلات الإقليمية والدولية في الشأن الليبي والتي توضحت أخيرا بكم هائل للقاءات دولية وليبية حول الملف المفتاح والأعقد في كل مربعات الإقليم (مغاربيا – افريقيا – عربيا –- متوسطيا)، وهنا يمكن التساؤل هل حصل “باتيلي” على بعض مفاتيح لتفكيك ما بقي من ألغام وخاصة في ظل تزامن وجوده في الجزائر مع زيارة رئيسة الحكومة الإيطالية والتي ادلت بتصريحات مثيرة للانتباه بخصوص الملفين الليبي والتونسي بعد لقاءاتها بالرئيس “تبون”؟
1- أولا، جاءت لقاءات “باتيلي”في العاصمة الجزائرية بعد سلسلة لقاءات عقدت في القاهرة وفي ليبيا وثار زيارات أمريكية وايطالية متواترة لليبيا والقاهرة على أعلى مستويات(مدير المخابرات الأمريكية للقاهرة وطرابلس وبنغازي- الزيارات المكوكية لوزيري الخارجية والداخلية الايطاليين لطرابلس وبنغازي والقاهرة وتونس- زيارة رئيسة الحكومة الإيطالية للجزائر- اجتماع وزراء الخارجية العرب في طرابلس)، وقدقال باتيلي مساء الثلاثاء 24 جانفي الجاري عقب لقائه وزير الشؤون الخارجية الجزائري رمضان لعمامرة في تصريح للتلفزيون الرسمي الجزائري، إنّ “الأزمة في ليبيا لم تعرف أي تطور ملحوظ”، مشيراً إلى أنّ “هناك ضرورة لالتزام كل الأطراف المعنية بليبيا لوضع حدّ لهذه الأزمة”، وحثّ باتيلي المجتمع الدولي على مزيد من “دعم المسار الذي يسمح بتحقيق الاستقرار في هذا البلد”، وقال “يتعين على الفاعلين الدوليين التكلم بصوت واحد ودعم المسار الذي يفضي إلى استقرار ليبيا حتى يتمكن هذا البلد المغاربي من الحصول على مؤسسات شرعية من خلال مسار ديمقراطي”، وواضح أن باتيليقد بحث في الجزائر عن تنسيق المواقف مع الحكومة الجزائرية بشأن دعم مسار إجراء الانتخابات في ليبيا كخطوة على طريق استعادة مؤسسات الدولة الليبية حيث أشاد بـ”االجهود التي تبذلها الجزائر من أجل تسوية النزاع في ليبيا”، وقال “لطالما التزمت الجزائر من أجل وضع حد للأزمة في ليبيا، واليوم جئت لمعرفة آرائها واقتراحاتها بخصوص الطريقة التي تمكننا من تكثيف الجهود مع الأمم المتحدة وفاعلين دوليين آخرين”. وجدد تثمينه “الجهود التي تبذلها الحكومة الجزائرية من أجل وضع حد للأزمة الليبية”، وعقب لقاءاته المتعددة قال باتيلي في تغريدة على “تويتر” “أجرينا خلال الاجتماع مشاورات مكثفة حول الأزمة في ليبيا، وتأثيرها على دول الجوار، وسبل الخروج من المأزق السياسي الحالي”، مشدداً خلال الاجتماع على “أهمية توحيد الجهود على المستويين الإقليمي والدولي لتحقيق التسوية الضرورية والمطلوبة لإجراء الانتخابات عام 2023، ووضع ليبيا على طريق الاستقرار والسلام المستدامين”، كما شدد على “أهمية استمرار دعم الجزائر لجهود الأمم المتحدة، باعتبارها واحدة من دول الجوار، وعضواً في جامعة الدول العربية والاتحاد الأفريقي”، كما أن الخارجية الجزائرية قد أكدت في تغريدة على “تويتر”، إنّ المباحثات بين لعمامرةوباتيلي “تركزت حول الأوضاع في ليبيا والجهود المبذولة لتوفير الشروط الضرورية لتنظيم الاستحقاقات الانتخابية المنتظرة”.
