ماذا يجري في ليبيا منذ 2016؟ :معارك أمنية وعسكرية أم بحث عن مشهد سياسي على المقاس من أجل تمكين القوى الدولية من الثروات ومن المرور اللوجستي للعمق الافريقي؟

تمهيد
الاشتباكات العنيفة التي شهدتها العاصمة في نهاية آب/أغسطس/أوت الماضي والتي استُخدِمت فيها أنواع مختلفة من الأسلحة بين كتائب مسلحة، ليست الأولى ولن تكون الأخيرة اذا لم تسُد لغة الحوار والعمل على إعطاء مصالح الوطن والناس أولية قصوى في الاهتمامات والاولويات لدى الأحزاب والمنظمات والمدن والقبائل، ورغم أن تدخُّل بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا قد أدى الى اتفاق، في 4 أيلول/ سبتمبر الحالي، ورغم تجدد الاشتباكات في أكثر من مناسبة ثم حصول اتفاق جديد، ورغم أن أغلب الكتائب يطغى على تشكيلاتها البُعد القبلي والجهوي والأيديولوجي، على نحو يُصعِّب رصد خريطة تحالفاتها وأسباب تحركاتها الميدانية، فإن العامل الخارجي قد زاد ويزيد المشهد السياسي والأمني الليبي تعقيدًا. وبالتالي فان حكومة انتقالية بصلاحيات واسعة مسنودة بمجلس رئاسي مضيق هو الحل الوحيد راهنا لتجاوز فشل حكومة الوفاق في الغرب وحكومة الثني (غير معترف بها دوليا) في الشرق، في إعادة هيكلة القوى الأمنية ودمج الكتائب المسلحة في جهاز أمني موحَّد يتبع وزارة الداخلية، وحتى يمكن فعليا التعامل السيادي مع دور القوى الإقليمية والدولية المؤثر في العملية السياسية والتي قد تتعارُض مصالحها الأمنية والاقتصادية في ليبيا…
وكل ما سبق ذكره أعلاه من تشخيص وتأكيد على ضرورة السعي لتنفيذ الخطوات الضرورية سياسيا وأمنيا وعسكريا من أجل حل للازمة الليبية المتفاقمة منذ 2014، وهنا وجب التساؤل هل أن المعارك الأمنية والعسكرية والتي تجددت في أكثر من مناسبة، هي مجرد معارك بين أطراف صراع على النفوذ والسلطة في أبعادها السياسية والأمنية أم هي حرب بين وكلاء محليين ضيقي الأفق من أجل تمكين قوى إقليمية ودولية يرتبطون بها بأي شكل من الاشكال، من التحكم في المشهد السياسي لأهداف استراتيجية أم هو تعبيد طريق لوجستي لقوى دولية للسيطرة على الثروات الليبية الهائلة ومن ثم المرور بيُسر للعمق الافريقي خلال السنوات والعقود القادمة؟
وقد حاولنا في هذا الملف الإجابة على تلك التساؤلات من خلال:
* ثلاث رؤى ليبية مختلفة من زوايا مختلفة من حيث قراءة الاحداث والتطورات…
* وجهة نظر حول تأصيل الثورة في علاقة بالتطورات الراهنة إقليميا ودوليا…
* قراءة لمسار التطورات الأخيرة في ليبيا وحالة التأرجح المستمرة بين الخيارين التونسي والمصري….
رؤية أولى : حيثيات وتفاصيل الاشتباكات وتجددها تُؤكد أن هناك استباق ممنهج لنتائج المؤتمر الدولي
رؤية ليبية – أنيس الصقري
لعل أكثر أخطاء حكومة الوفاق الحالية أنها عمدت الى مهادنة الكتائب المسلحة منذ دخولها لطرابلس في مارس 2016 بل انها لم تكتف بذلك حيث عقدت اتفاقيات مع عدد منها، من أجل تسهيل عملها داخل العاصمة، وضمان أمنها، مقابل منحها دورًا فاعلًا في العملية السياسية، ثم عمدت في وقت لاحق الى إيجاد ترتيبات خاصة بوزارة الدفاع؛ حيث عمدت الى إنشاء الحرس الرئاسي بهدف تأمين المقارّ الرئاسية السيادية والمؤسسات العامة في الدولة، وتأمين الأهداف الحيوية، ومنها منافذ الدخول البرية والبحرية والجوية واعتبر المتابعون يومئذ القرار خطوةً مهمة من أجل إعادة ترتيب أوضاع الجيش وهيكلته، بحكم أنه يعاني عدم الكفاءة والجاهزية، إضافة الى تشتت الولاء؛ فبعضه تحت قيادة اللواء المتقاعد خليفة حفتر بينما تتبع الوية منه حكومة الوفاق….
