الجزائريون ممن عايشوا العشرية السوداء. و من الناجي من المحرقة التي اختلطت فيها المفاهيم بين الضحية و الجاني باتت قناعاتهم يطبعها اليأس من أي تغيير . فقد تعمقت مأساة الناجين من تلك المرحلة بمنظومة كرست شرخا كبيرا بين الحاكم و المحكوم . و انتظر الجزائريون يوم الخلاص من الظلم و غياب عدالة القانون فطالما توجس الجزائريون و تحفظوا من أدوار الجيش خاصة بعد تورط المؤسسة العسكرية في توقيف المسار الانتخابي و تعطيل العمل بالدستور منذ سنة 1992 الى غاية 1996 . فبعض من قيادات الجيش في الجزائر و رجال السلطة عموما يتحملون جزء من الأحداث الدموية التي عاشتها الجزائر خلال فترة التسعينات.
ليواكب الجزائريون مرحلة جديدة بعد تردد كبير منذ سنة 2011 و محطة الربيع العربي التي قلبت عديد موازين القوة في الانظمة العربية الجاثمة على صدور شعوبها لعقود بمباركة الغرب و أجندات تقويض الحريات و الحقوق العامة . وصولا الى انفجار الوضع السياسي في الجزائر مطلع سنة 2019 بالضبط في التاسع عشر من شهر فيفري بعد اسقاط صورة الرئيس المقدم للترشيح للعهدة الخامسة من على مبنى بلدية خنشلة شرقي الجزائر. لتعم في الثاني و العشرين من نفس الشهر مظاهرات عارمة غطت كل الجزائر.
و تواصلت تجاذبات المؤسسة العسكرية لأكثر من شهرين بين تأييد لمخرجات قرار ترشيح الرئيس المريض و بين رجوعها الى تلبية اصوات الشارع برفض هذه المهزلة السياسية و بالتالي تعزيز الثقة بين الجيش و شعبه .
لقد جاء خطاب القايد صالح رحمه الله في الثاني من شهر افريل 2019 بردا و سلاما على حناجر الجزائريين معلنا عن وقوف الجيش الى جانب الشعب و رفض العهدة الخامسة للرئيس السابق بوتفليقة .
كانت خطة قائد الاركان تعتمد على سلاح واحد هو الضرب بيد من حديد ضد من قوض ارادة الشعب و حصر محيط الرئيس في ثلة من رجال المال الفاسد و الساسة المتواطئين . فسيق اولاءك الى المحاكمات و التحقيق زمرا . و كان مآلهم واحد السجن للظلمة الذين حسبوا في لحظة ما ان الجزائر تمت مصادرتها و تم الاستيلاء على مقدرات شعبها .
قد يختلف الناس في تلك الفترة وقد يسيل الكثير من الحبر في تحليل موقف قائد الأركان المحاط لمجموعة من الضباط الشباب الغيورين على مصلحة الوطن و أرواح الشعب . غير ان الجزائريين سيحتفظون بمحطات بسيطة لكنها فارقة في عهد جديد لهذا الوطن :
# فقد استطاع الرجل حبس عشرات المسؤولين الذين كانوا قبلها هم القانون و ترتعش الفرائس لمجرد ذكر اسمائهم.
# لقد رأينا وجها آخر للجزائر جعل الرأي العام الدولي امام حالة احتجاج استثنائية مما يحصل في حراك ضم ملايين الأشخاص كل جمعة دون ان تسجيل ضحية واحدة او أي اشتباك مع قوات الأمن .
# عدم قدرة السفارات الاجنبية على اختراق قلب المعلومة جعل الجزائر صندوقا مغلقا ولأول مرة تقريبا في تاريخ الجزائر.حيث كان الجزائريون يوميا يستيقضون على فتح جديد و سقوط لظالم جديد مختلف كان قبلها ذو حصانة و سطوة .
# كانت خطابات قائد الأركان بمثابة تقارير اسبوعية للشعب بما يحدث وما سيحدث وابقى باب الحوار مفتوحا واثبت انه لم يكن يبحث عن سلطة ولا عن استفراد بالحكم . و الكل يعلم انه كان يستطيع فقط بشرط ارضاء القوى الاجنبية كما فعل غيره في المحيط الاقليمي للجزائر.
# لقد غير الرجل من معادلة اليأس ووضع في قلب كل أفراد الشعب جزائر اخرى من الممكن ان تظهر فجأة. لكن ببعض الشجاعة وكثير من الايمان وبتغيير طريقة اللعب القديمة الساذجة .
# كانت تلك الفترةالتي رفض فيها النظام الفعلي رفع راية اخرى مع راية الشهداء وجعل الكثير من الاصوات القديمة من جماعة الكوطا تعرف مدى وفاء الرجال الوطن و لرسالة الشهداء .
23 ديسمبر 2019
ذكرى وفاة القائد الصدر الفريق أحمد ڨايد صالح رحمة الله عليه.
# عمار سيغة . الجزائر في 23 ديسمبر 2022 .
