
علي عبد اللطيف اللافي – كاتب ومحلل سياسي مختص في الشؤون المغاربية والافريقية
تجمع إيطاليا وليبيا جملة من الملفات بناء على علاقات ذات جذور تاريخية واسعةويسعى البلدان لاستثمارها وتعزيزها بما يخدم مصالحهماوخاصة فيما يتعلق بالمصالح الاقتصادية على غرار تلك المرتبطةبقطاعي النفط والبنية التحتية وملف إعادة الإعمار. إضافة إلى الملفات السياسية والأمنية المختلفة، ومما لا شك أن ملف الأوضاع الداخلية في ليبيا هو الجوهر الرئيسي الذي تدور عليه العلاقات حاليا إضافة إلى ملف الهجرة غير الشرعية، ولكن ما هي خلفيات وأبعاد قرار حكومة الوحدة الوطنية تدريس اللغة الإيطالية تحديدا خاصة وان ممهدات القرار تعود الى أكثر ننصف سنة وهو ليس وليد اللحظة كما يعرف ذلك كل المتابعين للعلاقات بين روما وطرابلس الغرب حيث سبق أن تم ارسال كثير من المدرسين لإجراء تربصات تكوينية ودورات تأهيل كما أن تطوير العلاقات مع روما كان بندا رئيسيا على مكتب رئيس حكومة الوحدة الوطنية “عبدالحميد الدبيبة” منذ مباشرته لمهامه في 09 مارس 2021؟
** طبيعة العلاقات قبل اتخاذ قرار تدريس الإيطالية
1- أولا، كانت زيارة ماي 2020 -والتي تم الترتيب لها عشية المصادقة على الحكومة في مارس 2021-أولى خطوات توطيد علاقات الصداقة مع إيطاليا وبنتي أهدافها الكبرى يومها على استثمار الأجواء الإيجابية التي تعيشها ليبيا لاستئناف مسيرة التنمية والإعمار، فضلا عن استحداث مشروعات جديدة وتم يومها مناقشة سُبل تنمية وتعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين وتم برمجة عقد منتدى أعمال للشركات الإيطالية وإتاحة الفرصة لإيطاليا للمشاركة في إعادة الإعمار في ليبيا، خاصة فيما يتعلق بإعمار مطار بنغازي وإنجاز المشروعات المتوقفة، وأبرزها مشروع الطريق الساحلي السريع الذي سيربط شرق البلاد بغربها….
2- ثانيا، تم يومها أيضا وفي تلك الزيارة تحديدا التطرق لتوسيع آفاق الاستثمار والتعاون الاقتصادي مع إيطاليا خاصة وأن الظروف والمؤشرات يومها في ليبيا كانت مواتية لتحقيق الازدهار الاقتصادي واعتماد آليات التنفيذ والمتابعة لحزمة متكاملة من الأولويات المشتركة للدولتين والتي ستصاغ من قبل القادة في ليبيا وإيطاليا، مع التأكيد على أهمية تطوير التعاون بين الجانبين الليبي والإيطالي خلال الفترة المقبلة في مختلف المجالات ذات الاهتمام المشترك، خاصة فيما يتصل بإنتاج الطاقة والابتكار والبحث والاستفادة من الخبرات الإيطالية في مجال الاقتصاد”.
3- ثالثا،أهمية تلك الزيارة انها وضعت جدول وبرنامج عمل زمني محدد لتحسين العلاقات الاقتصادية الثنائية والتجارية والمالية، بالإضافة لمشروعات البنية التحتية، وكذلك اختيار القطاعات التي تتيح فرص استثمارية واعدة، والتي من الممكن لرجال الأعمال في البلدين الاستثمار فيها، لا سيما تلك التي تشكل محور الارتكاز للموضوعات المشتركة، وفعلا فقد تمت مناقشتها ضمن أجندة نفس الزيارة وذلك إلى لجانب مناقشة قضية الهجرة غير الشرعية وبحث إمكانية الحد منها، ووضع معالجة مناسبة لهذه القضية التي تمثل تحدياً مشتركاً للبلدين بشكل خاص ولأوروبا على نحو عام.