ولكن السراج وحكومته لم يوفقا في متابعة تلك الخطوات وإنجاز بقية المهام نتاج السقوط في معالجة الوقائع اليومية وفي خوض غمار رأب الصدع في الخلافات الليبية – الليبية أي بين فرقاء الصراع وفي مخاطبة المجتمع الدولي وأيضا نتيجة رفض عدد كبير من الكتائب المسلحة الانخراط في العملية السياسية، والتحول إلى قوات شرطية وأمنية تحت إمرة حكومة مركزية بل وتحولت كحكومة الى أسيرة للكتائب المسلحة ذات التوجهات والمصالح المتناقضة فأصبح المشهد الأمني والعسكري متوترا وقابلا للتوظيف وله القابلية ليكون نقطة ضعف الحكومة ومؤسسات الدولة…
صورة لاشتباكات اوت الماضي
وقد أدى الخلل في توازنات القوى، وتعارُض المصالح بين الكتائب المسلحة، إلى الاقتتال والاشتباك وتدهور الوضع الأمني وتم عمليا التناوب بين مختلف الفرقاء في السيطرة على المشهد الأمني فبعد طرد أنصار خليفة الغويل في مارس 2016 تمكنت لاحق قواته من السيطرة مجددا على مقارّ وزارات سيادية مهمة في طرابلس على غرار الاقتصاد والدفاع والعمل والعدل والجرحى، لكن بعد أسابيع استعادت قوات تابعة لحكومة الوفاق الوطني تلك المقارّ. كما دارت اشتباكات بين مجموعات مسلحة طوال السنتين الماضيتين ثم دخل تنظيم الدولة مربع التوظيف وارباك المشهد الأمني حيث تبنى مسؤولية هجوم انتحاري على مكتب مفوضية الانتخابات الليبية في طرابلس، أسفر عن مقتل 15 شخصًا وجرح عدد من المواطنين، وفي كل مدة تتطور الاشتباكات ويتغير اللاعبون ولكن الثابت الوحيد هو تهديد الاستقرار ودفع الخدمات لمزيد التردي….
أما الاشتباكات الأخيرة والتي انطلقت في نهاية آب/ أغسطس/أوت الماضي فهي استمرار موضوعي للمعضلة الأمنية إضافة الى تحول بعض مليشيات الى مليشيات تحكم سياسي واقتصادي حتى وسمت بــ”مليشيات الاعتمادات”، فاستغل خصومها السابقين الفرصة وهاجموها بغاية إعادة التموقع داخل العاصمة والثأر لطردهم منذ أكثر سنة إضافة الى دفع مبرمج ومخطط له مراميه السياسية وأيضا الأمنية والعسكري فالجميع يعرف أن مؤتمر إيطاليا سيرتب أمورا كثيرة من بينها التموقع الأمني والعسكري مستقبلا…
طبعا ما حدث كانت نتائجه جد مكلفة بشريا فقد أسفرت الاحداث في بدايتها عن مقتل أكثر من 70 قتيلا وجرح أكثر من 200 شخص، ونزوح الآلاف من المواطنين الليبيين، وأدى انهيار الأمن في مناطق الاشتباكات إلى انتشار العصابات في الشوارع، وفرار مئات المجرمين من السجون، وشملت تلك الاشتباكات مراكز المهاجرين الذين كانوا عالقين في مراكز الاحتجاز ولولا جهود البعثة الأممية الحالية لما تم توقيع اتفاق 4 أيلول/ سبتمبر الحالي….
ورغم كل ذلك فقد تجددت الاشتباكات في محيط طرابلس، بعد أسبوع من توقيع اتفاق وقف إطلاق النار؛ حيث أُطلِقت في 11 أيلول/ سبتمبر 2018، صواريخ في اتجاه مطار معيتيقة في طرابلس، أعلنت السلطات على إثره وقف الملاحة الجوية في المطار وتحويل الرحلات إلى مطار مصراتة. كما استهدف هجوم انتحاري تبنَّاه تنظيم الدولة الإسلامية المؤسسة الليبية للنفط…
ويعني كل ذلك أن طرابلس ستبقى غير مستقرة الى حد تحويل الصراعات الى حوارات بناءة من بينها حوارات تجري حاليا في العاصمة التونسية من أجل الاتفاق على مجلس رئاسي مصغر وحكومة انتقالية واسعة الصلاحيات،
وعمليا لم تتلق حكومة الوفاق الدعم اللازم من القوى الإقليمية والدولية الفاعلة، والتي لم تساعدها على تطبيق ما ورد في اتفاق الصخيرات، وخصوصًا المادة 57 منه التي تمنح حكومة الوفاق الوطني الحق في طلب الدعم حتى تضع وتقرّ خطة شاملة للدعم الدولي لمؤسسات الدولة الليبية، وتعزز الاستقرار الأمني في البلاد. وبقيت مقاربات القوى الإقليمية والدولية أمنية محضة عند تعرض أمنها لخطر داهم قد يكون مصدره ليبيا وقد ساد صمت القوى الإقليمية والدولية الفاعلة في العملية السياسية الليبية تجاه الاشتباكات الأخيرة في طرابلس في الأيام الأولى واقتصر دورها في سبيل احتواء الأزمة على إصدار بيانات رسمية، وذلك على خلاف دورها تجاه أزمة الهلال النفطي…
ان ما حدث من اشتباكات يُؤكد أن بعض أطراف إقليمية ودولية لم تكن بعيدة عن الدفع لتلك الاحداث ثم التحكم فيها بأشكال مختلفة لترويض كل الكتائب ولوضع ملامح أولية لنتائج المؤتمر الدولي كما ان الأطراف الليبية حاولت كل من جهتها تحقيق مكاسب أولية امنيا وعسكريا وسياسيا لتحاول لاحقا الحفاظ عليها ضمن الترتيبات القادمة سواء خلال المؤتمر الوطني الجامع الذي تعد له البعثة الأممية او في المؤتمر الدولي المنتظر عقده في مدينة “شياكا” التابعة لمحافظة صقلية الإيطالية..
