علي اللافي – كاتب ومحلل سياسي مختص في الشؤون المغاربية والافريقية
انقضت سنة 2022 ولكن أحداثها تركت بصمات على أمة العرب والتي لا زالت ترزح تحت سياط التخلف الحضاري وعدم الوعي بالفعل خارج حركة التاريخ في عالم يتطور كل لحظة وتتغير معادلاته وأرقامه كل حين دون التفات لأي كان من فاتتهم اليقظة ومن لم يكتسبوا بعد الذهنية والعقلية الاستراتيجية وغابت عنهم منهجية التفاعل والتقاط الفرص والمعاني الرئيسية في فهم أبجديات التطورالحاصل تكنولوجيا وما ما يجري في قضية التغير المناخي وغيرها من قضايا العصر الرئيسية، ومما لا شك أن سنتي 2021 و2022 ليستا سنتين عاديتين فهما حددتا وسيحددان رهانات وطبيعة الأحداث المرتقبة لا في سنة 2023 فقط بل في كل الأحداث حتى نهاية 2029 ذلك ان العقد الحالي لم تتوضح بعد معالمه الكبرى على عكس ما تم سنتي 2001 و2011 حيث حددت أحداث 11 سبتمبر 2011 واحداث ثورات/انتفاضات الربيع العربي بدايات 2011 محددات الفعل والأحداث خلال العقدين الماضيين…
ويُعالج مقال/تقرير الحال بصمات 2022 على العرب فكريا وثقافيا وسياسيا واجتماعيا واستراتيجيا رغم أن 2023 سيكون أهم من حيث توضح الوضع الدولي ومعرفة مآلات صراع النفوذ على الشرق الأوسط وعلى “شمال” و”غرب“ القارة السمراء والتي وصلت اليها منذ بداية الألفية جحافل المحافل ومتابعي توظيف الجهاديين والصوفيين كما وصلت إليها منذ أكثر من قرنين فيالق المختصين في المعادن والثروات وخبراء السواحل والموانئ الاستراتيجية والذين بحثوا في كيفية توظيفها لوجستيا واقتصاديا لمزيد احكام السيطرة…
** العرب و2022 أو في طبيعة حصاد العقود الماضية
1- أولا، لا خلاف في أن العرب يمتلكون سر الحضارة ولهم من الأبجديات الفلسفية وعبق التاريخ وأهمية الجغرافيا، ولا يختلف اثنان في أنهم أيضا بُناة مجد سابق أعطاه الإسلام وسيعطيه القدرة على التجدد والانطلاق نحو امتلاك قوة الفعل والمبادرة متى وعوا بحركة التاريخ وربطوا بين حركة المجتمع وفلسفة التاريخ، وحتى سنة 2022 ذاتها ورغم أنها كرست الخيبات العربية ونمتها عدديا وفتحت مساحات أخرى من النكسات والآلام الا أنها أيضا سلطت الضوء على الأصالة العربية وعقلية قوة الفعل انطلاقا من مربعي المحافظة والسيادة وهو أمر اتفق كل العالم أنه قد لاح في الدورة الأخيرة لكأس العالم حيث تم ضرب خمس عصافير بحجر واحد وأية عصافير هي إنها “السيادة“ و“الأصالة“ و“العزة“و“الشموخ“ و“الأنفة الحضارية“ وبما ضمته من “قوة“ و“ابداع“ و“روح النصر“ و“عقلية الاعتزاز“، كما أن الابداع المغربي رياضيا والذي بُني على رهانات متعددة الأبعاد منذ سنوات وارتكز تخطيطاعلى الاستقرار السياسي والفعل الاستراتيجي للملك المغربي وحكوماته السابقة عبر مشاريع استثمارية واستراتيجية وهو جني طبيعي لسياسة تكوينية وضعت منذ 1999 وحينت ونميت ما بعد 2011 ذلك أن انتصارات المنتخب المغربي هي تعبير عن تخطيط محكم للسياسات الشبابية والتي ارتكزت على بث روح العزة والانتصار للهوية والأصالة في أولئك الشباب/الرياضيين سواء كانوا رياضيين أو مهندسين ومستثمرين شباب بما مكنهم من تلك الانتصارات والتي تماهت مع حبهم لأمهاتهم وعبر تلك الطريقة الذكية استعراضيا وعدم نسيان قضيتي فلسطين والقدس في كل فرح وكل آن…
2- ثالثا، الثابت أن سنة 2022 لم تكن سنة عودة للتاريخ ولا هي سنة إنجازات كبرى للعرب كما لم تكن محطة للعبور للمستقبل وخاصة في ظل تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية على كل الإقليم وخاصة في ظل استدارة أوروبا نحو افريقيا والشرق الأوسط بحثا منهم على الأمن الطاقي والغاز، والثابت أن الانقسام العربي ربما يكون تكرس أكثر رغم مخرجات القمة الخليجية 42 ورغم ما قيل في توصيات القمة العربية في الجزائر والتي سبقت بمصالحة فلسطينية/فلسطينية بعد انقسام دام سنوات، ذلك أن ساسة العرب لا يزالوا كارثيين في فعلهم السياسي والاجتماعي ولا تزال خلافات المغرب والجزائر قائمة ولا تزال فلسطين تنزف ولا تزال الأزمات الاقتصادية والسياسية قائمة بل ومتنامية في القاهرة وتونس وبيروت وبغداد ولا تزال الاحتجاجات في الأردن ملتهبة ولا يزال الخليجيون مترددون على الاستثمارفي صنعاء ومقديشو والخرطوم ولا تزال حالة دعم الاستقرار قائمة في ليبيا وسوريا واليمن ولا زال الكيان يطمح لمزيد اختراق المنطقة وله آمال أن تكون سنة 2023 سنة التطبيع مع العرب والأفارقة وتحقيق اختراقات أخرى في العمق الجغرافي الآسيوي والافريقي وخاصة بعد تعيين مسؤول ملف التطبيع وزيرا لخارجية الكيان…
** في الحصاد الهش مغاربيا وعربيا لسنة 2022
1- أولا، كان يمكن لبعض المتفائلين العرب القول أن سنة 2022 كانت أفضل من حيث التقييم والأرقام احسن من سنتي 2022 ولكن ذلك لم ولن يكون صحيحا بكل المقاييس ولعل أهم دلائل ذلك أن اليوم الأخير من العام قد حمل خبرا يلخص كل كوارث العرب منذ سنوات حيث يقول الخبر والذي نفذ يوم السبت 31 ديسمبر إلى بعض وسائط الإعلام ومن دون اكتراثٍ ظاهرٍ به على قول أحد المثقفين العرب في مقال راي له ذلك ان جوهر الخبر ومضمونه يكتسي قيمة كبرى باعتباره نتاج لعقود من الفشل والهزيمة العربية وخاصة في دلالاتِه وما يؤشّر إليه بل هو أيضا تعبير بليغ على مدى الانكشاف العربي المريع خلال السنة المنقضية بل وقبلها بسنوات خلت حيث ناصر حكام عرب ومنهم الاماراتيون الثورات المضادة العربية كسياسة وظيفية للكيان وسياساته في المنطقة، ويقول الخبر أن رئيس الإمارات المدعو “محمد بن زايد“ قد هنأ نتنياهو بتولّيه رئاسة الحكومة الإسرائيلية، في مكالمةٍ هاتفيةٍ، ودعا فيها المذكور (وقرينته!) إلى زيارة الإمارات، وعبّر فيها، عن “تطلّعه إلى تعزيز العلاقات الإماراتية الإسرائيلية خلال الفترة المقبلة، خصوصاً في المجالات التنموية، ودفع مسار الشراكة بين البلدين إلى الأمام“، وطبعا قد يعلق البعض ان ذلك أمر مفهوم وعادي فمن مضى يدعو الى الديانة الابراهيمية لا يُضيره ذلك، ولكن الكارثة هي في التفاصيل فالأمر لم يقتصر على اعلان التواصل لا هو اقتصر على التهنئة وهو دعوة صريحة لتكريس الخيبات ومزيد تكريسها ومن ثم البناء عليها فأي صفاقة تلك التي تُغيب الحشمة السياسية والتي تغيب ما يجري في أحياء القدس وفي كل فلسطين العربية من اعتداءات يومية وتوسيع للاستيطان خاصة وأن نتنياهو ذاته هو رئيس حكومة سابق وعائد من جديد لمنصبه وأفعاله وجرائمه مطبوعةوراسخة في الأذهان عربيا وإقليميا ودوليا ويعرفها القصي والداني…
2- ثانيا، دليل تشخصينا وصحة استنتاجاتنا أنه ليس من المعهود في العلاقات بين الدول العربية ببعضها، وبينها وبين أخرى أجنبيةٍ صديقة، أن رئيسا عربيا يُبادر إلى تهنئة رئيس حكومة دولةٍ أخرى، بمكالمةٍ هاتفيةٍ، فور نيل الأخير الثقة البرلمانية، وقد لوحظ أن وكالة أنباء الإمارات حذفت خبرَها الرسمي ساعاتٍ قليلةً بعد إحراز حكومة نتنياهو ثقة الكنيست، ومعلوم أن نتنياهو نفسه لم يجد في تقديمه برنامج حكومته أمام البرلمان، حاجةً إلى مراعاة أي اعتبارٍ يخصّ العرب، ولم يستشعر داعياً لتحايلٍ لفظيٍّ يُخفي فيه المنزع الوحشي الشديد التطرّف لهذه الحكومة التي تضمّ غلاةً فاشيين معلنين، بعضُهم منضوٍ في حركةٍ تصنّفها الولايات المتحدة نفسها إرهابية بل هم أيضا متّهمون رسميا في إسرائيل نفسها بارتكاب جرائم جنائيةٍ وغير جنائية، ويتولّى أحد هؤلاء وزارة الأمن القومي الإسرائيلي، وقد استقبلته سفارة الإمارات في تل أبيب في احتفال بمناسبةٍ وطنيةٍ الشهر الماضي (ديسمبر 2022) وإذ أصبح هذا وأمثالٌ له يشهرون برنامج طرد الفلسطينيين وتهجيرهم وقتل من أمكن قتله منهم، وضمّ الضفة الغربية، وتنشيطا لا يتوقّف للاستيطان فيها وفي الجولان، فقد كان من طبيعيّ الأمور أن يكون لونٌ كهذا للحكومة المذكورة مبعث قلقٍ معلنٍ للأردن، مثلا، غير أن رئيسَها يستحقّ من أبوظبي تهنئةً على تشكيلها وعلى نيلها ثقة البرلمان، وقبل ذلك يستحقّ مكالمةً هاتفيةً، عند فوز تكتّله بالانتخابات في نوفمبر من رئيس الإمارات، ومن رئيس مجلس السيادة السوداني، عبد الفتاح البرهان، من نقصان العقل أن يتوقف أحدٌ عند ما قد يعدّها صفةً بروتوكوليةً لهذه المكالمات الهاتفية، فلا يُنزلِها في النعوت التي تليقُ بها، من قبيل أنها من مؤشّراتٍ غير قليلةٍ إلى مدى القاع السحيق الذي يقيم فيه الراهن العربي
3- ثالثا، الثابت أن خيبات العرب كثيرة منذ بداية القرن بل ومنذ نهاية سبعينات القرن الماضي بل ومنذ تم تحويل انتصار أكتوبر الى ما يشبه الهزيمة ولتتتالى الاتفاقيات والمسماة باتفاقيات التطبيع والتي نوقشت وأمضيت من طرف الحكام دون مراعاة قضايا الشعبين الفلسطيني واللبناني، الا أن الوجه الآخر للأحداث سنة 2022 هي في أن العرب سيعودون للتاريخ وللفعل الحضاري وللتموقع في قطار الحداثة وان كان ذلك لا يُرى وقد لا يستوعبه البعض الآن تحديدا، ولكن التعبيرات التي لوحظتفي فعل الجمهور العربي في مونديال قطر 2022هي إشارة دالة بل هي أرعبت الكيان ولفتت انظار كل العالم والذي لم يستوعب ما حدث في المونديالوخاصة عندما أدار أسود الأطلس رقاب كل العالم لا رياضيا فقط بل في طريقة الفرح والتعبير وإدارة العلاقات بينهم وبين ذويهم وبينهم وبين الجمهوري العربي ولعل قول الرئيس الجزائري أنه كان يتفاعل كل لحظة مع انتصارات المغرب لأمر معبر ودال، كما لا يمكن تغييب أن من محاسن ما اختُتم به العام المنقضي أنّ مجلس الشورى العُماني أجرى تعديلاً قانونياً، حظر فيه كلّ أشكال التطبيع والاتصال مع إسرائيل
4-
رابعا، الثابت اليوم من حيث التقييم الموضوعي أن الفلسطيني وحيدٌ في صراعه الوجودي مع إسرائيل،وأن السوري متروكٌ لجائحة الاستبداد والعسف وأن أشقاؤهما العرب في اليمن والعراق وتونس وليبيا وغيرها، منذورون إلى بؤس الحاكمين وأهل القرار، كما أن الغلاء والبطالة والفقر وقلة الفرص وتراجع العدالة الاجتماعية ونقصان الحقوق المعيشية ومغالبة الفساد واحتكار نخبٍ مهيمنةٍ الثروة والسلطة، فإنها مظاهر عوينت وهي شديدةَ الوطأة في أكثر من بلدٍ عربيٍّ في 2022 وزادتهم كوارث الحكام وتطبيع بعضهم وارتهان آخرين للقوى الدولية بل واستمرارهم في أداء أدوار وظيفية وللمحافل بل وللكيان اللقيط تحديدا بالنسبة للبعض الآخر، ومن ثم فان حصاد 2022 هو حصاد هش وهزيل وأنه قد غلبت عليه الخيبات والانكسارات والخيانات وذلك لا يُغيب أيضا أننا أمة لا تموت وانها عائدة ولكن الأسئلة هنا ترتبية وعديدة: متى، وسهل ستكون سنة 2023 أولى الاشراقات؟ ولعل الاجابات تكمن في بحث حيثياتبطولات المقدسيين وابداع رياضيي المغرب وأصالة القطريين وقرارات العمانيين الأخيرة وعودة فاعلية ونجاعة الدبلوماسية الجزائرية منذ حوالي سنتين في كل الإقليم وكل مربعاته، وكل ما سبق ما هي الا محطات واشارات ودلالات أكثر من معبرة وباعثة للآمال رغم الآلام…ربما…