
علي اللافي-كاتب ومحلل سياسي مختص في الشؤون المغاربية والافريقية
انطلقت اجتماعات اللجنة العسكرية المشتركة “5+5” في مدينة سرت أول أمس الأحد بمشاركة المبعوث الأممي إلى ليبيا “عبد الله باتيلي” لبحث ملفات عدة تتعلق بالمسار العسكري في البلاد، ووفقاً لمصادر إعلامية ليبية نقلت عن عسكريين قولهم إن الاجتماع حتى مساء أمس الإثنين لمتابعة تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، مشيراً إلى أن الاجتماع ناقش ملفات عدة على صلة بتنفيذ الاتفاق ويظهر أن هذا الاجتماع وان كان أحد مسارين لا خلاف عليهما منذ أكثر من سنة ونصف الا أن المعطيات المتسارعة في بلد عمر المختار تؤكد أن الطريق قد أصبحت أو ستكون سالك أمام الانتخابات والتي قد يتحدد موعدها بين أسبوع وآخر ومن هندسة خارطة الطريق المؤدية اليها بل ومن المنتظر ان تنجز عبر عقلية توافقية وجامعة بين نهاية يونيو/جوان وبداية أكتوبر/تشرين الأول من السنة الحالية، ولكن ماهي إمكانية تحقق ذلك وما هي فرضيات عدم وجود معرقلة مثلما كان الأول منذ موعد 10 ديسمبر 2018 والذي تم تحديده في لقاء/مؤتمر باريس2؟
** حيثيات وتفاصيل اجتماع اللجنة العسكرية واهم مخرجاته الممكنة
1- أولا، أكدت عديد المصادر الإعلامية المتابعة لاجتماع اللجنة أن “أجندة الاجتماع شاملة كل ما يتعلق بالاتفاق، ومنها ملف خروج المرتزقة والقوات الأجنبية، وتبادل أسرى الحرب”، مضيفاً أن اللجنة الفرعية الخاصة بمراقبة نقاط وقف إطلاق النار تجتمع بعدد من المراقبين الدوليين الذين سيشاركون في الاجتماع، ويعتبر الاجتماع الثاني من نوعه منذ تسلم “باتيلي” مهام البعثة الأممية في منتصف أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، ففي نهاية الشهر ذاته التأمت اللجنة في اجتماع بمقرها الرسمي بمدينة سرت، لاستئناف اجتماعاتها ومناقشة مستجدات تنفيذ وقف إطلاق النار.
2- ثانيا،في مطلع ديسمبر/ كانون الأول الماضي، شاركت لجنة “5+5” في اجتماع استضافته العاصمة التونسية لمجموعة العمل الدولية المعنية بالمسار العسكري في ليبيا، والتي تتكون من ممثلين عن تركيا والولايات المتحدة وفرنسا وإيطاليا وبريطانيا ومصر والاتحاد الأفريقي، وتجتمع دورياً لتقييم الأوضاع الأمنية في ليبيا، وخلال اجتماع تونس، ناقشت لجنة “5+5” مع مجموعة العمل الدولية، “الخطوات التالية في تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، وإعادة توحيد المؤسسات العسكرية الليبية، وتأمين الانتخابات”، بحسب بيان للبعثة الأممية، وتأسست اللجنة عام 2020، منبثقة من اتفاق وقف إطلاق النار الموقَّع في أكتوبر/تشرين الأول من العام ذاته، نتيجة للقاء برلين الأول الذي عقد في أثناء حرب طرابلس الأخيرة، وتتكون اللجنة من خمسة من كبار الضباط، يمثلون معسكري غرب البلاد وشرقها، فيما خصصت مدينة سرت لاحتضان مقرها الرئيس، ولم تتمكن اللجنة حتى الآن من إنهاء أهم استحقاقين باقيين ضمن مهامها، وهما توحيد المؤسسة العسكرية، وإخراج المرتزقة والقوات الأجنبية والمقاتلين الأجانب من ليبيا، رغم اجتماعاتها المتكررة…
3- ثالثا، النقطتان السابقتان والمعلقتان سابقا من حيث الوصول فيها الى نتائج منتظر ان يحصل -أي ان يكون قد تم الوصول فيهما-الى نتائج بل ومرتقب حسب البعض ان يفضي الاجتماع وقد تم التوصل الى تحديد أسماء أربع مناصب وهي: قائد الأركان (سينحصر الأمر بين الناظوري والحداد والبرغثي) – قيادة أركان البر – قيادة أركان البحر – قيادة أركان الجو، ولو تم ذلك فعلا فمن المنتظر ان تتسارع كل الخطوات وخاصة أمام ضغوط دولية وأممية شديدة على كل الأطراف وخاصة وان ذلك قد تمت الإشارة اليه في لقائي بيرنز في كل من طرابلس وبنغازي وهما لقائين كانا سريعين ولكن الرسائل كانت قوية جدا[1]…
** هل أصبح الذهاب للانتخابات حتميا، وهل الطريق اليها سالكة فعلا؟
1- أولا،الثابت أن ليبيا يمكن أن تتعافى بيسر وسهولة كبيرة اقتصاديا واجتماعيا أولا لأن لها من الأرصدة والثروات ما يسهل مهمة أي حاكم وخاصة في صورة حل الأزمة السياسية بسلاسة ولو جزئيا[2]، وما لا يمكن تغييبه انه في ليبيا هناك سواحل استراتيجية وموانئ لا توجد في أي بلد متوسطي كما ليس هناك مثيل لمدن مثل “بنغازي” و”صبراطة” و”مصراطة” ومدن أخرى سياحيا والثروات التي في الجنوب وقريبا من الحدود التشادية وفي المثلث الحدودي مع تونس والجزائر ليس مثلها أي ثروات في العالم والذهب الليبي ذهب نادر وخاصة في “غريان” وفي “الجنوب”(وهو ذهب لا يُضاهيه أي ذهب في أي بلد في العالم)، وطبعا ليبيا تعيش طفرة نفطية منذ بداية الستينات وقد رفض الملك “ادريس السنوسي” اقتسام ثروات البلد مع بلدان أخرى وبعضهم يؤكد أن خلعه من السلطة كان وراء رفضه لذلك وكانت هناك رواية أنه يوم رفضه قال مسؤول غربي لمسؤول ليبي ان “الملك مرض ويكفيه”، وبغض النظر عن صحة تلك الرواية فان الثابت أن ليبيا بلد تمتد سواحله على المتوسط بآلاف الكيلومترات،بل هو يمتلك تاريخ ممتد من العزة والصمود والأصالة وأنه يحد تقريبا كل دول الساحل والصحراء وأنه متداخل اجتماعيا وثقافيا مع كل جيرانه تقريبا…
2- ثانيا، خلال سنة 2022 تمكنت ليبيا من تحقيق إيرادات نفطية هي الأكبر منذ ستة أعواموتم ذلك رغم الاضطرابات التي شهدها القطاع سواء تعلقت بشلل الإنتاج أو تلك المتعلقة بالتصدير إلى الأسواق العالمية بسبب الخلافات وإغلاق الحقول[3]، ولم ولن يقتصر على ذلك حيث أنه ورغم حدة الازمة السياسية واندلاع الحرب الوكالة منذ سنة 2014 فقد تبين للمختصين ندرة ثروات ليبيا الهائلة والنادرة – كما صبنا في ذلك أعلاه- وكل ذلك يحيلنا عمليا الى استفهامات غريبة نوعا ما، فكيف لبلد يعيش حالة آلا استقرار ان يعرف التعافي اقتصاديا واجتماعيا وكيف تتحرك الدواليب وسط الخلافات والتجاذبات والصراعات؟