رؤية ثانية : هل يريد الليبيون حل الأزمة؟
علي أبوزيد/ كاتب ليبي
كشفت اشتباكات طرابلس الأخيرة عن عجز الرئاسي وعدم مقدرته على احتواء الأزمة، وأنه طيلة فترة وجوده في طرابلس لم يقدم أي شيء ملموس بخصوص الملف الأمني ولا غيره من الملفات، بل حاول أن يعيد توزيع خارطة سيطرة المجموعات المسلحة من خلال تقريب بعضها وإقصاء الآخرين فوقع رهينةً لتغوّلها وتنفّذها في كثير من مؤسسات الدولة، وهذا هو السبب المُعلن للاشتباكات في طرابلس.
في المقابل مثلّت اشتباكات طرابلس عودة قوية للمبعوث إلى واجهة الأحداث وقدّمت له فرصة سانحة لتمرير كثير من الملفات مستغِلاً حالة الارتباك والاهتزاز التي أثارتها هذه الاشتباكات داخل المؤسسات المتلكّئة والجامدة، لقد استطاع سلامة جمع الأطراف المشتبكة حول طاولة الحوار وإقناعهم بالاتفاق حول وقف إطلاق النار، وجعل من هذه الاشتباكات مناسبة لتفعيل إجراءات الترتيبات الأمنية، ولم ينسَ سلامة كذلك أن يستثمر موقف العجز الذي وقفه الرئاسي كي يضغط عليه حتى يعلن عن بدء الإصلاحات الاقتصادية، ولا شكّ أن الرئاسي لم يجد بدَّا من ذلك حتى يخفف من حالة الاستياء تجاهه.
غسّان سلامة كان نجم السياسة الليبية هذا الشهر بامتياز، وقد ارتفعت نبرة صوته، وبدا خطابه أكثر حدّة، وأصبحت كلمة العقوبات تتردّد في تصريحاته بوتيرة متزايدة، وجرعة الصراحة ونكهتها واضحة في كلامه، فالرجل هو الأقوى في طرابلس والجميع يصغي إليه، وهذا ما جعل جوقة أدعياء الوطنية تعود لتزعجنا بألحان النشاز المعزوفة على أوتار الوطن متباكية على السيادة المهدرة والكرامة الضائعة، مُظهرة استياءها من الدور الفعَال والمؤثّر للمبعوث الأممي غسان سلامة.
بعيداً عن إثارة العواطف وادعاء الوطنية يجب أن يسأل الليبيون أنفسهم اليوم خاصة المتصدرين لواجهة الأحداث: لماذا يحظى سلامة بكل هذا النفوذ والزخم في طرابلس؟
الإجابة لا تحتاج إلى طول الفكرة ولا إلى عمقها، فكل أطراف الصراع اليوم سواء السياسي أو العسكري لا تثق في بعضها، ولن تقبل وساطة طرف ثالث ليبي، وحالة انهيار الثقة بين هذه الأطراف هو ما يجعل من سلامة أو أي مبعوث أممي أو سفير لدى ليبيا محلّ الثقة وصاحب وساطة مقبولة لدى أطراف لا يملك أغلبها مشروعا ولا رؤية.
منذ بداية الأزمة في 2014 وأطراف الصراع الليبي ليست عاجزة عن إيجاد أدوات الحل فقط، بل كان أغلبها مصرًّا على تدمير كل الأدوات التي تقدّم كمقترحات للخروج من الأزمة، فعقلية المغالبة وعدم القبول بالمشاركة السياسية للآخرين والتمسّك بمبدأ الانفراد بالسلطة جعل كل ما قُدّم من حلول خلال الفترة الماضية بالنسبة للأطراف المتعنّة حلولاً غير ملائمة ولا عادلة لأنها لا تنسجم مع عقلية الأقصاء ولا تلبّي مطامع هذه الأطراف في التفرّد بالسلطة.
إن ما نشهده اليوم من بيانات لتجمعات قبلية أو كتل سياسية داخل الأجسام القائمة أو خارجها، وطرحها لمبادرات أو دعوتها لاستعجال الانتخابات ليس إلا محاولة لتقحّم المشهد المزدحم بالأطراف والمبادرات ولن تزيد المشهد إلا إرباكاً وفوضى، وستطيل في المحصلة عمر الأزمة وتفاقم من تعقيدها.
إن أطراف الصراع اليوم يجب أن تُدرك أنها لن تحسم الصراع بالعمل العسكري، ولن تكون مبادراتها مقبولةً مادامت طرَفاً فيه، وأن أدوات الحل لن توجد إلا من خلال عملية سياسية بحوار جاد ومفتوح ومن خلال الأجسام القائمة، كما أن تفعيل الأدوات المتوفرة هو الطريق الأقصر والأقرب للوصول إلى حالة التعافي والاستقرار التي لن يكون بلوغها سهلاً، فالأزمة عميقة ومتشّعبة وتحتاج إلى تؤدة وتأنٍّ.
إن المشكلة اليوم ليست في عدم وجود الحل، ولكن في إصرار كثير من الأطراف بعد أن كانت سبباً في الأزمة أن تكون مقترحة الحلّ لها وصاحبة الحق الحصري في تنفيذه والاستفادة منه، دون قبول بمبدأ المشاركة والتعاطي مع الآخر، وهذا ما سيجعل أي حل جيداً مع وقف التنفيذ.
فبدل أن يستهجن أدعياء الوطنية دور سلامة وتحركاته في طرابلس وخارجها، ويغرقونا بفيض عواطف وطنيتهم الجارفة، عليهم أن يعرفوا أن الوطنية تعني العبور بالوطن من أزماته وخلق معادلة التعايش الحقيقي في إطار الدستور ودولة المواطنة والقانون ويبتعدوا عن نهج المغالبة وعقلية الإقصاء وخطاب المزايدة.
رؤية ثالثة : طرابلس – و – العاصمة
عبد المجيد العويتي/ كاتب ليبي
منذ بدأ المعارك الأخيرة التي قادها اللواء السابع على المجموعات المسلحة في طرابلس والتي تضيق الخناق على الدولة ومؤسساتها حتى فتحت جبهات عديدة في غرب طرابلس وجنوبها تهافت عليها مجموعات مسلحة من مدن أخرى وكل يدعي الوصل بالمواطن ، وما أن بدأت المعارك تأخذ وقتاً أطول دون تحقيق المرجو منها حتى بدأت النعرات الجهوية تطفو من جديد ، فأصبحت بيانات اللواء السابع من جهة وبيانات أعيان مدينة ترهونة من جهة أخرى جهوية بامتياز ، وبدأ الحديث في طرابلس عن غزو جهوي يحيط بها من جنوبها وغربها ، وبدأت النعرة الجهوية ترتفع وتيرتها بالذات في مناطق طرابلس شرقها ووسطها .
تقع معظم المؤسسات السياسية والسيادية للدولة الليبية في مناطق وسط طرابلس وأهمها مقر الحكومة ووزارات مهمة كالخارجية والمالية والتخطيط والاقتصاد ومؤسسات كالوطنية للنفط وديوان المحاسبة ومصرف ليبيا المركزي و حتى دار الإفتاء ، فظنت الكتائب المسلحة التي تنتمي إلى هذه المناطق بأنها صاحبة الغنيمة وأنها صاحبة الحق في كل ما يخرج ويدخل منها فهي في مربع عيشهم وسكناهم ، وهذه هي المشكلة التي تواجه المؤسسات في ليبيا ، فمنذ عهد طويل صار سنة أن يتحكم في المؤسسة التابعة للدولة أمرين اثنين ، الأول رئيسها ومن أي مدينة أو قبيلة ينحدر ، فيقوم بتعيين أبناء عمومته فيها وكأنها تتبع بلديته أو نطاق حكم قبيلته ، والثاني المنطقة التي تتواجد فيها المؤسسة ، فيصير لزاما عليك أن تعينهم أيضاً فيها باعتبارها في شارعهم ، وتزيد على أن تجعل حراستها وأمنها وطوارئها بيدهم .
وحتى في هذه المعركة تحكم هذا الشعور بتوجهات المواطنين بالذات في طرابلس وحتى المقاتلون في صفوف المجموعات المسلحة، بالرغم من استفادت قادتهم بمزايا تأمين المقار وتدخلهم في كل شاردة وواردة فيما يخص الوزارة أو المؤسسة، ولكن دافع الذود عن طرابلس ظل متحكماً مبتعدين في تأصيل رأيهم عن حقائق أخرى تتعلق بالتحكم بنطاق الدولة وخنقها مما أدى إلى كوراث يعاني منها المواطن ومنها انعدام السيولة النقدية ….
يجب أن يعي الجميع الفرق بين مصطلحي العاصمة وطرابلس ، فالعاصمة هي الموقع الجغرافي الذي يخص كل الليبيين حيث تقع مؤسسات دولتهم الراعية لهم جميعاً دون غيرهم ، فليس معنى أن وقعت العاصمة في القاهرة مثلاً أن يتحكم القاهريون بمفاصل الدولة ، ويجب أن يعي أي صاحب مظلومية من خارج هذه الجغرافيا خصوصية مصطلح – طرابلس – في التفريق به بين هدفهم وهي الدولة وبين ما يقابلهم من شوارع وأزقة لها أهلها وسكانها الذين لن يرضوا أن تداس كرامتهم بحجة أن العاصمة للجميع ، في طربلس المدينة خصوصيتها كالخصوصية التي تتمتع بها بنغازي وسبها وترهونة وغريان والبيضاء .
ولهذا عمدت كثير من دول العالم أن تخرج الجزء الأكبر من مؤسساتها في مدن جديدة تقام خصيصاً للمؤسسات السياسية والسيادية لا تبعد عن العاصمة ولا هي في وسطها تكون خالصة للدولة ومن سيتشاجر معها من أبناء باقي البلد، ولأن هذا الحل لا يتوفر على بيئة و ظروف مناسبة في هذه الأوقات فيمكن أن يعالج مستقبلاً ويوضع في حسبان الخطط الاستراتيجية التي كللنا انتظارها ومللنا تسويف حضورها .. .
وجهة نظر: في تَأصيل الثورة الليبية
الفيتوري شعيب/ كاتب ليبي
عند الكلام عن الأصول في أي شيء، لا بد من التطرّق إلى ماهيتها اللغوية والاصطلاحية. وعند النظر في ذلك، نجد أن كلمة الأصل تحيل إلى المنشأ والتكوين، وهو كل ما يستند إليه غيره، وينبنى عليه، من حيث إنه ينبنى عليه ويتفرّع عنه، فالأساس أصل للجدار، والنهر أصل للجدول، وهكذا. أما في الاصطلاح، فيطلق الأصل على معان كثيرة، ترجع كلها إلى استناد الفرع إلى أصله وإنشائه وابتنائه عليه. ولتكيّفِ هذا المفهوم في مصطلح الثورات عند تأصيلها، لا يستقيم إلا باعتبار الشعب أصلاً وأساساً للثورة، بل والقاعدة التي تُبنى عليها أصول الثورة وفروعها السياسية المختلفة، من أجسام وهياكل تشريعية وتنفيذية، أو حتى خدمية بحتة.
وبشأن ليبيا، الثورة بالمفهوم الأصولي العام الشامل ليست مُلكاً لمن “يحتلون” مناصب القيادة في البلاد، وخصوصا في طور تكوينها الأول، بل وليست حكراً أيضاً على من يتولون مناصب سياسية رسمية أو حزبية، ولا حتى للذين يتولون مناصب تنفيذية في الجهاز التنفيذي، أو التشريعي المنبثق عن اتفاقياتٍ أحادية الجانب، أو على أقل تقدير ليست محل إجماعٍ أو اتفاق من الشعب الذي هو أصل الثورة. وخير دليل على ذلك ما برهنته مسيرة الثورة في سنواتها السبع الماضية، المليئة بالتقلبات والمماحكات، بل والمواجهات السياسية وحتى الحربية، حيث أثبتت أنها ليست ثورة فئةٍ معيّنة من الشعب، بل هي ثورة كل الشعب، بغض النظر عن المنتمين إليها إيماناً بفكرها ومبادئها، أو من أجل مصالح أخرى وجدت عبر آليات وأزمنة مختلفة من عمر الثورة، إلا أنها لم تكن يوماً، ولن تكون محل انفرادٍ من أحد، لا سياسياً ولا تنظيماً. ومن الأدلة على ذلك مقاومتها كل محاولات الاحتواء من الخارج قبل الداخل، والتي تسعى إلى تجريدها من شموليتها وانفتاحها على كل أطياف الشعب، بل وخير مثال على ذلك مقاومتها كل محاولات عسكرتها منذ انطلاقتها.
