
جدّد المؤتمر الاستثنائي لحركة مجتمع السلم الجزائرية، الثقة في القيادة الحالية برئاسة عبدالرزاق مقري، لقيادة “حمس” خلال السنوات الخمس القادمة، بعد أشهر من التجاذب بين مختلف القيادات والأجنحة المتصارعة.
وحسم عبدالرزاق مقري معركة المؤتمر السابع الاستثنائي لصالحه، بعد معركة كواليس قوية أخرت عملية انتخاب مجلس الشورى ورئيس حمس الجديد، إلى غاية الأحد، حيث تمكّن من نيل ثقة الأغلبية أمام منافسه القيادي والنائب البرلماني السابق نعمان لعور(241 صوتا مقابل 84).
وكانت عملية شد الأعصاب قد تأخرت إلى غاية الساعات الأخيرة من اليوم الثالث والأخير للمؤتمر الذي بدأ أشغاله الخميس الماضي في العاصمة، بسبب تردد العديد من القيادات والشخصيات الثقيلة في حسم مسألة ترشحها لمنصب القيادة والدخول في معركة المنافسة، كالرئيس السابق أبوجرة سلطاني، وعبدالمجيد مناصرة.
ومع إعلان سلطاني مساء السبت عن عدم ترشحه، واختفاء مناصرة عن أنظار المؤتمرين، سارت جميع التوقعات لخلافة مقري لنفسه على رأس حمس خلال الخمس سنوات القادمة، رغم المناورات التي كان يقودها نعمان لعور، من أجل كسب ثقة أعضاء مجلس الشورى.
وفي تصريح للصحافيين، قال سلطاني “قررت عدم خوض سباق رئاسة الحركة، رغم إلحاح البعض من الكوادر والمناضلين على ترشيحي، وإنني لا أرى نفسي الرجل المناسب للمرحلة القادمة، خاصة وأن المعطيات المتوفرة لديّ تشير إلى أن الترتيبات تسير لصالح مرشح آخر”.
وأضاف “نأمل في الدفع بجيل جديد نحو المراكز القيادية في الحركة، من أجل مواكبة تحديات المرحلة والتطورات المحيطة، وأن المؤتمر صادق على وثيقة هامة تحدد المسار السياسي والاستراتيجي لحمس في المستقبل”. وكرّس بقاء مقري على رأس أكبر الأحزاب الإخوانية في الجزائر، الخط السياسي الجديد لحركة حمس الذي فك الارتباط بالسلطة منذ انسحابه مما كان يعرف بـ”التحالف الرئاسي” المؤيد للرئيس عبدالعزيز بوتفليقة العام 2011.
توقعات بمساندة مرشح من خارج حمس سيكون على الأغلب مرشح السلطة، تجسيدا للبراغماتية التي يتميز بها الإخوان
وتبنّى المؤتمر السابق، توجّه حمس لمعارضة خيارات السلطة، رغم انزعاج قيادات سابقة، كسلطاني وعبدالرحمن سعيدي، قبل أن يلتحق بهما عبدالمجيد مناصرة، بعد انصهار حركته (التغيير) مع الحركة الأم حمس.
وقاد التيار الجديد الحركة للتخندق مع أطياف المعارضة السياسية، وأدّت دورا فاعلا في ما كان يُعرف بـ”تنسيقية الحريات والانتقال الديمقراطي” و”لجنة المتابعة والمشاورات”.
ويقول مراقبون إن تجديد الثقة في عبدالرزاق مقري، لم يتحقق إلا بعد أن تم تقييد حركته وصلاحياته داخل حمس، بعد تمرير المؤتمرين لوثائق سياسية تجبره على العودة إلى مؤسسات الحركة، قبل الحسم في المسائل والملفات الحساسة، المتعلقة بالاستحقاقات القادمة.
وكان الرئيس القديم الجديد لحمس، قد لطّف من حدة توجهاته الراديكالية، في كلمته التي افتتحت المؤتمر، من خلال الإشارة إلى تموقع حمس في وسط التيارين المتصارعين داخلها، فلا هي مُعارِضة من أجل المعارَضة، ولا هي حليف مطلق للسلطة، وأنها صاحبة اقتراحات وحلول للأزمة التي تتخبط فيها البلاد. ودعا مقري إلى “التوافق بين السلطة والمعارضة على رجل يحقق الإجماع السياسي داخل البلاد لخوض الاستحقاق الرئاسي القادم، لأن المرحلة حرجة والأوضاع والتطوّرات الإقليمية تستدعي تماسك الجبهة الداخلية، أو الذهاب إلى انتخابات حرة ونزيهة تضمن تجسيد إرادة الجزائريين”.
وحمل خطاب مقري، رسائل تتضمن استعداد حركته للتفاعل بين جميع الأطراف السياسية في السلطة والمعارضة، وللمشاركة في المؤسسات الرسمية مستقبلا.
وهي الخطوة التي تترجم مسعى الإخوان إلى تفادي الصدام مع السلطة أو مع الأحزاب الموالية لها، لا سيما في ظل الانكسارات التي تلاحق التيار في المحيط الإقليمي للبلاد.
وكان رئيس الحركة رفض مقترح السلطة القاضي بالمشاركة في الحكومة الحالية، بعد الانتخابات التشريعية التي جرت في مايو 2017، بدعوى موجة التزوير والتلاعب الذي طال الاستحقاق، وتعرّض حمس إلى ما أسماه بـ”الحيف والظلم من طرف الإدارة والهيئة المنظمة للانتخابات”.
ويرى مختصون في شؤون الإسلام السياسي بالجزائر أنه “رغم النكسة التي مُني بها الإسلاميون في الاستحقاقات الانتخابية الأخيرة، إلا أن الاستحقاق الرئاسي المنتظر بعد أقل من عام، سيكون مفصليا في مسار الإخوان”. ويقول هؤلاء إن الإسلاميين باتوا بين مطرقة الصمود على الخط المتشدّد المناكف للسلطة وللأجنحة المعتدلة، وسندان مخاوف الصدام والتأثر بالهزات التي تضرب التنظيم العالمي، في المحيط الإقليمي”.
ولم يحدث لأكبر الأحزاب الإسلامية في البلاد، أن دخلت الانتخابات الرئاسية للبلاد، إلا في منتصف التسعينات من القرن الماضي، لما ترشح مؤسس حمس الراحل محفوظ نحناح، لمنافسة مرشح السلطة حينئذ الرئيس اليامين زروال، ما يجعلهم يفتقدون لتقاليد مثل هذه المواعيد، مما يستبعد عدم مجازفتهم في 2019 بمرشحهم الخاص.
وهو ما يرجّح فرضية اصطفافهم خلف مرشح آخر، سيكون على الأغلب مرشح السلطة، تجسيدا للبراغماتية التي يتميّز بها تيار الإخوان المسلمين.