2- ثانيا،“باتيلي” يعلم جيدا أن الجزائر تملك كثير من المفاتيح وأوراق ضغط وأن دبلوماسيتها قد اكتسبت الفاعلية والنجاعة من جديد وأنها تمثل قوة توازن إقليمية مقابل قوة القاهرة خاصة وأن وزير خارجيتها قد شارك الأحد الماضي في الاجتماع التشاوري لوزراء خارجية الدول العربية(وهي خطوة تعبّر عن موقف سياسي داعم لجهود التنسيق العربي لأجل حل الأزمة في ليبيا وتعزيز المسار نحو الحل السياسي وإجراء الانتخابات)، كما يعلم “باتيلي” أيضا أنه في الداخل الليبيهناك تناقضات في كل الاتجاهات حيث دعا أعضاء من المجلسين (مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة) الأمم المتحدة إلى وقف التدخلات الإقليمية والدولية في الشأن الليبي، ودعم الحلول الليبية – الليبية، مؤكدين عزم المجلسين على رسم خريطة طريق محددة بإطار زمني، وقد جاء ذلك في بيان مشترك عقب انتهاء اجتماع جمع أعضاء من المجلسين، برئاسة النائب الأول لرئيس المجلس النواب، فوزي النويري، والنائب الأول لرئيس المجلس الأعلى للدولة، ناجي مختار، بالعاصمة طرابلسأول أمس الأربعاء لمناقشة “مستجدات الوضع السياسي، وكيفية الخروج من الانسداد الذي جمد العملية السياسية في ظل تسارع أحداث دولية لها تأثيرات بالوضع في ليبيا”، وقد شدد البيان أيضا على ضرورة أن تمارس الأمم المتحدة دورها لـ”إيقاف التدخلات الإقليمية والدولية” في الشأن الليبي، لأنها “أربكت العملية السياسية” في البلاد، وأن تضطلع بدورها لـ”دعم الحلول الليبية الليبية”.
3- ثالثا،لا شك أن المبعوث الأممي سيعتبر بيان الأعضاءوالذين أكدوا أيضا في بيانهم، استمرار اللقاءات وتوسيعها “حتى تتم صياغة خريطة طريق محددة بإطار زمني لتحقيق الهدف المنشود”، دعم لتحركاته ونتائج لقاءاته في العاصمة الجزائرية والتي عاد منها ببعض مفاتيح لتفكيك بعض ألغام، ومعلوم أن أعضاء المجلسين اتفقوا على نقاط في مقدمتها التأكيد أنّ البلاد تمر في “مرحلة مفصلية، وتحتم أن يعمل المجلسان كمؤسـستين مع كل الأطراف الفاعلة على اتساع البلاد، سياسياً واجتماعياً وأمنياً، وأن تتحمل جميعها مسؤوليتها الوطنية والتاريخية”. واعتبروا أنّ ما تمرّ به البلاد “لا يمكن تحميل المسؤولية فيه للمجلسين فقط”، مقرّين بأنّ “المسؤولية تضامنية وتشمل كل المؤسسات والأطراف الفاعلة في المشهد الليبي”.، وفيما أكد البيان أنّ المرحلة الحالية “تتطلب شراكـة وطنية، ولا يمكن لأي طرف الانفراد بالقرار السياسي أو الاقتصادي أو الأمني”، أوضح أنّ المجلسين يطالبان من “جميع القوى الوطنية العمل معاً من أجل الوصول لتوحيد مؤسسات الدولة وتحقيق الاستقرار خلال هذا العام، والوصول إلى انتخابات برلمانية ورئاسية متزامنة”. ، ويأتي اجتماع الأعضاء في وقت ساد فيه الخلاف بين المجلسين ورئيسيهما، على خلفية التصريحات الأخيرة لرئيس مجلس النواب عقيلة صالح التي نقض فيها اتفاقه الأخير مع نظيره بمجلس الدولة خالد المشري واعتبره أنه اتفاق “لفظي فقط” لم يرق لمستوى الأفعال، على حد تعبيره، ووسط تلك الخلافات دعا رئيس لجنة المسار الدستوري عن مجلس النواب”عبد الهادي الصغير” المجلس الأعلى للدولة إلى استئناف المشاورات حول القاعدة الدستورية، إلا أنّ مجلس الدولة رفض التجاوب مع الدعوة،ومن غير المعلوم ما إذا كانت دعوات أعضاء المجلسين الأخيرة تُمثل رئيسي المجلسين اللذين لم يجتمعا منذ آخر لقاء بينهما في العاصمة المصرية قبل نحو 3 أسابيع..
4- رابعا، الخلاصة أن الملف الليبي يتجه وان ببطء للحل (رغم ن الحلول في ليبيا لن تكون الا تكتيكية في افق نهاية العقد الحالي)، ول شك أن أوراق الملف أصبحت أمريكية دبلوماسيا ومن حيث هوية وآليات عملية هندسة خارطة طريق توافقية وجامعة وبالتيل سيكون آخر مارس المقبل حاملا لتفاصيل تلك الخارطة وتحديد مواعيد الاستحقاقات وما فعله “باتيلي” في الجزائر أن ضمن موافقتها على كثير من تفاصيل الخارطة ودعمها للخطوط الكبرى وطمأنته من أنها تدعم جهوده ضمن خيارات توافقية بينها وبين روما وانها اعطته مفاتيح عدة ولكن ليس جميع المفاتيح فهل سيستطيع الرجل بدء التفكيك للألغام خاصة وان بيرنز ( أي الدبلوماسي الخبير ومدير المخابرات الأمريكية الحايل) قد فكك الجزء الصعب منها؟