الجزائرتحاليلليبيا

خلفيات وأبعاد ربط الجزائريين بين الملفين الليبي والفلسطيني

علي اللافي – كاتب ومحلل سياسي مختص في الشؤون المغاربية والافريقية

أكد الرئيس الجزائري “عبد المجيد تبون” بذل كل الجهود الدبلوماسية الممكنة لأجل حصول فلسطين على عضوية كاملة في هيئة الأمم المتحدة، وعبّر عن تفاؤله بشأن حدوث تطورات إيجابية للوضع في ليبيا نحو إجراء الانتخابات في غضون العام الجاري، وربما يعتقد البعض أنذلك هو مجرد تصادف اتصالي في ذكر الملفين وتعبير كلاسيكي من أعلى هرم السلطة الجزائرية عن موقف بلدهاالمحوري في ملفين بارزين وخاصة في خضم تطورات الأحداث في بداية سنة 2023 والتي يبدو أنها لن تكون عادية في بناء مسار عقد كامل وقد يعتقد البعض أن الأمر أقرب لموقف دولة بدأت سرعة دبلوماسيتها قوية في خضم تسارع الأحداث والمتغيرات في الإقليم خاصة وأن دبلوماسية بلد الأمير عبدالقادر قد عادت لها الفاعلية والنجاعة بعد أن كانت شبه مشلولة بين 2014 و2020، ولكن كل ما سبق لم ولن يُغيب خلفيات عدة وذهنية سياسية في الربط بين الملفين لدى الرئيس “تبون” ولدى كل أركان السلطة الجزائرية الحالية وتحديدا ما بعد 12 ديسمبر 2019 – أي بعد انتخاب الرئيس الحالي-وخاصة بعد تغيير مهم ورئيسي وغير عادي للدستور الجزائري وبما يسمح بلعب أدوار اكثر خارج التراب الجزائري، فما هي تلك الخلفيات والأبعاد الجديدة خاصة لو علمنا أن دبلوماسية بلد الأمير عبدالقادر كان حاضرة وبقوة في الملف الفلسطيني حتى قال عرفات يوما “اذا ضاقت عليكم الدنيا فاذهبوا للجزائر” بينما عرف الملف الليبي غيابا وحضورا من فترة لأخرى وليحضر بقوة منذ نهاية 2020 ويصبح حاضرا في كل تصريحات تبون تقريبا بل انه كان خبزا سياسيا يوميا اثناء الأسابيع الأربعة السابقة للقمة العربية وما بعدها أيضا؟

** حيثيات وتفاصيل الربط الأخير بين الملفين الليبي والفلسطيني 

1- أولا،قال الرئيس الجزائري، خلال لقائه بحكام الولايات اليوم أمس الخميس (19-01-2023) “نتمنى أن تصبح فلسطين خلال هذه السنة عضواً بكامل الحقوق في الأمم المتحدة”، حيث تتولى الجزائر، وفقاً لمقررات القمة العربية الأخيرة التي عقدت في الجزائر مطلع شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، “دعم توجه دولة فلسطين للحصول على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، ودعوة الدول التي لم تعترف بعد بدولة فلسطين إلى القيام بذلك”، وفي السياق نفسه، عبّر تبون عن تفاؤله بأن تشهد الأزمة الليبية انفراجا هذا العام، وقال: “نتمنى أن تشهد سنة 2023 حل الأزمة في ليبيا بما يرضي الجميع وإجراء الانتخابات”، مضيفاً أنّ الجزائر “لن تتخلى عن قضية الصحراء بأي ثمن، لأنها قضية مبدئية بالنسبة للجزائر”. وتابع: “نحن نناضل من أجل القضايا العادلة في العالم، الجزائر لعبت دوراً قوياً عبر دبلوماسيتها في العام الماضي 2022، وسنلعب دوراً أكبر في العام الجاري 2003″، مشيراً إلى أنّ “الجزائر لها توجه معروف، وهو عدم الانحياز والدفاع عن السلم في العالم، وكل الدول العظمى صديقة لنا ولسنا ندور في فلك أي دولة”.

2- ثانيا،كان المندوب الدائم لجزائر لدى الأمم المتحدة “نذير العرباوي” قد أعلن أيضا مساء أمس الأربعاء (18 جانفي/يناير) خلال نقاش بمجلس الأمن حول الوضع في الشرق الأوسط، عن رفض الجزائر الشديد لما وصفها بـ” التدابير العقابية” التي يقرها الكيان الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني وقيادته، بعد طلب الجمعية العامة للأمم المتحدة رأياً استشارياً من محكمة العدل الدولية”، وذكر العرباوي أنّ الرئيس تبون، بصفته الرئيس الحالي للقمة العربية، كان قد وجه رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة “أنطونيو غوتيريس”، لحثّه على “إدانة أعمال العنف الصهيونية ضد حرمة المسجد الأقصى، وتوفير الحماية الضرورية للشعب الفلسطيني ومقدساته، لا سيما في مدينة القدس المحتلة، ووقف محاولات تغيير طبيعتها الديمغرافية وهويتها العربية الإسلامية والمسيحية”.

