تحاليلتونس

تونس : سيناريوهات تطور الأوضاع ما بعد الدور الثاني للانتخابات وفي أفق نهاية مارس المقبل

علي اللافيكاتب ومحلل سياسي

 

تطورات الأسابيع الماضية بدت لافتة للأنظار وخاصة تلك المترتبة على تداعيات الاحتفالات بالذكرى 12 للثورة ومن ثم يمكن الجزم أن الخيارات المستقبلية مفتوحة على كل الخيارات من حيث السيناريوهات المستقبلية لتطور الأوضاع وخاصة في ظل طبيعة وماهية ما يجري في الإقليم (تطورات منطقة الساحل الافريقي وتنامي الوجود الروسي في مالي – التدافع الاقليمي حول الهندسة الجارية لخارطة طريق توافقية وجامعة في ليبيا –تتالي تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية – ما يجري في شرق المتوسط من صراعات وترتيبات–- تهاوي  اقتصاديات الأردن ومصر ولبنان – بؤس مخرجات قمة أبو ظبي الطارئة وغريبة الأطوار من حيث الحضور ومن حيث غياب السعوديين والكويتيين)،ومعلوم أنه لم يعد يفصلنا على اجراء الدورة الثانية للتشريعية -لو تمت – سوى 5 أياموالتي لا يختلف اثنان أنه لا فائدة سياسيا من اجرائها في ظل المعطيات الحاليةومعلوم أنه لا تتشجع لها راهنا إلا أطراف الموالاة ومكوناتها (وهي أطراف شبه ميكروسكوبية سياسيا وتنظيميا كما بينا واسلفنا ذلك في مقالات ودراسات تحليلية سابقة)، وقد بينت التحركات والتحالفات والمناورات منذ بداية السنة الجديدة أن المعارضة ورغم تشتتهافإنها موحدة في قراءة الأحداث ومن موقفها من مسار 25-07 وأنها قد حققت نقاطا على حساب منظومة الحكم ولكن ما هي أهم سيناريوهات تطور الأوضاع ما بعد اجراء هذه الانتخابات في نهاية الأسبوع الحالي وفي أفق نهاية مارس المقبل؟

** قراءة في التطورات الجارية على المشهدين السياسي والاجتماعي

1- أولا،لا ينكر الا موهوم أو جاحد أن القوى السياسية المناهضة للانقلاب (جبهة الخلاص – الأحزاب الخمس – بقية أحزاب وجمعيات)،قد حققت في الذكرى 12 للثورة نقاطا كثيرة على حساب منظومة 25-07 ذلك أنها فرضت واقع التظاهر بقوة وفي المكان الذي أرادته وأنها استطاعت يومها فرض وصول أنصارها لشارع الثورة (ومعلوم وأن شارع بورقيبة قدأغلقفي السنة الفارطة)، ومعلوم أن ما أسماه البعضبـــــــــــ” التحرير السياسي ” لشارع الثورة قد تم يوم 14-01-2023 رغم ” قرارات الوالي” وتعنته وطبيعة تصريحاته منذ تعيينه، وتبدو أطراف المعارضة اليوم ورغم قوة التجاذبات الايديولوجية بينها وبث الأحقاد اثناء أي جدل بينها، موحدة أكثر من ذي قبل حيث تلتقي في رفضها للانقلاب ورفضها لما يجري في البلد من ترذيل للسياسية وتوتير للأجواء وخاصة في ظل البؤس الاجتماعي ومعلوم أن كل الاطياف السياسية قد التقت في الشارع الكبير يوم 14 جانفي وبدت لحظة 14-01-2011 مهيمنة على الأصوات والفعل والتحركات وسط الشارع وفي التقاط الصور والشعارات المرفوعة وبدت هناك وحدة قائمة انتبه لها كل الموطنين والمتابعين حيث وصلت كثير من الرسائل للرأي العام المحلي والدوليورغم التباعد النسبي في الأماكن الا أن الالتقاء على نفس المطالب في مواجهة مسار  25-07 كانت واضحة جدا للعيان يومها…