وبالتالي، فإن حالة “الانفراد”، أو حتى التّصلب أو التحيّز لرأي أو فكر واحد، لا تجدي نفعاً في مسار تكوين الدولة الناشئة بفعل الثورة. ومن الأفضل، بل والأصلح للدولة والثورة معاً، أن يستبدل مفهوم الانفراد بمفهوم شمولي، يضم جميع أطياف الشعب، ويحترم المشاركة السياسية للجميع. وكذلك يجب تأطير الاختلاف السياسي، حتى يكون أقرب إلى الاتفاق منه إلى الاختلاف، لأن الدولة عادةً لا تقوم على الاختلاف فقط، ولا على الاتفاق فقط، بل على كليهما، حيث قامت دول وتقدّمت، على الرغم من كثرة الاختلاف بين أطياف شعبها، وكذلك العكس. ومن هذا يتضح أن الدولة تقوم على حد سواء بالاختلاف أو بالاتفاق، بشرط تحقّق مبدأ المشاركة لجميع أطياف الشعب.
عود على بدء، عند النظر في ثورة فبراير في ليبيا، نرى أهميتها عند مقارنتها بالثورات الأخرى، ومقاومتها الثورة المضادة، على الرغم من أوج هذه وقوّتها، حيث إنها لم تستطع التغلب عليها. أو بمعنى آخر، تمكّنت الثورات المضادة من بعض الثورات الأخرى، وتغلبت عليها، إلا أنها في ثورة فبراير لم تستطع التغلب عليها، على الرغم من الدعم الذي تتلقاه من جهة، واشتراك مصالح الدول الداعمة للثورات المضادة عربياً وإقليماً على محاولة إعادة تدوير النظام فيها بطرقٍ وآليات جديدة، ليس أقلها عسكرتها من جهة أخرى. ومن ثمَّ، فإن ما يُنتظر في الوقت الحالي من الثورة بعد هذه المقاومة للثورة المضادة أولاً، وعدم وجود اتفاقٍ شاملٍ، أو أساس دستوري، تسير عليه الأجسام السياسية الموجودة على الساحة الآن ثانياً، هو تجديد نفسها سياساً، وذلك بالتخلي عن السياسة الفاسدة التي ضيّعت شيئاً من بوصلتها، بل ويجب التخلص من القوالب الجاهزة التي وضعت فيها، وجعلتها تتخبّط في الدوائر السياسة الدولية المقيتة من جهة، والانقسامات الداخلية الحادة من جهة أخرى، واستبدال هذا كله بمحاولاتٍ حقيقية لبناء مؤسسات الدولة وهياكلها التي يجب أن تكون فاعلة على الأرض والواقع، لا مجرد أشكال من دون محتوى، بل ويجب تخطي من يقف ضد الثورة بناءً وتنظيماً من هياكل الدولة المختلفة، وعدم تعليق مصير الثورة والدولة بها، لأن جوهر الثورة هو بناء الدولة، لا هدمها أو عرقلتها، غير أنه، في أحيان كثيرة، وهو ما تعيشه الثورة الليبية الآن، يجعل تغير هياكل الدولة والأجسام السياسية من الصعوبة بمكان، لارتباطها بمصالح القائمين عليها، والداعمين لها داخلياً وخارجياً. وما حدث من احتراب داخل العاصمة أخيرا خير شاهد على ذلك، إذ لم تستطع جميع الأجسام السياسية التنفيذية والتشريعية إيقافه، ولا حتى الوقوف بجانب وزاراتها الموكل إليها حفظ الأمن داخل البلاد، بل ظهرت على السطح حسابات وعواطف كثيرة تفسد أكثر مما تصلح.
وبالتالي، عند الحديث عن كل ما ذكر، وانسداد المخارج له، لا بد من العودة إلى الأصل، وغضّ النظر عن الأجسام والهياكل التي تتغلغل المصالح الضيقة فيها على كل الصعد، اقتصادياً وسياسياً، لأن الثورة الصحيحة التي تبنى بها الدولة يجب أن تتخلّى عن المصالح الذاتية الضيقة، وتحقق ما يتطلع إليه الشعب سياسياً واقتصادياً، والعودة إليه (الشعب)، كلما ضاقت مخارج الحلول لأزماتها، أو محاولة تغير مسارها، وإلا ما كانت ثورة، ولا كان الشعب لبها وأصلها…..
مآلات حوار الضاحية الشمالية للعاصمة التونسية ستكون حاسمة : المشهد السياسي الليبي وحالة التأرجح المستمرة بين الخيارين التونسي والمصري
بقلم علي عبداللطيف اللافي
لا شك أن الحوار يبقى السبيل الوحيد للوصول بليبيا الى بر الآمان بل والمضي في اكتساب موقع إقليمي مستقبلي مهم واستراتيجي نتاج لثرواتها الهائلة وامتدادها الجغرافي (سواحلها على المتوسط – جوارها لأغلب دول الساحل والصحراء)، ذلك أن ليبيا هي مربط فرس العمق الافريقي الذي تتصارع حوله قوى دولية وأطراف اقليمية على غرار الصينيين والأمريكيين والإيرانيين والأتراك والروس إضافة الى القوى التقليدية المعروفة في افريقيا منذ نهاية القرن 19 على غرار الايطاليين والفرنسيين والأنقليز وباعتبار ان ليبيا تعيش منذ فيفري 2014 حالة تأرجح مستمرة نتاج الصراع الداخلي بين من يُريد ويسعى لتكريس واستنساخ النموذج المصري وبين من يعمل على الاقتداء بتجربة الانتقال الديمقراطي في تونس، والسؤال المهم في ظل كل التطورات والاحداث الأخيرة هل ستدعم مآلات الحوارات الأخيرة في الضاحية الشمالية للعاصمة التونسية على ترجيح كفة الخيار التونسي أمام خيار البحث عن “سيسي ليبيا” (أي الخيار المصري)؟
++ حيثيات الحوار الأخير بين مجلسي “النواب” و”الاعلى للدولة”
من المعروف أن الحوار الأخير بين “مجلس النواب” في طبرق و”المجلس الأعلى للدولة” في طرابلس، قد بدأت خطواته الأولى في الرباط بين “خالد المشري” و”عقيلة صالح” على هامش لقاء نيابي دولي في أفريل الماضي، ثم جرت المفاوضات على أكثر من مرحلة وأن الجلسات المباشرة في مرحلتها الأخيرة تمت على مرحلتين في الضاحية الشمالية للعاصمة التونسية، ومن المنتظر أيضا أن تتم جولات أخرى وفقا للتطورات والهدف هو الذهاب لمؤتمر إيطاليا باتفاقات شبه نهائية، مع العلم أن خطواتها الأولى وترتيباتها سابقة لمعارك جنوب طرابلس أي قبل 27 اوت الماضي…
أما بخصوص المشاركين في المفاوضات فهم عمليا أنفسهم من حيث صفاتهم لا اشخاصهم الذين حضروا في مفاوضات النزل الغابي في أمستردام (نواب مقاطعين – نواب مباشرين من أنصار عقيلة صالح – أعضاء في المجلس الأعلى للدولة – ممثلين عن هيئة الدستور)، أما بخصوص الرعاية فقد تمت بدعم البعثة الأممية وممثلي الدول الخمس الكبرى، ومن بين النقاط المتفق عليها خلال الجلسات الاخيرة صيغة وطبيعة تركيبة المجلس الرئاسي والتي تم الاتفاق بشكل شبه نهائي أن تكون ثلاثية (عضو عن كل من الغرب والشرق والجنوب)، بل وتم أيضا تحديد الخطوط الكبرى لصلاحيات المجلس الرئاسي ولصلاحيات الحكومة الحالية كما تم طرح صيغ توحيد المؤسسات العسكرية والأمنية والاستثمارية وبقية المؤسسات السيادية….
أما من حيث الأسماء التي تم طرحها في جلسات الحوار فبالنسبة للجهة الشرقية تم طرح أسماء العبار (رئيس بلدية بن غازي الحالي) – إضافة الى اسم “جادالله عزوز الطلحي” مع أولوية للأول وتم طرح اسم “عبد الرحمان شلقم” من بين أسماء عدة اقترحت لتمثيل الجنوب في المجلس الرئاسي الجديد بل ومن المنتظر أن يكون رئيسا للمجلس وفي تلك الحالة سيكون النائب “فتحي بشاغا” ممثلا للجهة الغربية…
ورغم كل ما روج من اشاعات، فان الأحزاب لم تشارك في الحوارات الأخيرة كأطراف وانما من داخل المجلسين (الأعلى للدولة – النواب)، وإذا صحت المعطيات أن التركيبة الجديدة للرئاسي هي ما ذكرناه أعلاه فان شخصية طرابلسية ستكون لها الألوية في ترأس الحكومة الانتقالية على غرار “م. أبو شاقور”…
إن هذه الحوارات ومآلاتها سيكون لها آثارا كبرى على المشهد السياسي المستقبلي وذلك لا يعني ان التحديات قد انتهت امام مكونات المشهد الليبي لان المتناقضات أكثر من أن تحصى أو تعد فالأذرع الإقليمية وان وضعت أمامها خطوط حمراء مستقبلا في الملف الليبي فان هوامش عدة يمكن الولوج اليها لتفجير الصراعات مجددا ووضع عراقيل امام الحكومة المنتظرة وأمام نتائج المؤتمر الدولي في إيطاليا…
++ ما يجب على الليبيين فعله لإنهاء حالة التأرجح المستمرة بين الخيارين التونسي والمصري؟
