دراسات
قمّة أبو ظبي التشاوريّة الطّارئة: أسباب انعقادها وطبيعة مخرجاتها والرهانات المرتقبة للعرب
غاب عنها الأمير بن سلمان ونظيره الكويتي واستفهام حول قدرة مخرجاتها على إخراج مصر من أزمتها

علي اللافي – كاتب ومحلل سياسي
استضافت دولة الإمارات العربية المتحدة فيعاصمتها “ابوظبي” اول امس الأربعاء قمّة تشاوريةمُصغّرة، جرى ترتيبها على عجل، وضمّت قادة أربع دولأعضاء في مجلس التعاون الخليجي (سلطنة عُمان، قطر، البحرين، والإمارات) إلى جانب الرئيس المصريعبد الفتاح السيسي والعاهل الأردني الملك عبد اللهالثاني، ولوحظ غياب الأمير محمد بن سلمان، الحاكمالفعلي للمملكة العربية السعودية، والشيخ نواف الأحمدأمير دولة الكويت، أو ولي عهده الأمير مشعل الأحمد، وهو غياب يتّسم بالغموض، ولم تصدر أي تصريحاترسمية أو اية تسريبات صحافية لتبرير ذلك الغياب أوشرح أسبابه ومبرراته، فما هي مخرجات القمة وخلفياتانعقادها وبذلك الشكل المفاجئ و السريع؟
1- أولا، هذه القمة المُفاجئة جاءت في ظل وضع دولييتسم بالغموض والتحولات السريعة والدراماتيكيةوفي ظل وضع إقليمي متحول ومتغير في كل مربعاته(افريقيا–متوسطيا–عربيا–أسيويا) وهي تعقد بعدأخرى ثلاثية في القاهرة يوم الثلاثاء، ضمت الرئيسالسيسي إلى جانب العاهل الأردني والرئيسالفلسطيني محمود عباس، طار بعدها العاهلالأردني الى أبو ظبي حاملا رسالة الى الشيخ محمدبن زايد دفعته للمبادرة فورا بالدعوة الى القمةالتشاورية المصغرة، مما يعني أن هناك أسباباطارئة حتّمت انعقادها.
2- ثانيا، من المرجح أن هناك عدة احتمالات تقف خلفهذا التحرّك السريع للدول المشاركة في قمّة أبو ظبييُمكن تلخيصها في النقاط التالية:
● تدهور الأوضاع الاقتصادية المصرية بعدانخفاض الجنيه المصري الى أدنىمستوياته في التاريخ (32 جنيه مقابلالدولار)، وارتفاع معدلات التضخم، والشروط القاسية لصندوق النقد الدوليوأبرزها تعويم العملة الوطنية وتقليصاعمال الشركات الخاصة التابعة للجيشالمصري في مجال المقاولات والتجارة الىحدود دنيا، وهناك أنباء تقول ان الصندوقطلب من دول الخليج تقديم 40 مليارا فورامساعدات لمصر والا فالانهيار وشيكوحتمي.
● تصاعد المخاوف من قرارات خطيرة قدتقدم عليها حكومة بنيامين نتنياهوالإسرائيلية الفاشية، وأبرزها اقتحامالمسجد الأقصى، وإلغاء الوصايةالهاشمية عمليا، وضم الضفة الغربية، وتسفير مئات الآلاف من سكانها الىالأردن.
● تحذيرات الشيخ “حمد بن جاسم“(رئيسالوزراء القطري السابق) دول الخليج قبلأيام من عدوان امريكي إسرائيلي وشيكضد ايران يمكن ان يهز أمنها ويزعزعاستقرارها.
3- ثالثا، خطر الانهيار الاقتصادي الذي تواجهه مصرربما كان العامل الأهم والأكثر إلحاحًا على جدولأعمال القمة التشاورية، فالمساعدات المالية الخليجيةتوقفت كليا، وحتى إذا استمرت فلم تعد منح لا ترد، وودائع دون شروط، وإن هذا النهج تغيّر مثلما قال“محمد بن جدعان“(وزير المالية السعودي) في كلمتهأمام منتدى دافوس الاقتصادي، وكان الرئيسالسيسي قد أكد في تصريحات سابقة هذا التوقّفعندما قال إن دول الخليج أوقفت مساعداتها كليا.
4- رابعا، غياب أمير الكويت عن القمة التشاورية ربمايكون مفهوما، ويعود في بعض جوانبه إلى تبنّيمجلس الأمّة الكويتي (البرلمان) قرارا بمنع حكومةبلاده من تقديم دولارا واحدا كمساعدات لمصر، ووجود أزمة داخلية متفاقمة بين الحكومة والبرلمانهذه الأيام، مضافا إلى ذلك تدهور العلاقة بينالبلدين بسبب ترحيل العمالة المصرية من الكويت، ولكن ما هو غير مفهوم حتى الآن هو غياب الأمير بنسلمان ولي العهد السعودي عن القمة التشاوريةالطارئة، والعلاقات البينية الخليجية ليست في أفضلأحوالها هذه الأيام، فاذا كان الاستقبال الحار، والباسم، من قبل الشيخ محمد بن زايد للأمير تميمبن حمد أثناء مُشاركته بهذه القمّة قد صعّد الآمالبتخفيف حدّة التوتّر بين البلدين، فإن هناك تسريباتإخبارية تؤكد أن العلاقات السعودية الإماراتية تعيشحالة من التأزّم على أرضية الخلافات في الملفاليمني وقضايا إقليمية أخرى، وربما هذا التأزم هوالذي أدّى إلى حدوث انفراجة في العلاقات القطريةالإماراتية، أما إذا انتقلنا إلى العلاقات المصريةالسعودية فإنها تعيش حالة من التوتر غير مسبوقةمنذ سنوات انعكست في توارد أنباء في الصحافةالغربية (موقع أكسيوس الأمريكي)، عن وقفالسلطات المصرية الإجراءات العملية لنقل ملكية جزرتيران وصنافير الى السيادة السعودية، مضافا إلىذلك شن الإعلام الرسمي المصري هُجوما شرسًاعلى قناة “أم بي سي السعودية ـ مصر” والمذيععمرو أديب الذي يقدم برنامجا يوميا عن الشؤونالمصرية فيها، واتّهامه بالعمالة للسعودية وسطمخاوف من احتمال إغلاق المحطّة التي تبث منمصر.
5- خامسا، لا يمكن طبعا تغييب أو تجاهل قضايا أخرىعلى درجة كبيرة من الخطورة، وأبرزها تلك المتعلقةبالتوتر العائد إلى ممارسات حكومة نتنياهو الفاشيةومخططاتها، ومنعها السفير الأردني من زيارةالمسجد الأقصى كخطوة أولى لإلغاء الوصايةالهاشمية.وصحيح أن عدم دعوة الرئيس الفلسطينيعباس لحضور قمّة أبو ظبي قد قلّلت من أهمية بحثهذا التهديد في القمّة المذكورة (هناك فيتو إماراتيضدّه)، ولكنّ لا يمكن أيضا تغييب أن المخاوف علىالأردن الذي يتعرض حاليا لضغوط أمريكيةوإسرائيلية للمُشاركة في قمة النقب الثانية فيالمغرب، حظيت ببحث جدّي أيضا، وحث العاهلالأردني الدول الخليجية المطبعة مع دولة الاحتلاللاستخدام نفوذها لعدم التمادي في تصعيد هذهالضغوط لما يمكن أن يترتّب على ذلك من ردود فعلقد تُهدّد أمن الأردن واستقراره.
6- سادسا، كل الدول الدول المُشاركة في هذه القمةالتشاورية المُصغّرة، باستثناء سلطنة عُمان وقطر، وقعت اتفاقات تطبيعية مع دولة الاحتلال، ومنالمفارقة أن السعودية والكويت اللتين غابتا عنها لميُطبّعا مع دولة الاحتلال حتى الآن على الأقل، فهلجاء هذا من قبيل الصّدفة أم جاء متعمدا؟
7- سابعا، القمّة المُصغّرة الطارئة في أبو ظبي لمتستغرق إلا ساعات معدودة، فهل خففت من حدةالخلافات العربية والخليجية تحديدًا أم زادتهاتعقيدًا، وهل ستتدفّق المليارات على مصر لإخراجهامن أزمتها المالية، (قدّمت دول الخليج لمصر 92 ملياردولار مُنذ ثورة يناير 2011)، أم سيبقى بيت أبوسفيان على حاله؟ الأيّام القليلة القادمة ستُجيبعلى هذه الأسئلة وتفرّعاتها، وما علينا إلاالانتظار….
8- ثامنا، الخلاصة أن أمر العرب في عالم اليوم لا يزالمحيرا خاصة في ظل التشتت الفرقة وغياب الذهنيةالاستراتيجية وروح الأصالة والعزة وفهم الصراعاتالدولية وان استطاعت دورة كأس العالم واداءالمنتخب المغربي كسر جزء من الجمود العربي فانفعلهم السياسي يدل انهم لا يزالون خارج مربعاتالتاريخ والجغرافيا وهذه القمة أثبتت انهم وقائعيينولا يزالون يردون الفعل رغم أن الفلسطيني خالدمشعل قد نبه منذ نهاية عقد الثمانينات من القرنالماضي لذلك العقم في الفعل السياسي عندما قالان العدو الصهيوني يفعل دوما ومنذ عقود ونحنوجب علينا الخروج من مربعات ردود الفعل إلى الفعلالمغير لحركة التاريخ و البناء والنصر، وهذه القمةالأخيرة وبغض النظر عن تفاصيلها وأسباب عقدهاوماهية مخرجاتها لم ولن تغير شي بل قد تحبطالآمال أكثر مما هي عليه من احباطات…