2- ثانيا، التحرك الأخير أرعب فعليا كل الموالين لمنظومة الحكم وذلك كان بينا من خلال تدوينات “البريكي” و”اليعقوبي” وآخرين، وطبيعة تصريحات وتدوينات الساند السياسي والذي اصبح منحصرا في بعض قوى قومية عربية ويسارية وهي جيمعا اقرب للسيستامالنوفمبري وخاصة وأن أغلب الموالين بدوا غائبين كليا خلال الأيام الماضية حتى في الشبكات الاجتماعية كما تلقوا ردودا على بعض مواقفهم من حرك الذكرى 12 ولعل رد ام زياد مثلا على تدوينة “البريكي” كان معبر جدا، وهو ما يعني أيضا أن الخوف من التحركات قد طمس سياسيا مساندي الحكم والذين تبينت للجميع وظيفيتهم وحتى الرئيس نفسه انتبه لذلك وتداعياته الممكنة وبدا واضحا أن خروجه يوم 13 هو استباق لخروج معارضيه وبعث رسائل تلخصت عن أزمة مسار 25-07، وفي نفس الوقت لا يمكن تغييب استمرار التباينات والانقسامات بين الأطراف السياسية والتي خسرت ولا شك فرصة قد لا تتكرر، كما كان واضحا أن هناك غياب خارطة الطريق المشتركة لغلق قوس انقلاب متأزم داخليا ومعزول عن أي مساندة شعبية بعد تأكد قصوره عن الانجاز واتجاه البلاد تحت حكمه الى المجهول فضلا عن عزلة البلاد عن محيطها الإقليمي والدولي وتعدد المصاعب المالية وما انجر عنها من تداعيات مستقبلية (وهي تداعيات منتظر تناميها في افق نهاية مارس وبداية افريل المقبلين)، كما لا يمكن اغفال غياب الوحدة السياسية بين مختلف الجبهات المعارضة على أرضية الحل وأفقه وهو عائق مهم لإنهاء الوضع/الانقلاب (حدة الازمة السياسية – كارثية الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية)، وما يُخيف فعلا هو الاستمرار في عدم وجود رؤية واضحة وبرنامج مرحلي سياسي وخاصة اذا لم تنجح مبادرة الاتحاد أو رفضها “سعيد” والذي من المنتظر ان يمارس مزيدا من العناد السياسي ويمضي في استكمال باقي خارطة طريقه ومعلوم أنه لم يتم بعص أي رسائل سياسية مباشرة ولماذا لم يتم اعلانها في ذكرى الثورة وفي لحظة كان ينتظرها الجميع وهل أن 18 أكتوبر 2005 يمكن أن تتكرر أو لا؟ خاصة وان الشارع المحتفل ويم 14-01-2023 قد أثبت تحفزه الكامل والنفسي واستعداده غير المشروط لتنفيذ اي خطة نضالية ممكنة على الأرض مع أن رسائل عدة وصلت فعليا لأصحابها في الداخل والخارج أيضا…

3- ثالثا،الخلاصة التي يمكن تأكيدها رغم تتالي التطورات والمتغيرات في الساحة السياسية التونسية ومؤثرات الإقليم وتداعيات صراع النفوذ في المنطقة هو أن شارع التونسي اليوم لا يزال في حالة بهتة وترقب بل هوفي حالة حياد تجاه ما يجري سياسيا، ولا شك أن المواطن والذي بعث برسائله يوم 17-12-2022 (وأولها يأسه من حكومة بودن ومن مسار 25-07 ومآلاته) ولا يعني ذلك أن الرسائل لا تخص بقية النخب السياسية والتي هي في وضعية تسلل منذ 1978 (وهي وضعية لم تعدلها حتى ثورة 2011) أي أنها لم تستطع في وضعية تماه مع آمال وآلام رجل الشارع بحيث أن الوقائع تؤكد أنه هناك عرض جاذب لشعب يعيش هواجس الخوف على المصير الاقتصادي والاجتماعي للبلاد دون ان يرى في الطبقة السياسية المتنوعة والمختلفة قيادة ممكنة لسفينة الإنقاذ…

** معطيات المشهد التي يجب البناء عليها

باعتبار ان كل النقاش يدور اليوم حول هل أن الرئيس “سعيد” (والمنتخب عبر الصندوق) باق هو ومساره لـــــــــــ2024 أو لا؟، وهو نقاش واقعي ومبني على معطيات على الأرض نتاج الازمة ونتاج الخطوتين للأمام والخطوة للورى التي تتبعها منظومة الحكم ومحاولة بث سياسة اتصالية مفادها انها لا تتراجع والحقيقة انها تمارس سياسة التجربة والخطأ وبطريقة أقرب للبؤس السياسي فوضعها شعبيا كارثي ولا يطاق حتى من مواطنين عاديين كانوا سندا لها عشية 25-07-2021، وهنا لا يمكن تغييب المعطيات التالية:

  • معطى أول: أن كل الأطراف لا تمتلك الا جزء من الرهانات والقدرة على التغيير والمسك سواء كانت سياسية أو اجتماعية، وأن جميعها في حالة ترقب وبهتة (سواء في الحكم أو في المعارضة) ولا يمكن تغييب أن أغلبالأطراف مرتهنة في ذهنها السياسي للإقليمي والدولي وخاصة في ظل توازن الضعف محليا (بين السلطة والمعارضة وبين مختلف المدارس الفكرية والسياسية) وأيضا بناء على حالة ضعف في هامش الفعل السياسي الذاتي وقصور ذاتي لكل فاعل سياسي على استقراء المشهد ومركباته ومكوناته وأوزان كل طرف، ومن ثم فالجميع شبه مبرمج بغض النظر انه فعلا وظيفي أو لا (وواع بوظيفيته أو لا) وأيضا سواء كانت تك الوظيفية للداخل أو للخارج (بجناحيه الإقليمي والدولي)، والخلاصة  أن الجميع هم في حالة ذهول أولا وثانيا انهم جميعا (Paramétrées)…
  • معطى ثان:أن رحيل “سعيد” ومنظومة حكمه لم ولن تتم بالشارع وأن ذلك ثابت حتى بداية مارس أو ربما نهايته، وهو ما يعني أن حل الشارع مؤجل بما يعني أنه حتى ان تم ذلك فليس في الوقت الراهن تحديدا وخاصة في ظل ما يجري في الإقليم (أنظر مقدمة القراءة أعلاه) وهو أمر يمكن استخلاصه من خطاب “الطبوبي” صبيحة ذكرى الثورة بقوله “إنه لا مجال للحلول الشعبوية”وفعليا هو أراد أن يقول لاحلول عبر الشارع”، وهو أيضا ما يفسر التباطؤ في مبادرة الثلاثي وخاصة وأن منظومة 25-07 لن تستمر الى ما لا نهاية (في أفق 2024) ولكنها قابلة للاستمرار وخاصة اذا مضت في القبول بمريعات بعينها واساسا في نقطة علاقة الحكومة بالقصر وأخذها من الرئيس سعيد مربعات الاجتماعي والتعاون مع مؤسسات النقد الدولية ومسكها للإداري اليومي ( التعيينات – المفاوضات الاجتماعية)، والواقع أن رفض الحل بالشارع بسبب الخوف من ثلاث كوارث ممكنة عمليا: “عدم التحكم بالمآلات” و”تداعيات ذلك على دول الجوار وعلى كل المنطقة” و”عدم العودة لمربعي ما قبل 2021 وما قبل 2010 تحديدا”.
  • معطى ثالث: أن قراءة ما بعد ذكرى الثورة يمكن القول إن هناك مستقبلا 4 مربعات زمنية مفصلية: (أفق منتصف فيفري القادم-أفق نهاية أفريل المقبل -أفق الذكرى 13 للثورة أي 14 جانفي 2023- أفق استحقاقات 2024)، وهنا تحديدا لا يمكن اغفال أن منطق استقواء الأطراف وهيمنتها على الساحة السياسية قد نسخه حدث 25-07 وأيضا نتائج انتخابات الدور الأول للتشريعية، فلا منظومة الحكم في وضع مريح (ولن تكون في وضع مريح مستقبلا) وأنه لا سبيل للمس من الحريات في الحد الأدنى، وأن “عبير موسى” قد انتهى دورها الوظيفي بل هي لم تعد سوى رقم من بين ارقام عدة (حادثتها مع الأمنيين يوم 14-01-2023 كانت رسالة مشفرة أن القوى الصلبة للدولة ترفضها رفضا كليا بعد أن كانت تتوهم ذلك سابقا عبر قولها سيتم تسليمنا المقود) ، كما أن حركة النهضة لن تكون سوى مكون من بين مكونات الساحة السياسية وأنه لم ولن يتم السماح بهيمنتها على الفعل السياسي في افق نهاية العقد الحالي، وأنه أيضا سيتم تحجيم مستقبلي لدور المنظمة الشغيلة وأن مربعات فعل الاتحاد بين 2011 و2021 قد أصبحت ماضيا (ولا يعني ذلك طبعا سحب دور المجمع والمبادر منه أو الغاء دوره الكلاسيكي في الدفاع عن منظوريه)…

** حول سيناريوهات مستقبل تطور الأوضاع في افق نهاية مارس المقبل

1-أولا، واضحللعيان ان الحل في أفق نهاية فيفري المقبل وربما في افق نهاية مارس المقبل او منتصف أفريل لم ولن يكون بالشارع وان ذلك قرار دولي واقليمي ويبدو أيضا ان ذلك مقبول من طرف الجميع (أطراف سياسية واجتماعية والقوى الصلبة للدولة)، وأن لا حل فعلي الا عبر الحوار والتنازلات بغض النظر عمن سيقدم التنازل وأن الجميع سيقبل بالحوار والا فليس هناك حلول ولا انقاذ ومن هنا يمكن الجزم أنه قد يكون هناك مفاجآت خلال الأيام والاسابيع القادمة وبعضها قد يكون غير متوقع للمتابعين ولكن الثابت أيضا أن المجتمع الدولي يرغب في حكومة قوية ولها سلطة في إدارة الاجتماعي والإداري والتفاوض المباشر مع صندوق النقد ومع الأطراف الاجتماعية والسياسية وان تكون محل ترحيب وقبول اجتماعي وذهني من الشارع وخاصة في ظل وضوح أن المساعدات المادية واللوجستية لم ولن تأتي إلا من الجارين ( ليبيا والجزائر) وأنه لا يمكن العودة فعليا لا لما قبل 2021 ولا ما قبل 2010 وان التجاذب السياسي والغطرسة النقابية لن يكون لهما أي هامش في افق ما بعد مارس 2023 …

2- ثانيا،منظومة 25-07 أصبحت في عداد الموتى سياسيا وما هناك الآن مرحلة لعبة على التوازنات سياسيا داخل مربعات المعارضة وداخل كل مكون فيها بل وداخل كل حزب وكل طرف اجتماعي، وهو ما يصح على الحكومة وأطراف الموالاة السياسية لمسار 25-07 (وهي أطراف في حالة تسلل لا تعيه ولم تستوعبه بعد) ومعنى كل ذلك أن هناك تحولات جنينية نحو المرحلة المقبلة، وثانيا هناك حالة توازن ضعف ضمن مكونات الحكم (ليس هناك أي وزير قوي او طاغ حضوره على عكس ما يتم ترويجه)…

3- ثالثا، الأرجح هو حصول مفاجآت لا يقدرها الجميع ومن ثم السير نحو طاولة التفاوض والحوار كما يمكن توقع تنازلات كبرى وربما انسحابات تغير كثير من المعادلات وتعطي مبررات وتدفع نحو مسالك لحل الازمة السياسية التي يتفق الجميع على حدتها ومن ثم يمكن إيجاد تفاهمات للإنقاذ الاقتصادي والاجتماعي ومن ثم ستكون تونس في بداية مارس المقبل فرضيتين:

  • فرضية المضي في الحلول والإنقاذ والتكاتف والعودة للريادية بل وإدارة رقاب العالم وخاصة في ظل حقيقة ان الملف التونسي لم ولن يحل الا بعد تريب الحد الأدنى للملف الليبي وأيضا عبر عقلية الاستثناء التونسي أيضا…
  • فرضية عدم الواقعية ومسارات عقليات التكلس التي مورست في 1955 (التناحر اليوسفي البورقيبي) أو سنة 1980 (خلافات الحاشية البورقيبية) أو ديسمبر 2010 (التعاسة النوفمبرية وصراعات رجال المخلوع وزمرته الفاسدة) وحتى لو مضينا لأسابيع نحو تلك الفرضية فان الاقدار والرجل والحرائر قادرون على تغيير المضينحوها واختيار المضي في الفرضية الأولى….

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق