كيف أضرت باريس بمصالحها لدى المملكة المغربية وهل سيؤدي تراجعها للتدارك السريع؟
في ظل تقييمات أن ملف التأشيرات قد هدد المصالح الفرنسية في المغرب وغرب افريقيا

خلود الطيب – كاتبة صحفية مختصة في الشؤون المغربية
رغم رسائل الترحيب المتبادلة بين المغرب وفرنسا والهادفة لوضع حد للأزمة بين البلدين والتي استمرت لأشهر، إلا أن تداعياتها أرخت بظلالها على العلاقات الاقتصادية ومن ثم مست بمصالح فرنسا لا في المغرب فقط بل أيضا بكثير من مصالحها في غرب افريقيا حتى أنه في نفس الفترة التي توترت فيها العلاقات بين باريس الرباط ولتتعمق أكثر في وقت لاحق كانت مسيرات الاحتجاج في اغلب دول الساحل الافريقي تتنامى ضد باريس وتطالب برحيل القوات الفرنسية وتنتقد تاريخها الاستعماري في بلدانها وهو الامر الذي أوجد تسابقا صينيا روسيا حول تعويض الإرث الفرنسي هناك (أي في غرب افريقيا)، ولكن كيف أضرت باريس بمصالحها لدى المملكة المغربية وهل ستؤدي خطوات التراجع الى التدارك السريع أم أن الأمر سيتطلب حوالي السنتين لإصلاح الامر واعادته للنقطة الصفر؟
ا – طُرح سؤال ما إذا كانت أزمة التأشيرات قد أدت دورا في زعزعة مكانة فرنسا الاقتصادية لدى المغرب بل و في غرب القارة السمراء وخاصة بعدما غادرت شركات فرنسية البورصة وسط مخاوف من تصاعد الآثار الاقتصادية، ومعلوم أن الحكومة الفرنسية كانت أعلنت في نهاية سبتمبر الماضي تشديد شروط منح التأشيرات لمواطني “المغرب” و”تونس” و”الجزائر” بدعوى “رفض الدول الثلاث إصدار التصاريح القنصلية اللازمة لاستعادة مهاجرين من مواطنيها ولاحقا ألغت باريس شروط التأشيرات لمواطني الجزائر وتونس وأبقتها للمغرب وفق كثير من تقارير إعلامية خاصة بذلك، واستنكر المغرب التشديد الفرنسي في منح التأشيرات، ووصفه بالإجراء “غير المبرر…”، وقال مختصون فرنسيون وأوروبيون أنه “مما لا شك فيه أن العلاقات الاقتصادية المغربية الفرنسية تضررت بفعل الأزمة السياسية” ورغم قول آخرين أن “العلاقات الاقتصادية بين المغرب وفرنسا متينة ولا يمكن أن تتأثر بسهولة” فواضح أن باريس قد سقطت في فخ فتح ملفات لا طائل من فتحها وكان بالإمكان للتشاور وليس للإقرار التنفيذي
ب -لا يختلف اثنان إن الأزمة بين البلدين سيكون لها تأثير على المستوى الاقتصادي وخاصة في صورة عدم تداركها الفعلي وعدم بقاء أمر التوافق رسمي فقط ومعلوم أن هناك تقديرات مفادها أن النفوذ الاقتصادي الفرنسي بالمغرب سيتضرر بصيغة أو بأخرى، على اعتبار أن الشركات الفرنسية كانت تستفيد من تسهيلات مهمة، مستفيدة من العلاقات المتميزة بين باريس والرباط” بل وهناك حديث عن انسحاب عدد من الشركات الفرنسية من المغرب، وهو ما يؤكد أن توتر العلاقات الدبلوماسية والسياسية بين المغرب وفرنسا له تداعيات وتأثيرات اقتصادية وتجارية حتى لو وقع القيام بخطوات استدراك خلال الفترة المقبلة، ومعلوم أن المملكة قد توجهت منذ سنتين تقريبا إلى تنويع شركائها الاقتصاديين، بالتزامن مع بروز وعي شعبي بضرورة القطع مع الاستغلال الفرنسي للمغرب اقتصاديا، بسبب علاقات وصفقات غير متوازنة وفقا دراسات وتقييمات سابقة…
ت – في 6 ديسمبر/كانون الأول الماضي أعلنت المملكة المغربية وقف تداول أسهم شركة “سنترال دانون” الفرنسية، في بورصة الدار البيضاء ومعلوم أن هذه الأخيرة تملك مصنعين للحليب ومشتقاته في مدينتي الدار البيضاء والجديدة، وكان المغرب قد أعلن في 18 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وقف تداول أسهم شركة “ليديك” الفرنسية في بورصة الدار البيضاء أيضا وقال بيان لبورصة الدار البيضاء (حكومية): “شطب أسهم رأسمال الشركة الفرنسية، جاء بناء على العرض العمومي الإجباري للسحب، وبناء على طلب المصدر (شركة ليديك)”. وكان المغرب سنة 1997 قد وقع مع “ليديك” (تشتغل في قطاعي الكهرباء والماء) عقد عمل يمتد 30 عاما، ينتهي العمل به في عام 2027، ومعلوم أنه منذ بداية سنة 2005 قد أدرجت شركة “ليديك” في بورصة الدار البيضاء، وتمتلك 51% من رأسمالها الشركة الفرنسية الأم “سويز، وأتى الإعلان عن وقف تداول أسهم الشركتين الفرنسيتين في بورصة الدار البيضاء في ظل توتر في العلاقات المغربية الفرنسية، ظهرت مؤشراته من رفض تأشيرات لمغاربة إلى فرنسا، منهم رجال أعمال وفنانون وطلبة.
ث – كل المعطيات سالفة الذكر أعلاه لا تنفي معطى أن العلاقات الاقتصادية بين المغرب وفرنسا متينة،ويرى البعض أنها مبنية على أساس الترابط وودية العلاقات خلال العقود الماضية، ويرى أنصار ظرفية الخلافات بين البلدين وانها خلافات تكتيكية وليست استراتيجية بل أن أولئك يضيفون في قراءاتهم أنه لا يمكن فك الارتباط بين الطرفين على المستوى الاقتصادي وأن كل ما هناك أن المغرب يطلب من شريك أساسي (فرنسا) أن يحدد موقفه من طبيعة العلاقة المستقبلية، هل هي قائمة فقط على أساس تحقيق أرباح اقتصادية، أم يجب أن تكون على أساس شراكة يستفيد منها الطرفان، ومعلوم فعلا أن المملكة المغربية كانت ولا تزال تقدم لفرنسا الكثير من الإغراءات الاقتصادية، خاصة أنه يحظى بثقة شركائه الأفارقة وعمليا لا يمكن تغييب ان مصالح فرنسا قد وقع الاضرار بها سياسيا واقتصاديا في غرب افريقيا تحديدا خلال الفترة التي توترت فيها علاقات باريس بالرباط ومعلوم أنه يوم الاحد الماضي تحديدا ( أي 15 جانفي/يناير طالب عزيز أخنوش(رئيس الحكومة المغربية) فرنسا، بـ”الخروج من المنطقة الرمادية، وعدم الاكتفاء بلعب دور المراقب بشأن قضية الصحراء المغربية، وأضاف أخنوش، في تصريح لصحيفة “لوبنيون” الفرنسية: “حان الوقت للخروج من هذه الوضعية، لوجود تطورات كبيرة في قضية الصحراء، عقب اعتراف القوى العظمى بسيادة المغرب على الأقاليم الجنوبية، بل أن رئيس الحكومة تابع عبر القول “علاقتنا الاقتصادية مع فرنسا ستتطور، واتفاق الشراكة بين الاتحاد الأوروبي والمغرب يحتاج إلى قوة دفع جديدة وإلى ثقة متبادلة”.
ج- خلال سبتمبر الماضي وفي نفس الوقت الذي كان وزراء سابقين ونخب فرنسية تحذر من تواصل منطق التوتر بين البلدين قالت السفارة الفرنسية في الرباط إن هناك أكثر من 1000 شركة فرنسية توفر حوالي 130 ألف منصب شغل مباشر والآلاف بشكل غير مباشر، في قطاعات مختلفة بالمغرب، وأضافت السفارة يومها وفق ما نقلته مواقع صفحات وبوابات فرنسية ومغربية أن 30% من إجمالي الاستثمارات الأجنبية المباشرة بالمغرب مُنجزة من طرف المقاولات الفرنسية، وفي منتصف ديسمبر الماضي، رحب وزير الخارجية المغربي “ناصر بوريطة” بالقرار الفرنسي القاضي بالعودة إلى منح تأشيرات الدخول للمواطنين المغاربة ولاحقا تم تعيين سفير فرنسي ذي طبيعة اقتصادية واستثمارية قبل ان تزور وزير الخارجية الفرنسية الرباط وتقع المصارحة الفرنسية المغربية وبتك الزيارة فتحت صفحة أولية لغلق ملف التوتر بل وتم عمليا إقرار برمجة زيارة ماكرون والتي قد تتم بين الأسبوع والآخر لو لم تهب الرياح في اتجاه معاكس…
ح -الخلاصة أن فرنسا تضررت من ملف هي من قامت فيه بخطوات تجاه البلدان الثلاث ولكن المضرة الكبرى لمصالحها كانت مغربية بالأساس لان المملكة رفضت وبشدة الخطوة الفرنسية الخاصة بالتأشيرات ومن ثم تداعت الخسائر الفرنسية كميا وكيفيا لا في الرباط فقط بل وأيضا في أكثر من بلد افريقي وخاصة في غرب ووسط افريقيا بينما بحثت المملكة على تقوية شراكات اقتصادية وسياسية على غرار الصين والولايات المتحدة وإسرائيل ودول خليجية وهو ما سمح لها بالمضي في شراكات استراتيجية وفتح مسارات أخرى للتعاون الثنائي وخاص في افريقيا جنوب الصحراء ومع موريتانيا ونيجيريا ( خط أنبوب الغاز) وتم ذلك عشية الاستدارة الاوربية نحو القارة السمراء بحثا عن الامن الطاقي والغاز بل ان ذلك تماهى مع فتح بلدان افريقية لقنصليات في المغرب وتدعم علاقاتها مع شركاء أوروبيين أيضا على غرر اسبانيا…