
أبو رسلان
تعود كوارث الاقتصاد التونسي لسنوات بل ولعقود خلت فدولة الاستقلال لم تكن خياراتها صائبة بناء على مراهنتها على قطاع هش مثل القطاع السياحي في حين تم تدمير القطاع الفلاحي رغم طبيعته الاستراتيجية وتماهيه مع البيئة التونسية إنسانيا وطبيعيا، وفعلا عرف اقتصاد البلد سنة 2022 محطات عديدو ومختلفة، وطبعا الأزمة زادت وتيرتها خلال السنوات الماضية وخاصة بعد انتخابات 2019 بشقيها الرئاسي والتشريعي حيث ساد عدم الاستقرار السياسي والتجاذب الأيديولوجي وبؤس النخب ومضاف الى ذلك كانت تداعيات جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية ومن ثم فان ارتفاع أسعار الطاقة والمواد الغذائية زادت الأمور تعقيدا ولم ينفع تجميع السلطات منذ 25-07 في أي انفراج بل أن الأمور تقدت اكثر وخاصة في ظل مواقف الرئيس من معارضيه وفي ظل صراع داخلي بين تيارات محسوبة على منظومة 25-07، والسؤال الأهم اليوم هو: هل يمكن تحسين الأمور مع بدايات 2023 وخاصة في ظل ان آفاق الاقتصادي التونسي قد أصبحت مفتوحة على كل الخيارات في ظل الحصاد الهمش للسنة المنقضية؟
1- أولا، لا يختلف اثنان في أن أبرز المحطات التي سجلت خلال سنة 2022 هي المفاوضات مع صندوق النّقد الدولي التي انطلقت منذ جويلية/يوليو الماضي من أجل منح تونس قرضا بحوالي 1.9 مليار دولار على مدى 4 سنوات، ومعلوم أن تلك المفاوضات قد توجت باتفاق مبدئي منتصف أكتوبر، فيما كان ملف البلاد على جدول أعمال الصندوق لشهر ديسمبر، إلا أنه وفي الرابع عشر من الشّهر ذاته قرر صندوق النقد الدولي إرجاء ملف تونس إلى أجل غير مسمى بل وزادت الأمور تعقيدا بحدث الصندوق على عدم وجود شروط سياسية دنيا لبحث الملف وهو ما قد يعني تأجيل خر حتى مارس المقبل فعليا أي عشية اجراء الدورة الثانية لو كتب لهذه الأخيرة أن تمم في ظل غموض الوصع السياسي والاجتماعي، وذلك القرار – من طرف صندوق النقد- أثار تفاعلا لدى أوساط الخبراء في تونسوالذين اختلفت قراءاتهم:
- قراءة أولى: وتتمثل في التركيز على عدم توافق الأطراف الاجتماعية والحكومية حول مضمون الإصلاحات المطلوبة من الصندوق، وأن ذلك قد يؤخر خروج تونس من أزمتها المالية الخانقة
- قراءة ثانية:اشترط الصندوق برنامج إصلاح يتضمّن إصلاحات مالية وجبائية تهدف إلى دفع النمو والاستثمار وتحسين مناخ الأعمال، ومنها إعادة هيكلة المؤسسات العمومية والتحكم في كتلة الأجور.
2- ثانيا،أنبأت مؤشرات الاقتصاد التّونسي منذ بداية سنة 2022 أنه مقبل على أزمة تستوجب حلولا عاجلة، فنسبة التضخم في البلاد عرفت ارتفاعا غير مسبوق وصل إلى 9.8 في المئة خلال نوفمبر الماضي وهي أعلى نسبة تسجلها تونس منذ تسعينات القرن الماضي، ورافق ارتفاع معدلات التضخم شح في المواد الأساسية ما يزال يرهق المواطن التونسي، فأغلب المساحات الكبرى والمتاجر حددت لزبائنها كمية الشراء لبعض المنتجات، على غرار الحليب والزيت والدقيق والبيض والقهوة والزبدة، وأرجعت السلطات ندرة هذه المواد إلى ما اعتبره رئيس الجمهورية “قيس سعيد” احتكار كبار التجار لهذه المنتجات، ومعلوم أن “سعيد” قد توعّد من اسماهم بالمحتكرين في أكثر من مناسبة، فيما يرى خبراء اقتصاديون أن ذلك ناجم عن الظروف الدولية وأزمة كورونا، فضلا عن الحرب في أوكرانيا ونقص إمدادات العديد من المواد، اما بخصوص نسبة النمو فقد عرفت بحسب البيانات الرسمية ارتفاعا طفيفا خلال السنة المنقضية من 2.4 في المئة خلال الربع الأول إلى 2.8 في الربع الثاني وصولا إلى 2.9 خلال الربع الثالث، وفي المقابل توقع صندوق النقد الدولي في بياناته تباطؤ النمو في تونس على المدى القريب، بينما سيؤدي ارتفاع أسعار السلع الأساسية الدولية إلى الضغط على التضخم وكذلك على الميزان الخارجي والمالي لتونس، أمّا نسبة البطالة فقد شهدت استقرارا في الربع الثاني من السنة الحالية مقارنة بالفترة التي سبقتها، لتعود إلى مستويات قريبة من معدلات ما قبل الجائحة (15.3 في المئة مقابل 15.1 في المئة في الربع الثاني 2019).
3-ثالثا، في ظل الوضع الصعب لتونس وصعوبة خروجها للأسواق الخارجية بحثا عن تمويلات واقتراض، فإن حكومة “نجلاء بودن” تتوقع خفض عجزها إلى 5.5 في المئة العام المقبل من حوالي 7.7 في المئة للعام الحالي ضمن إجراءات تقشف بهدف التوصل إلى اتفاق نهائي مع صندوق النقد الدولي، وفعليا تحتاج تونس قروضا خارجية بمقدار 12.6 مليار دينار (4.05 مليار دولار) لتعبئة عجز ميزانية 2022، مقارنة بـ12.1 مليار دينار (3.89 مليار دولار) في قانون المالية التكميلي لعام 2021، ووفق قانون الموازنة لعام 2023، تخطط الحكومة الحالية والتي قد تتغير خلال الأسابيع الماضية لتعبئة موارد خارجية بقيمة 14.8 مليار دينار (4.7 مليار دولار)، مقابل قروض داخلية بقيمة 9.5 مليار دينار (3 مليارات دولار)، وبالإضافة إلى تلك المؤشرات السلبية وفقا لكل التقييمات فقد تميزت علاقة السلطة والمنظمة الشغيلة الأكثر تمثيلا بشد وجذب (اضراب 16-06 – مرحلة تهدئة بين 05-07 حتى بداية سبتمبر – امضاء اتفاق زيادة في الأجور هي اقرب للتجميد الناعم لها – مرحلة جديدة من التوتر – التصعيد- استعداد المنظمة لخوض تحركات ضد السلطة التنفيذية) وعمليا فيما يطالب الاتحاد الحكومة بتوضيح الوضع ومصارحة الشعب بحقيقة الوضع الاقتصادي بالبلاد وإجراء حوار جدي مسؤول يجمع كل الأطراف، تعتبر الحكومة التونسية أن زيادة النمو وتعزيز قدرة الاقتصاد على الصمود يتطلبان تحقيق الاستقرار الاقتصادي والتحكم في التوازنات الكبرى على المدى القصير، كما ترى الحكومة أنه سيتسنى تجسيم الفائدة الاقتصادية والتحكم نسبيا في التوازنات المالية من خلال إصلاح المنظومة الجبائية (الضرائب) وتحديث القطاع العمومي (الحكومي) وإصلاح منظومة الدعم.
4- رابعا، واضافة للاختلافات سالقة الذكر أعلاه بين الطرفين، فانه وفيما يتعلق بالبرنامج الإصلاحي الذّي يطالب به صندوق النقد فإن المنظمة الشغيلةترفض قطعيا “إلغاء الدعم (الحكومي) على عدد من المواد الاستهلاكية وخصخصة مؤسسات عمومية (بيعها للقطاع الخاص) والضغط على كتلة الأجور وإثقال كاهل الأجراء (العمال) بالضرائب بينما ترى الحكومة (والتي تتضارب مع بعض مواقف الرئيس “سعيد”) أنه لابد من خطوتي رفع الدعم المتدرج وتعويض للعائلات التي تستحق الدعم في ما هناك حديث عن بيع المؤسسات حسب تصريحات قياديين في المركزية النقابية ( بنك الإسكان ومؤسسة التبغ) بينما اكد الرئيس سعيد بنفسه مساء اول امس الأربعاء انه لا نية المؤسسات العمومية…
5-خامسا،تزامنا مع ما تشهده الساحة الدولية من أزمات وخاصة منها الحرب الروسية – الأوكرانية، وارتفاع أسعار النفط، عرفت أسعار المحروقات في تونس زيادات عدة حيث تم خلال سنة 2022 رفع أسعار الوقود في خمس مناسبات، الأولى كانت مطلع فيفري والثانية في مارس، والثالثة في الرابع عشر افريلفيما كانت الرابعة منتصف سبتمبر الماضي، أما الخامسة فكانت في الرابع والعشرين ديسمبر، وفي كل مرة تتم الزيادة بما بين 50 و100 مليم، وهو ما يعني ان الإصلاحات التي طلبها صندوق النقد الدولي جارية وان ببطء ولكن الاقتصاد ضعيف وهش والوضع الاجتماعي لا يطاق وليس هناك أي توافق مع المنظمات الاجتماعية وذلك مصحوب ازمة سياسية حادة لم تعرفها البلاد من قبل رغم ان جذور هذه الازمة تعود الى سياسات قديمة ,أخرى تعود للسنوات الماضية وثالثة مرتبطة بخيارات منظومة الحكم الحالية، ولا خلاف ان الوضع سنة 2023 مفتوح على الخيارات بما فيها الانفجار الاجتماعي وخاصة في ظل عدم الاستقرار السياسي في الجارة ليبيا والتي ولا شك انها يمكن ان تستوعب مئات الالاف من العمال التونسيين ( وخاصة من الوسط/الجنوب الغربي والجنوب الشرقي) كما يمكن في ليبيا أيضا إيجاد أسواق للمعمل والشركات التونسية وخاصة تلك التي عرفت صعوبات خلال سنتي 2020 و2021 اثر جائحة كورونا والواقع أنه لا حل فعلي في تونس الا عبر اجلاس كل الأطراف السياسية والاجتماعية حول طاولة الحوار والخروج بخارطة طريق توافقية وجامعة…