** حول تاريخية الربط بين الملفين لدى الجزائريين والمراوحة بين الحضور العادي والقوي في كليهما بين 1962 و2022

1- أولا، الجزائر وليبيا كان بلدين عضوين في ما عرف ب”جبهة الصمود والتصدي” والتي بغض النظر عن تقييمهافقد كانت أقرب للمبدئية في الملف الفلسطيني وأكثر راديكالية تجاه منطق الاستسلام والتطبيع والخنوع العربي أثناء عقدي السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، ورغم خلافات البلدين –أي ليبيا والجزائر- في كثير من التفصيلات السياسية الا أنهما كان بلدين جارين ومتكاملين في قراءة واقع المنطقة بحيث كان الليبيون في بداية الخمسينات أهم سند لحركة التحرير الوطني الجزائرية والتي كان السلاح يمر لها عبر الأراضي التونسية عبر امداد ليبي ومصري يومها وكان الملك ادريس حريصا على المتابعة اليومية للملف الجزائري والدعم المستمر للقضية الجزائرية ايمانا منه بدعم كل القضايا العربية والإسلامية إضافة الى أنه جزائري الأصول، ولاحقا أقام القذافي ورغم تذبذبه السياسي في كثير من القضايا العربية وركوبه للموجات، علاقات قوية مع الجزائريين وخاصة في حقبة بومدين ولم تحدث له مع الجزائر أي توترات حدودية تذكر أو أي خلافات سياسية كالتي وصلت حد دعمه للمعارضين والبحث عن تغيير السلطة على غرار ما تم بين ليبيا وكل من التشاد والسودان وتونس ومصر، بل وكان هناك تكامل في تعاطيالبلدين مع الملف الفلسطيني منذ استقلال البلدين حتى 2011 بغض النظر عن طرق وآليات المعالجة وماهية وتفاصيل العلاقة مع الفصائل الفلسطينية حيث كان علاقات الجزائر أكثر مبدئية وأكثر عمقا ولم تكن تكتيكية أو وظيفية بقدر ما كانت استراتيجية وناجعة بينما كانت علاقات القذافي متذبذبة وقائمة على التوظيف والوظيفية …

2- ثانيا،خلال حقبة بوتفليقة وبعد 2011 تحديدا عرفت الدبلوماسية والسياسات الجزائرية عموما شُبه سُبات وخاصة بعد 2014 وان حافظ الجزائريون على مواقفهم الرئيسية في رفض التدخل العسكري الأجنبي في ليبيا وأهمية معالجة الفلسطيني عربيا ولتعرف الفترة بين 2014 و2020 تراجعا جزائريا في الربط بين الملفين دون غيابه تماما على مستوى الخطاب السياسي الرسمي وثانيا كانت الجزائر بمثابة الحاضر الغائب في الملف الليبي والفلسطيني أيضا ورغم تنظيم حوار الأحزاب والمجتمع المدني الليبي سنتي 2014و2015 وحفاظها على حد أدنى في دعم الغرب والجنوب الليبيين سياسيا واجتماعيا بغاية الحفاظ على السلم الأهلي فيهما الا أن شبه الشلل السياسي ودخول ليبيا لحقبة الحرب بالوكالة واستطاعت بلدان أخرى على غرار المغرب ومصر تحقيق اسبقية كبيرة على الجزائريين بأشواط يومها سواء عبر احتضان الحوارات والاتفاقات (الصخيرات – مؤتمري القاهرة 1 و2)، ومع ذلك نبهت الجزائر على “حفتر” وحلفائه والذين لم يكونوا ليتوغلوا في الجنوب نهاية سنة 2018 وبداية 2019 ومن ثم القدوم للعاصمة في 04-04-2019 والاعتداء عليها وعلى سكانها إلا أثناء فترة تركيز الجزائر على أزمتها الداخلية ما بعد انطلاق الحراك الشعبي في فيفري 2019 بل ان هجوم قوات “حفتر” على العاصمة قد تم بعد يومين فقط من اسقالة بوتفليقة من الرئاسة…

** الخلاصة أو في تعدد خلفيات ربط الجزائريين بين الملفين

معطيات التاريخ وأبجديات الفعل السياسي خلال العقود الماضية قد بينت وأن سياسات الجزائريين تنظر لليبيا وفلسطين بفكرة الترابط وتجاوز ذلك لرؤية عربية استراتيجية نحتت ملامحها الأولى والرئيسية ثورة التحرير الجزائرية وطبعا لا يعني ذلك أن الفعل السياسي الجزائري لم يرتكب أخطاء تكتيكية وتقديرية وخاصة في تعاطيه مع الملف الليبي تحديدا، بل ان الفاعلية الأخيرة في التعاطي مع الملف قد بينت على قراءة تقييمية لتلك الأخطاء وذلك الشلل المسجل بين 2014 و2020 وأيضا في قراءة طبيعة تطور الاحداث وطبيعة تداعيات ما يجري دوليا ( صراع النفوذ – الحرب الروسية الأوكرانية) وإقليما (ما يجري من تطورات دراماتيكية في الساحل الافريقي – الحضور المغربي القوي في افريقيا جنوب الصحراء – حالة الا استقرار في غرب ووسط افريقيا – الصراع الاثيوبي المصري السوداني في ملف سد النهضة- قضايا الخلافات في شرق المتوسط) ومن ثم يمكن فهم إصرار الجزائريين على الربط وهو ربط منهجي سياسيا وله خلفيات بعضها تاريخي والآخر ثقافي وفكري واستراتيجي وبعضها الآخر مبني على طبيعة العلاقات مع جيرانه واوضاعهم السياسية الحالية والراهنة وأيضا تحسبا للتطورات الممكنة في تونس ومالي والنجير والتشاد والسودان…

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق