
انطلقت أمس أعمال المؤتمر السابع لحركة مجتمع السلم ( إخوان الجزائر) بمشاركة 1800مندوب يمثلون معظم الولايات، والذي سيدوم ثلاثة أيام، على أن يتم في اليوم الأخير منه انتخاب تشكيلة المجلس الشوري الجديد، الذي سيقوم بدوره بانتخاب رئيس للحركة للخمس سنوات القادمة.
وسيكون المؤتمر الذي يستقطب الاهتمام فرصة لمناقشة حصيلة عمل القيادة الحالية التي أشرفت على تسيير الحركة خلال خمس سنوات، قيادة اختارت منذ البداية نهج المعارضة وحتى معاداة السلطة، خلافاً لما كانت عليه الحركة طوال السنوات الماضية ومنذ تأسيسها على يد الراحل محفوظ نحتاج الذي توفي سنة 2003، والذي وضع قاطرتها على سكة المشاركة والاقتراب من السلطة، حتى وإن كانت الحركة في عهده تلعب على الحبلين، وهي طريقة تلخصها جيدا مقولته الشهيرة:» نحن نشارك في الحكومة ولا نشارك في الحكم»، والتي كانت المخرج من تداعيات الاحتكاك بالسلطة وتأييد سياساتها، إما بالموافقة العلنية أو بالصمت الذي يفرضه واجب التضامن مع فريق كانت الحركة تنتمي اليه.
وحتى بعد وفاة «الأب المؤسس» محفوظ نحتاج استمرت هذه السياسة بل زادت الحركة في عهد خلفه أبو جرة سلطاني في الاقتراب من السلطة، إلى درجة أن هذا الأخير قبل تولي حقيبة وزارية فارغة، ومنصباً حكومياً من دون مهام ومن دون صلاحيات، ولَم يتركه إلا بعد ضغوط كبيرة من قيادات الحركة الذين لم يقبلوا يوماً بسلطاني كرئيس وكانوا يعتبرونه دخيلا عليهم، على أساس أنه كانفي الأصل ينتمي إلى الجبهة الإسلامية للإنقاذ ( المحلة)، واستمرت الحركة على هذا النهج حتى هبت رياح الربيع العربي، فزادت الضغوط على قيادة الحركة من طرف الذين كانوا يمثلون التيار الراديكالي داخلها، والذين يعتقدون أن مكانها الطبيعي هو في المعارضة، الامر الذي فرض على أبو جرة سلطاني مدفوعا بقرارات مجلس الشورى للانسحاب من الحكومة ومن التحالف الرئاسي.
ولما حان موعد المؤتمر فهم سلطاني أن تيار المشاركة صار أقلية داخل صفوف الحركة، التي دغدغت مشاعرها صور وصول الإسلاميين إلى السلطة في مصر وفِي تونس، فاختار عدم الترشح فيما فضل عبد الرحمن سعيدي القيادي الذي يحظى بشعبية كبيرة داخل الحركة بسبب قربه من محفوظ نحناح، الترشح أمام عبد الرزاق مقري، لكن أحلام وأوهام الربيع العربي غلبت كفة مقري على حساب سعيدي، وأصبحت الحركة في طبعة مقري في طليعة معارضي السلطة وفي الصفوف الأولى الرافضة لأي تقارب أو تسوية مع السلطة، بدليل أنها اختارت ولأول مرة منذ عقود مقاطعة الانتخابات الرئاسية التي أُجريت في 2014، والتي فاز بوتفليقة فيها بولاية رابعة، ولكن بعد أن وضعت المعركة الانتخابية أوزارها، كانت حركة مجتمع السلم إلى جانب أحزاب وشخصيات معارضة أخرى تؤسس أكبر تكتل للمعارضة حمل عنوان تنسيقية الحريات والانتقال الديمقراطي، لكن هذا التكتل سقط عند أول امتحان، عندما حان موعد الانتخابات البرلمانية التي أُجريت العام الماضي، والحركة التي يقودها مقري شاركت وخرجت بنتائج هزيلة، تكررت في الانتخابات المحلية، حتى وإن كانت القيادة قد اعتبرت أن ما حدث كان نتيجة تزويرلصالح أحزاب السلطة.
المؤتمرون في هذا المؤتمر سيكون عليهم الاختيار بين مشروعين: الاستمرار في المعارضة، وهو الخيار الذي جعل الحركة تفقد الكثير من المواقع والمكاسب، وتيار العودة الى المشاركة والتقرب من السلطة، أو عدم معاداتها في أحسن الأحوال، والجميع يعلم من الآن أن المعركة ستدور حول هذين التوجهين، فتيار المشاركة الذي يمثله أبو جرة سلطاني وَعَبد الرحمن سعيد يعاد بقوة، بسبب سقوط الكثير من الأحلام والأوهام، وتيار مقري فقد الكثير لكن ما زال لديه بعض الأوراق التي يمكنه توظيفها، والمعركة الحقيقية ستكون مجلس الشورى، فإذا انتخب مجلس ذي توجه معارضاتي فالغلبة ستكون إلى مقري، أما إذا انتخب مجلس ذي توجه مشاركاتي فالفوزسيكون حليف سلطاني، في وقت تنصت السلطة جيداً لما يجري داخل أروقة وكواليس هذا المؤتمر، وإذا وجدت فرصة فلن تتأخر في دعم أبو جرة سلطاني، خاصة وأنه لم يعد يفصلنا عن الانتخابات الرئاسية سوى أقل من سنة، والجماعة الحاكمة تعد العدة لترشيح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة.
القدس العربي