4- رابعا،من جملة الملفات السياسية والاقتصادية المُهمة التي فرضت نفسها على طاولة الزيارة، حيث تم بحث إمكانية جلب خبرات إيطالية للعمل في تطوير مشاريع الطاقة المتجددة، لا سيما جنوب البلاد، فضلاً عن ملفات البنية التحتية، وبشكل خاص طريق طرابلس-بنغازي السريع، بتنفيذ شركات إيطالية، فضلاً عن بحث ملف “الصيد” وإمكانية الانخراط في مشاريع مشتركة ليبية إيطالية، أما على الصعيد السياس فقد فرض التطورات الداخلية في ليبيا يومها نفسها على الطاولة، حيث تم مناقشة الوضع العام في ليبيا، والملفات ذات الأولوية، وفي مقدمتها ملفي المرتزقة والميلشياتإضافة الى “ملف إجراء الانتخابات في 24 ديسمبر 2021” (والتي لم تنجز حتى الآن)وطبعا تم في خطٍ متوازٍ لذلك مناقشة مستفيضة لملف الهجرة غير الشرعيةومعلوم أن ليبيا هي دولة عبور للهجرة غير الشرعية من أفريقيا إلى أوروبا.
5- خامسا،اجرائيا نقلت وسائل الاعلام الإيطالية يومها بعد الزيارة أنه تم توقيع اتفاقيتين الأولى مرتبطة بانتقال الطاقة من أجل تعزيز الشراكة القوية في القطاع، والثانية متعلقة بحماية التراث الأثري، وتحدثت وكالة الانباء الإيطالية يومها فيما يخص قطاع الطاقة عن اتفاق طويل الأجل بين البلدين “قد يشمل إنشاء محطات جديدة لإنتاج الطاقة من مصادر متجددة في فزان (منطقة تاريخية في الجنوب الغربي من ليبيا)”. في الوقت الذي نقلت فيه أيضاً أن الزيارة التي شارك فيها وزراء ليبيون، شهدت مباحثات حول المواطنين المدانين من كل من البلدين، من أجل قضاء عقوباتهم في بلدانهم الأصلية
6- سادسا، زيارة ماي 2021 في الحقيقة هي تتمة لزيارات مكوكية بين المسؤولين الليبيين والإيطاليين وهي زيارات قديمة جديدة سواء في حقبتي الملك ادريس السنوسي أو اثناء حقبة حكم القذافي وأيضا بعد ثورة 17 فبراير 2011 أي اثناء فترات حكومات المجلس الانتقالي واثناء حكومة الكيب او حكومتي السراج ( حكومة الوفاق) وأيضا منذ مارس 2021 أي في ظل حكومة الدبيبة ومعلوم أن ملفات “التبادل الاقتصادي والتجاري والتمثيل الدبلوماسيوفي ظل كل الحكومات كانت أبرز ملامح التعاون بين ليبيا وإيطاليا بشكل خاص، وتابع الدبيبة اثناء تلك الزيارة الحدث الاقتصادي “ليبيا الجديدة تقدم نفسها للشركات الإيطالية”، وذلك بمقر وزارة الخارجية الإيطالية، وبحضور الشركات الإيطالية المؤهلة لتعزيز عملها في ليبيا في مختلف القطاعات، وقد بحث “الدبيبة” يومها – (أي في زيارته لروما في ماي 2021) مع وزيري خارجية إيطاليا “لويجي دي مايو”، ومالطا “إيفاريستبارتولو”، ومفوض الاتحاد الأوروبي لسياسة الجوار ومفاوضات التوسع “أوليفر فاريلي”، سبل إيجاد حلول مستدامة وأكثر شمولية للتخفيف من أزمة تدفق المهاجرين غير الشرعيين إلى أوروبا.
** حيثيات قرار تدريس الإيطالية وتفاصيله
1- أولا، قررت وزارة التربية والتعليم التابعة لحكومة الوحدة الوطنية تدريس اللغة الإيطالية كمادة اختيارية لطلاب المدارس الثانوية ابتداء من العام الدراسي المقبل.
وتدرس المواد الأساسية في كل مراحل التعليم الأساسي في ليبيا باللغة العربية باعتبارها لغة البلاد الرسمية، إضافة إلى تدريس اللغة الإنجليزية في كل المراحل كمادة أساسية ضمن المقررات الدراسية، ومعلوم أن الحكومة أوفدت 60 من مدرسي المرحلة الثانوية إلى إيطاليا، في أكتوبر/تشرين الأول 2021، للتدرب على تدريس اللغة الإيطالية، قبل أن تعلن، في نهاية أوت/أغسطس الماضي، اعتمادهم مدرسين متخصصين، كما تستعد لإيفاد 30 مدرساً آخرين لذات الغرض، بالتنسيق مع السفارة الإيطالية في ليبيا، التي طلبت منها الوزارة المساعدة في إعداد المناهج الدراسية لتناسب المقررات الليبية.
وجاءت هذه الخطوة بناء على اتفاق أعلنته السفارة الإيطالية في ديسمبر/كانون الأول 2020، مع وزير التعليم بحكومة الوفاق الوطني السابقة، لتدريس اللغة الإيطالية في المدارس الثانوية، وتوقيع مذكرة تفاهم بين الطرفين في هذا الشأن
2- ثانيا، في جوان/يونيو 2021، أكد وزير التعليم في حكومة الوحدة الوطنية”موسى المقريف” استمرار الوزارة في سعيها لتدريس اللغة الإيطالية بعد الانتهاء من تدريب عدد من المعلمين في إيطاليا، مشيراً إلى أن هناك سعياً موازياً لتدريس اللغة الفرنسية أيضاً خلال أعوام لاحقة.، واعتبر الوزير أن هذه الخطوة تأتي في إطار “انفتاح الوزارة على العالم الخارجي، والاعتقاد بأن اللغات الأجنبية أساسية لتطوير نظام التعليم” وفق الصفحة الرسمية للوزارة على موقع “فيسبوك”، مشيراً إلى عزمه على زيارة إيطاليا لإبرام اتفاقات وشراكات مع وزارة التعليم هناك بشأن التعاون في دعم ركائز العملية التعليمية، المتمثلة في الطالب والمعلم والبيئة التعليمية والوسائل التعليمية، وفي خطوة لتعزيز القرار، أعلنت الوزارة بدء حصر حاملي الشهادات الجامعية في اللغة الإيطالية، في إطار خطة لإدراج اللغات الأجنبية كمواد اختيارية في سنوات التعليم الثانوي، مؤكدة أنها ستستفيد بالخريجين في تدريس اللغة الإيطالية، داعية الراغبين إلى الدخول على موقعها الإلكتروني الرسمي، وتعبئة النماذج الخاصة بالتسجيل.
ويعد تدريس اللغة الإيطالية في المدارس الليبية أحد بنود اتفاق الصداقة الليبي الإيطالي الموقع في عام 2008، لكن الناشط خميس الرابطي يتساءل عن “جدوى تدريس لغات دول لا تنتج معرفة في بلدانها، بدلاً من الاهتمام بتطوير مناهج اللغة الإنكليزية. هذه الخطوات لا تعكس سوى العشوائية التي تسيطر على قرارات وزارات التعليم في الحكومات المتعاقبة”.