، ولعل الإجابة قد تحيلنا الى عدد من الحقائق أولها طبعا هو أن معيقات الحل في ليبيا ليست ليبية بالأساس بل هي في تنامي صراع النفوذ على القارة السمراء وتحديدا على ليبيا وهو ما أكده سابقا المبعوث الأممي غسان سلامة سنة 2018 عندما قال لا يكفي ان تتفقوا – أي الليبيين – بل يجب أولا ان يتفق المجتمع الدولي، ومن هنا يمكن الجزم أن الحل قريب في ليبيا ولو بشكل مؤقت ( أي مسكن من مسكنات الحلول) خاصة وان ليبيا هي ضمن 10 دول مختارة في خطة أو استراتيجية الاستقرار الأمريكية والتي تضم هايتي والبنين وغيبيا الجديدة وليبيا ودول أخرى وهو امر تبين من خلال ما تسرب عن تفاصيل لقائي “برينز” والذي اكدنا أعلاه أن رسائله كانت واضحة وحاسمة بشأن الذهاب للاستحقاقات الانتخابية وفي اقرب الآجال…
3- ثالثا،معلوم أنه في ليبيا بالذات يمكن وصف الصراع بانه حرب بالوكالة خاضتها وتخوضها أطراف ليبية ضيقة الأفق الاستراتيجي لصالح أذرع إقليمية، وأن هذه الأخيرة هي وكيلة أيضا لأطراف دولية تهدف بالأساس لنهب ثروات البلد الهائلة والنادرة ومن ثم المرور بيسر للعمق الافريقي، وما يغيبه البعض في تشخيص الأزمة وتحليل خلفياتها وأبعادها انه في ليبيا تحديدا ليس هناك حلول في مدى السنوات القادمة وما يمكن أن يتم في أقصى الحالات هو التوافق المؤقت على مسكنات حلول (انظر الهامش الثاني من مقال الحال)، فان ليبيا لم ولن يسمح بالاستقرار طويل المدى فيها لأسباب عدة ولكن تكتيكيا يظهر ان الاحداث والتطورات تلاحقت ومن ثم فان هناك سعي دؤوب للذهاب للحل بسبب رغبة أمريكية في دفع ليبيا للاستقرار ومن ثم تحويل ملفها لملف نائم ولو مؤقتا مثله مثل ملفات كل بلدان المنطقة والتفرغ تباعا لروسيا والصين وأيضا لإيران[4]…
4-رابعا، الخلاصة أن تدافع الأحداث وتسارعها في بلد عمر المختار سيَفرضُ ضغوطات على الفاعلين الليبيين من أجل القبول بهندسة خارطة طريق لوضع المسارات الأربعة على سكة التوافق والاجماع على نقاطها العالقة[5]، ومن ثم المضي في الذهاب للانتخابات وترتيب مقدمتها الموضوعية حتى تنجز آواخر النصف الأول من السنة الحالية وستحمل الأيام القادمة خبر تحديد وتدقيق موعد لتلك الاستحقاقات، وذلك ليس غريبا وخاصة في ظل ما هو متداول منذ قرون عن ليبيا وأهلها أيتكرار مقولة وحقيقة أن “الجديد دائما يأتي من ليبيا”…
[1] أنظر مقال الكاتب ” خلفيات ومؤشرات زيارة مدير المخابرات الأمريكية لطرابلس وبنغازي“، أسبوعية”الرأي العام” التونسية بتاريخ 14 جانفي/يناير 2022 ص 14
[2]معلوم أنه في ليبيا بالذات ليس هناك حلول في ليبيا بل مسكنات حلول كما أكدنا ذلك في كل مقالاتنا السابقة بين أكتوبر 2021 وديسمبر 2022 [2]
[3]أنظر مقال الكاتب “ليبيا: حدة الأزمة السياسية لم ولن تعيق البلد من التعافي الاقتصادي والاجتماعي”، مقال منشور بتاريخ 06 يناير/جانفي الحالي -العدد 299 من أسبوعية”الرأي العام”التونسية ص 14-
[4] أنظر مقال الكاتب المنشور في دورية 24/24 تحت عنوان “الضغط الدولي الورقة الأهم لأنهاء التنافر بين الفاعلين السياسيين والدفع للحوار”، 06-01-2023 ص 19
[5] أنظر مقال الكاتب المنشور في دورية24/24 بتاريخ 13 جانفي/يناير 2023 تحت عنوان ” ليبيا: كيف ستتم هندسة خارطة الطريق خلال الأسابيع القادمة؟“