تقاريرتونس

تونس.. أزمة قطاع الإعلام تتواصل وتدخل منعرجاً حاسماً

 

أثار إغلاق مؤسّسات إعلامية تونسية أبوابها وطرد الصحفيين العاملين بها، آخرها جريدة “الصريح” الخاصة، موجة غضب كبيرة في أوساط العاملين بالمجال الإعلامي في تونس، الذين طالبوا بإيجاد حلول جذريّة تحفظ حقوقهم وحقوق زملائهم الذين أصبحوا دون مورد رزق.

وفوجئ الصحفيون العاملون بصحيفة “الصريح” التونسية، مطلع الشهر الجاري، عند توجّههم لممارسة أعمالهم بإغلاق الأبواب من دون سابق إعلام.

وقالت إدارة “الصريح”، في بيان لها، إنّها اضطرَّت إلى إغلاق الصحيفة “جراء المصاعب الكبرى التي تعرفها الصحافة المكتوبة في تونس والعالم؛ بسبب الغلاء المشطّ في أسعار المواد الأولية لصناعة الصحيفة، من ورق وحبر وألواح طباعة، بالإضافة إلى تدهور سعر الدينار والأزمة الاقتصادية التي تمرّ بها بلادنا، الأمر الذي عمّق أزمة كل الصحف التونسية بشكل خطير وغير مسبوق، ودفع بالعديد منها إلى التوقّف عن الصدور”.

– ضائقات مالية وضعف حكومي

وليست هذه المرة الأولى التي تغلق فيها مؤسّسة إعلامية تونسية أبوابها دون إعلام الموظّفين، فمنذ ثورة 14 يناير 2011، أغلقت عشرات الصحف والمواقع والإذاعات والقنوات التلفزيونية بسبب “ضائقات ماليّة” تعود أساساً إلى “تردّي الأوضاع الاقتصادية”، وفق ما يدّعيه مالكوها.

وفي مقابل رواية أصحاب المؤسّسات الإعلامية التي أغلقت أبوابها، يؤكّد صحفيون تونسيون متضرّرون أن الأسباب تعود أساساً إلى غياب الرقابة، والسماح لمن هبّ ودبّ بإنشاء وسيلة إعلامية دون مراعاة حقوق الموظفين والالتزام بكراسات الشروط.

وفي هذا السياق أرجع الإعلامي التونسي، صالح العطوي، التجاوزات التي يقوم بها أصحاب المؤسسات الإعلامية بالأساس إلى الثغرات التي تحويها كرّاسات شروط فتح وسيلة إعلامية بتونس، إضافة لغياب رقابة الهيئة العليا المستقلّة للاتصال السمعي البصري “الهايكا” على وسائل الإعلام المرخّص لها.

وأضاف العطوي متحدّثاً لـ “الخليج أونلاين” عن تجربته الخاصة: “عملت سنتين في إذاعة خاصة، وقد كانت ظروف العمل مأساوية جداً؛ فلا وجود لعقود عمل قانونية، كما أن الرواتب زهيدة، وكل من يطالب بتسوية وضعه القانوني يتم تجميده عن العمل وطرده، حتى إن مدير الإذاعة قال لبعض الصحفيين العاملين؛ القضاء أمامكم وبإمكانكم أن ترفعوا شكاوى ضدّي”.

– مالكون فوق القانون

الإعلامي التونسي رأى في سياق حديثه أن النبرة المتعالية التي يتحدّث بها كثير من أصحاب المؤسّسات الإعلامية مع الصحفيين المطالبين بحقوقهم تؤكّد أنهم فوق القانون ولا أحد بإمكانه إيقافهم، في وقت سمحت فيه الهايكا (الهيئة العليا المستقلّة للاتصال السمعي البصري) التي وصفها بـ “غير الجريئة”، بامتهان كرامة الصحفي بسكوتها عن هذه التجاوزات المتواصلة.

وتابع: “بعض الصحفيين يتحمّلون كذلك جزءاً من مسؤولية ما يحدث؛ فمن رضي بالعمل في ظروف غير ملائمة وبدون عقد عمل ووضعيّة مريحة وحقوق مهدورة يكون قد ساهم بشكل أو بآخر فيما آلت إليه الأوضاع الحالية”.

ووفق العطوي، فإن الحل الأساسي لإيقاف هذه التجاوزات بحق الصحفيين يكمن في إعادة النظر في كرّاسة شروط فتح مؤسّسة إعلامية، وتسليط رقابة الهيئة العليا المستقلّة على أصحاب المؤسسات الإعلامية “الهايكا”، وإلزامهم بالإيفاء بالتزاماتهم المهنيّة قبل وبعد الحصول على رخصة البث.

وعن الاتهامات التي يوجّهها بعض الإعلاميين لنقابة الصحفيين التونسيين بخصوص عجزها عن إيقاف هذه السلوكيات بحق زملائهم، شدّد صالح العطوي على أن النقابة ليست سلطة تنفيذية ولا يمكن مطالبتها بأكثر من طاقتها، مشيراً إلى أنه وزملاءه وجدوا منها كل المساعدة والدعم إلى آخر المطاف.

– نقابة الصحفيين في قفص الاتهام

بدوره قال عضو المكتب التنفيذي لنقابة الصحفيين التونسيين، محمد اليوسفي: إن “من حق كل الزملاء توجيه النقد بشكل موضوعي وبنّاء للنقابة في تعاملها مع أي ملفّ كان، لكن في اعتقادي من الإجحاف تحميلها مسؤوليّة كل مشاكل وأزمات القطاع”.

وأضاف اليوسفي في حديث مع “الخليج أونلاين”: “اليوم على سبيل المثال أزمة الصحافة الورقية أضحت عابرة للقارات، أي بالأحرى هي معضلة عالمية لعلّ من أهم أسبابها الثورة التكنولوجية وسطوة صفحات التواصل الاجتماعي، وخاصة المواقع الإلكترونية الإخبارية، بعد أن ألغت أو على الأقل قلّصت الشيء الكثير من الهوّة الشاسعة التي كانت على مستوى العلاقة عمودياً بين المتلقّي/ القارئ من جهة، ووسيلة الإعلام/ الصحيفة من جهة ثانية”.

وتابع: “هناك أيضاً إشكاليات ومطبّات على الصعيد التشريعي، واليوم النقابة تخوض معركة مصيريّة مع الحكومة والائتلاف الحاكم في علاقة بمشاريع القوانين المقترحة لتنظيم حرية التعبير والصحافة والطباعة والنشر مستقبلاً، وكذلك حرية الاتصال السمعي والبصري، وفي هذا السياق يمكن إدراج نزيف تعدّد حالات إغلاق عديد الصحف الورقية منذ الثورة وإلى اليوم بسبب التقصير الحكومي ومن قبل مؤسسات الدولة في التعامل مع هذا الملفّ”.

اليوسفي قال إن نقابة الصحفيين ترى أنّ كل وسيلة إعلام تغلق أبوابها -بغض النظر عن خطها التحريري- ستحدث فراغاً وتخلّف خسارة كبيرة للجمهور؛ “لأن الإعلام الحرّ في أي نظام ديمقراطي يجب أن يقوم على التنوّع والتعددية”.

ويتابع: “لذلك فإن النقابة تعتبر أنّ أحد أبرز التحدّيات والتهديدات التي تحوم حول حرية الصحافة هي تقلّص التعدّدية الإعلامية التي تكاد تصبح شكلية مع بوادر العودة إلى مربع الاحتكار الإعلامي، الذي لا يمكن أن يكون في صالح تجربة الانتقال الديمقراطي، فضلاً عن مسار إصلاح الإعلام في تونس المتعثّر نسبياً خلال السنوات الأخيرة، في ظل بروز ظاهرة تغلغل المال السياسي وتأثير بعض اللوبيات الاقتصادية والمالية “الفاسدة” بحثاً عن استغلال هشاشة الوضع وتمرير أجنداتها.

– الحكومة تتحمّل المسؤولية

ويضيف الصحفي التونسي: “علينا أن نقرّ بأن تأخّر الدولة في تحمّل مسؤوليّاتها من أجل بلورة رؤية تشاركية عمومية يدلي فيها المجتمع المدني بدلوه من شأنها أن تساعد على إنقاذ الصحافة الورقية التونسية من الموت الزؤام قد ساهم في الوصول إلى هذا الوضع، لا سيما أن حكومة يوسف الشاهد الحالية هي الأخرى كانت قد أعلنت في وقت سابق جملة من القرارات والإجراءات لفائدة هذا المجال، لكن جلّها لم ينفذ بعد”.

وذكّر عضو المكتب التنفيذي بنقابة الصحفيين التونسيين بأنه “يجب ألا نقفز على حقائق تاريخية متعلّقة بتركة فترة الاستبداد السياسي والنظام السابق الذي عمد إلى تفقير القطاع والعاملين فيه من أجل إحكام قبضته عليه، نحن في جوانب معيّنة ما زلنا في حرب شعواء ضد تركة تلك الحقبة السوداء”.

وأكّد اليوسفي أن النقابة تتابع من كثب كلّ الملفات المتعلّقة بمثل هذه الوضعيات، وقد سخّرت جميع الإمكانيات القانونية الممكنة لضمان الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للزملاء الذين تعرّضوا لطرد تعسفي أو انتهاكات من قبل أصحاب المؤسّسات، والعديد من الملفّات هي تحت أنظار القضاء، وبعضها الآخر حُسم إيجابياً لصالح نقابة الصحفيين.

وتابع: “المكتب التنفيذي لنقابة الصحفيين بصدد الإعداد لإطلاق حملة وطنية من أجل محاربة مختلف مظاهر وأشكال التشغيل الغاشّ في قطاع الإعلام، بالنظر إلى أنّه لا يمكن الحديث عن صحافة الجودة في مناخات اقتصادية واجتماعية تُعيق إرادة الزميلات والزملاء في تحسين الأداء وتطوير المضامين”.

وهنا من الضروري -بحسب اليوسفي- تأكيد ضرورة تحمّل الهياكل الرقابية الشغلية بوزارة الشؤون الاجتماعية والسلطة القضائية لمسؤوليّاتهم في تطبيق القانون والسهر على مراقبة مدى احترام الأعراف لحقوق الصحفيين.

وختم اليوسفي حديثه بالقول: “قد نضطرّ مستقبلاً لإصدار قوائم سنوية في أعداء حرية الصحافة وأصحاب المؤسّسات الذين لا يحترمون حقوق الصحفيين؛ لا للتشهير بهم، بل من أجل كشف هذه التجاوزات للرأي العام ولمؤسّسات الدولة، التي تتخاذل أحياناً في تطبيق القانون، وهو أمر خطير، وهذا المقترح هو بصدد التطارح داخل المكتب التنفيذي لنقابة الصحفيين التونسيين”.

الخليج اونلاين

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق