بقلم ثريا بن محمد – كاتبة صحفية
لا شك أن ثقافة الاستبداد وعقلية الزعيم قد بقيتمهيمنة في التفكير والتسيير والتخطيط والبناء والهيكلةوفي قراءة الواقع السياسي والاجتماعي داخل هياكلومربعات المنظمات الوطنية الكبرى وهي ثقافة وان تعودلجذور حقبتي الحماية الفرنسية وحكم الرئيس الأسبقالحبيب بورقيبة ولكنها تكرست أكثر مع بؤس نظامالرئيس المخلوع بل أن الأمر كان أكثر سوءا وتعقيدا حيثمارس ذلك النظام سياسات الترغيب والترهيب والاختراقوالاحتواء للمنظمات والجمعيات وكل مكونات المشهدينالسياسي والاجتماعي وهو ما أوجد ما يشبه الركاموخاصة في مربعات المنظمات الوطنية الأبرز في الساحةبحيث كان أغلبها سنة 2011 في حالات شلل تنظيميوهيكلي والكارثة الأكبر ان المنظمات وهياكلها المركزية لمتقم بأي إصلاحات رئيسية سنة 2011 رغم مساحاتالحرية وتقلص الزبونية داخلها بل هي تأثرت سلبيابأجواء التجاذبات الفكرية والأيديولوجية وخاصة خلالالسنوات الأربع الماضية، ولكن ما هو أفق الفعلالسياسي والاجتماعي لتلك المنظمات واساسا خلالالخمس الأشهر المقبلة؟
1- لا تزال أغلب المنظمات من حيث هيكلتها مرتبطةبمرحلة التأسيس والذي تم خلال حقبة الاستعمارالفرنسي حيث تأسس أغلبها خلال عقد الأربعيناتمن القرن الماضي بعد أن كان الاستعمار قد دمركثيرا من الإرث الثقافي التونسي فكريا ودينياوسياسيا.. ورغم توهج عقلية التحرر الوطني يومهاوالذي دفع المستعمر للتسليم بالخروج لاحقا، إلا أنالنخب عجزت عن التناسق مع ما هو اجتماعيوثقافي، ومن ثم كانت نخبا سلبية غير قادرة علىالتماهي مع طموحات الشعب التونسي لاحقا، وحيثأن تأسيس المنظمات فاسد بنيويا حيث تم بناءمنظمات يرتبط كل فعلها التنظيمي عموديا ويقومعلى علاقات وفعل الأمين العام للمنظمة، وهو ماتوضح في أغلب الفترات بل وتوضح أكثر سنة2022، بحيث لم يبق في الصورة في أغلب الفتراتسوى الأمين العام أو رئيسها، وباستثناء المنظمةالشغيلة بقى “ماجول” تقريبا هو المعبر الوحيد عنالأعراف َوبقيت “الجربي” هي المعبرة الوحيدة عنفعل اتحاد المرأة وغاب اتحاد الفلاحين بغياب “الزار” وحضر المنقلب عليه لوحده وكأنه جاء فقط لتعويض“الزار” ليس إلا، وهو ما انعكس على كل المنظماتتقريبا باستثناء “الاتحاد العام التونسي للشغل” و“الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان“…
2- يُمكن الجزم أن سمات حقبتي الاستبداد بقيتمتراكمة في فعل المنظمات خلال 12سنة من حقبة مابعد الثورة حيث حضرت الخلافات والاستقالاتواستمر الشق الغالب دون عقلية للتوافق والمصالحةمع غلبة العقلية الانقلابية في الفعل التنظيم، وباستثناء ما تم في “الرابطة” وبعقلية ديمقراطية، تبين أن من خسر انتخابيا يغيب تماما أو يُغيبوينقطع فعله في المنظمة وهو حال مجموعة“البوغديري” الذي التحق بالفعل السياسي المباشر ، بينما اختارت أغلبية هياكل المنظمة الفلاحية انتظارالمؤتمر القادم واختار آخرون الجنوح للانقلاب، أمافي اتحاد المرأة فإن المختلفات مع “الجربي” قدخيرن الابتعاد منذ سنوات، وكل ذلك يؤشر ان هامشالفعلي سيبقى مركزيا وتفاعليا من مركزياتالمنظمات مع تطورات الساحة السياسية ولن يتم منمربعات وسط المنظمات وفعلها الاجتماعي فيالجهات ومن ثم فلم ولن يتطور الفعل التنظيميالداخلي للمنظمات في أفق نهاية جوان/يونيوالمقبل…
3- كثيرة هي الأخطاء التي ارتكباها حكام سنتي2012و2013 على غرار “بن جعفر” و“المرزوقي” و“الجبالي و“لعريض“، وهي أخطاء وإن ضُخمتمن طرف سياسيي وإعلاميي السيستام فإنه كانلها تأثيرات على المنظمات الوطنية والتي لم تتغيرنسقية فعلها التنظيمي والسياسي غير المباشر، فسارعت للجنوح للسيستام الجديد (أي مسار 25-07) بغض النظر عن تقييمها لسياساته بل فقط لأنهالغالب في لحظتها، بل الأغرب أن المنظماتوباستثناء “الاتحاد “َقد تعاطت وكأنها أمام سياطمؤتمر الحزب الدستوري سنة 1964 (وهو المؤتمرالذي قرر ضم المنظمات لحضيرة ذلك الحزب بلوأجبر المسؤول الأول في كل منظمة على أن يكونعضوا في الديوان السياسي)، وباستثناء “الرابطة” التي صححت مسارها فإن بقية المنظمات بقيت طوالسنة 2022 في مربع الموالاة شبه العمياء للحكمالقائم مثلها مثل الأحزاب والتنظيمات القومية وأخرىيسارية وليبرالية صغيرة وعبرت نصوصبياناتها عن ذلك، ولا ينتظر اني تطورات مرتقبة فيالمواقف ومضامين البيانات ولا ينتظر ان تكونحاضرة في الشارع مع استثناء للثلاثي الرابطةوالاتحاد والمحامين، وربما…
4- المؤكد أن ديناميكية الفعل جهويا ومحليا قد تراجعتأكثر سنة 2022 وبشكل رهيب وأصبحت مركزيةالمنظمات هي المتحكم في كل الأوتار وفي كلالمنظمات تقريبا، وكل فاعل جهويي أو محلي ليس لهعلاقات قوية بمركزية المنظمة أصبح فعليا خارجإطار الفاعلية والتفعيل ولا يستدعى فعليا إلاللتصويت بل إن بعض أعضاء المنظمات قد لايستدعى إذا تم الانتباه إلى أنه معارض للسائد، وحتى مركزيات المنظمات طالها التهميش حتى أنهليس هناك أي مكتب فعلى حقيقي مكون في منظمةالأعراف، ويمكن القول إن المنظمات التي لها مسافةعلى السياسي بقى فعلها قائما مركزيا وجهوياومركزيا مقارنة بالمنظمات الكبرى والتي تلامسالسياسي فعليا، ولئن تحدثت بعض أطرافوصفحات ومواقع على ضغوطات مارستها منظومةالحكم الحالية على المنظمات لتسايرها وتبقى فيركابها وفي حد أدنى أن لا تعارضها ولا تقترب منالمعارضين السياسيين لها، فإنه يمكن الجزم أنالمنظمات ذاتها كانت لها القابلية أن تكون ضمنالموالاة، ومن ثم فهي قد عاشت حالة ارتباك فيالفعل والتأثير أكثر من أنها قد تم ارباكها وحتى لووجد ذلك الارباك فهو داخلي وذاتيوتكتيكي ومرحلي، ولا ينتظر أي تغيير كبير لذلك فيأفق السنة الحالية وخاصة قبل نهاية أفريل المقبلتحديدا…
5- لم يكن فعل المنظمات الوطنية إيجابيا وبشكلاجمالي ومنذ 26-07-2021 لا مع التونسيين ككل ولامع قواعدها وهيا كلها، وهي ليست منتظمة ومتناسقةمع الفعل ولعل الموقف من الحوار الوطني دليل أولكما أن مشاركتها وموقفها من مبادرةالثلاثي دليل ثان، ومن المهم القول إن مستقبل فعلالمنظمات وخاصة سنة 2023 سيرتبط بالسياسيأولا ومستقبل الأوضاع وثانيا سيرتبط بمستقبلمبادرة الثلاثي أيضا ومن غير المنتظر أن تخرجأغلبها من ثنائية الارباك والارتباك، ومن ثم يمكنالجزم أن المطلوب وطنيا هو أن يتم دفع المنظماتالوطنية نحو أن تتحول إلى منظمات عصرية فيهيكلتها وفي رهاناتها وفي الكامل بينها لإنقاذ البلادمن مستنقع تردى الوضع الاجتماعي وتداعياته فيحال استمرار ذلك، كما لابد من نحت لوجستيلإعادة هيكلة الإدارات في تلك المؤسسات ودعمهاتكنولوجيا حتى يمكن ضمان تسييرها ديمقراطياوفي كل الاتجاهات محليا وجهويا ومركزيا وايجادتشريعات تضمن لها شراكات فاعلة وفعالة في كلمربعات الإقليم (مغاربيا وافريقيا وعربيا ومتوسطيا)، كما لابد من حلول لتتمكن من تأسيس وقفيات لهاحتى يصبح لها قدرة على تأسيس إدارات عصريةوفريق موظفين في كل مقراتها، وبتحقق كل هذهالاصلاحات والشروط يمكن لها في أفق السنواتالقادمة من أن تلعب أدوارا وطنية متقدمة، لااجتماعيا فقط، بل وسياسيا وإقليميا بما يخدم البلدوالمنطقة المغاربية ولكن ذلك يتطلب فترة طويلة وليسمنتظرا ان يتم ولو هامش صغير منه في افق نهايةجوان/يونيو المقبل…