** ابعاد وخلفيات القرار وتداعياته السياسية
1- أولا،يدرس طلاب ليبيا الإنكليزية كمادة أساسية إضافة الى العربية كمادة أولى ورئيسية وكان الوزير واضحا عندما أكد على الانفتاح على العالم مضيفا أن الإيطالية ستكون مقدمة لتدريس لغات أخرى كالفرنسية، ولكن الثابت في راينا انه تأكيد لا يستند إلى دراسات حول واقع التعليم الليبي ولكن الثابت فعليا أن القرار والإجراءات التي سبقته والخطوات التي قطعت في وقت سابق ومنذ حكومة الوفاق وراءه مصالح سياسية يبدو أنها تميل إلى إيطاليا التي من مصلحتها توسيع دائرة تداول لغتها كما أن الليبيين وخاصة في غرب ليبيا هم اقرب لإيطاليا منهم لفرنسا وبقية الدول وهم اقرب للتوجهات الانغلوسكسونية منهم للفرنكوفونية وهذه أسبابها كثيرة منها الثقافي ومنها الفرق بين اللائكية/العلمانية الإيطالية والعلمانية/اللائكية الفرنسية خاصة وان هذه الأخيرة اكثر تشددا …
2- ثانيا، دافع كثير من الطلاب والجامعيين ورجال التربية وخاصة في غرب البلاد عن القرار والذي برر في كثير من النقاشات التي دارت في وزارة التربية وبين المثقفين عبر القول أن هدف خطة وزارة التعليم بتدريس الإيطالية في المرحلة الثانوية، التي تسبق المرحلة الجامعية، هو إيفاد عدد من الطلاب للدراسة بالجامعة الإيطالية، وأن يكونوا على دراية باللغة الإيطالية”، بينما يجد ذلك الدفاع عن القرار مبرراته انطلاقا من أن أن اتفاق الصداقة الليبي الإيطالي يتضمن العديد من البنود الخاصة بالتعليم، ومنها التكفل بمصاريف تدريس طلاب ليبيين للحصول على درجات الماجستير والدكتوراه في الجامعات الإيطالية.
3- ثالثا، في ليبيا وحتى قبل القرار بسنوات هناك أقسام لتدريس اللغة الإيطالية في كليات اللغات بجامعات ليبيا، وتدريسها كمادة لطلبة الثانوية سيمكن خريجي تلك الأقسام من التوظيف الحكومي في مدارس البلد، وبالتالي فالقرار تتويج وليس مفصلا على الاطارين التاريخي والدبلوماسي ومعلوم ان القذافي كانت يتعمد عبر سياساته عدم فهم الليبيين للعالم الخارجي وكان يعمد عبر وزراء التربية في إعطاء أي مساحات للغات الأجنبية وبالتالي فاليوم تحديدا وفي عالم مفتوح لا يمثل القرار فعليا أي مشكلة ولا تترتب عليها أي إشكالات بل ان المطلوب هو فتح باب/نظام اختياري للطلاب والتلاميذ لتعلم لغات أخرى بل وعلى العكس، فإن ما تم اتخاذه هو إضافة معارف جديدة للتلاميذ والطلاب…
4- رابعا، يرى البعض وخاصة في قسم التقييم والأداء في إدارة مراقبات التعليم في ليبياأن “الاعتراض ليس على تدريس لغات أجنبية، بل على توقيت القرار، فالمؤسسات التعليمية تئن من الفساد والتراجع الكبير في مستوى المعلم والطالب، وبالتالي فإن الأولوية لإصلاح التعليم عبر خطط ترفع من كفاءته”.
كما أن هناك تقييمات مفادها أن “اللغة الإنكليزية وحدها كافية للانفتاح على العالم، فهي لغة العلم حالياً، ومن بين تلك التقييمات هناك راي يقول إن القرار غير مدروس من جميع جوانبه، خصوصاً إذا نظرنا إلى عدد الموفدين، وهو قليل جدا بالنسبة إلى عدد المدارس في البلاد، كما أن الموفدين هم من خريجي أقسام اللغة الإيطالية بجامعات ليبيا، والهدف كان دعمهم بمزيد من القدرات للتمكن من ممارسة التعليم”.