ما حدث في طرابلس الغرب خلال الأسابيع الماضية هو انعكاس عملي لأدوار مفصلية وأجندات لأطراف متحكمة ودافعة بهدف الوصول الى حالة سياسية خادمة لها حيث ترغب أطراف في حكومة انتقالية واسعة الصلاحيات مع دور بروتوكولي للرئاسي وحصره في تركيبة ثلاثية، ولكن حالة الفوضى والعبث التي قامت على مراكمة مستمرة لأخطاء كبيرة طوال اربع عقود إضافة للصراعات المستمرة خلال السبع سنوات الماضية، قد تستمر وإن بأشكال أخرى، لأن ما يحدث في ليبيا منذ سنوات هو محاكاة تاريخية لمشهد ما قبل ديسمبر 1951 ذلك أن الخلاف السياسي بين الفاعلين الدوليين المُترتب على القراءات الاقتصادية والسياسية والاستراتيجية لليبيا المستقبل، هو خلاف بين محورين أو رؤيتين للاتجاه في أحد خيارين:
- دفع وتغذية للخيار العسكري في ليبيا عبر الإصرار على محاولات جديدة لتكريس خياري”القذافي2″ و”سيسي ليبيا” وهما في الحقيقة وجهين لعملة واحدة مما يعني المرور العملي الى سيناريو الحرب الأهلية الكارثية بسبب اختلاف البيئتين المصرية والليبية عسكريا واجتماعيا، وعندئذ ستسقط التجربة التونسية أيضا في براثن الانقلابات الناعمة حتى وإن استحالت خيارات الانقلابات العسكرية أو الأمنية، ثم بعثرة أوراق التجارب السياسية في الجزائر والمغرب وموريتانيا في مراحل لاحقة …
- دعم للانتقال الديمقراطي في كل المنطقة المغاربية عبر دفع الفاعلين السياسيين الليبيين نحو الخيار التونسي المُتبع منذ 2014 وأخذ مسافة غير قابلة للعودة عن المسار المصري الموسوم بــ”الانقلابي” ودعم الخيار الديمقراطي في موريتانيا ودعم حكومة العثماني ودعم الدور الإقليمي للجزائر في مشاكل وملفات كل المنطقة (المغرب العربي – دول الساحل والصحراء – كل إفريقيا)….
ان كل الباحثين والمختصين والمتابعين عن قرب للمشهد الليبي يعرفون جيدا أن ما يجري في ليبيا ليس أزمة صراع داخلي على السلطة فقط بل هو ازمة خيارات وصرعات وتوجهات في المنطقة بين قوى إقليمية ودولية ومحددات تتدخل فيها الشركات العابرة للقارات واجندات عالمية ذات أبعاد ثقافية وحضارية، ومع ذلك فإن المتصارعين في الداخل الليبي مع تغير خارطة تشكيلاتهم يُمثلون معابر رئيسية لتكريس الخيارات وتعبيد الطريق لمآسي يتضرر منها الليبيون أولا والعرب والأفارقة ثانيا…
وبناء على ما سلف ذكره يتوجب على الليبيين اليوم قبل الغد أن يفرضوا على نخبهم السياسية الحالية السعي الدؤوب الى بناء دولة ديمقراطية وقبل ذلك بناء دستوري ثم تقديس ثقافة العمل والإنتاج بعيدا عن ثقافة الاقصاء والاستئصال التي يروج لها بعض أشخاص وأطراف نخبوية عبر استجابة لثقافة وتمويل من أطراف بل أذرع إقليمية ساهمت عمليا في نشر منطق وثقافة العنف والقتل والتخريب ضد ليبيا وشعبها، وان المطلب العاجل هو التمكن العملي من إجراء مصالحة شاملة وعادلة تدفن آلام الماضي، وتمكن الليبيين من توقي الصعاب عبر بناء المؤسسات الدستورية وحتى يهنأ كل الليبيين وكل الليبيات بوطنهم وثرواتهم بغض النظر عن أحزابهم وقبائلهم ومدنهم وانتماءاتهم الفكرية والمذهبية والسياسية…
ان المعارك والصراعات والانقلابات العسكرية لن تجني منها ليبيا شيئا سوى انتاج الأزمات والتخلف بينما الاستئناس بالتجربة التونسية ونحت تجربة ليبية تراعي خصوصيات المجتمع الليبي (تطغى عليه من حيث خصوصيات الشخصية الليبية عوامل القبيلة والغلبة والغنيمة)، و في تلك الحالة يتمكن الليبيون لا فقط الخروج من الازمة الليبية المتفاقمة بل والقدرة على بناء لبنة أولى للصرح المغاربي عبر تجسيد مقولة التونسيين والليبيين المعروفة “شعب واحد في بلدين”، وهو ما يؤسس لاحقا للاستفادة من أن القارة الافريقية (قارة المستقبل)، وأن بابها الأولى والوحيد عمليا بالنسبة للأوربيين وبالنسبة للجميع هي ليبيا وليبيا فقط نتاج ارث تاريخي وحضاري ويستند معرفيا لمؤيدات سياسية واجتماعية وثقافية أكثر من أن تُحصى أو تُعد ….
المصدر: رؤية ليبية العدد 15 __ 24 سبتمبر/ ايلول 2018