دراساتليبيا

ليبيا: مكونات المشهد السياسي والاجتماعي في ظل نسق التطورات الأخيرة (2 من 2)

 

 

علي عبداللطيف اللافي

 

يتفق المتابعون لتطورات الاحداث في ليبيا أن المشهد السياسي والاجتماعي قد عرف باستمرار نسقية تفكيك وتركيب متماهية مع التطورات الاقليمية والدولية…

وقد تعرضنا في الجزء الأول من هذه الدراسة الى مكونات المشهد انطلاقا من المدخل الاجتماعي، وفي هذا الجزء الثاني والأخير نستعرض فسيفساء المكونات انطلاقا من المدخل السياسي والايديولوجي والى بناء خلاصات رصدية واستشرافية، تهم مكونات ذلك المشهد بناء على نسق التطورات الأخيرة محليا وإقليميا ودوليا…

المدخل الإيديولوجي والسياسي

1- التيار الليبرالي

أ- تحالف القوى الوطنية: وهو أكبر المكونات الليبرالية في ليبيا، عرف الانحصار نتاج خياراته مواقفه مع بقاء تعاطف قطاع واسع من الأكاديميين والمثقفين، وقد أعاد بناء نفسه كحزب، وهو أمام فرص استثمار تنوع الساحة السياسية القابلة بطبيعتها لإعادة التشكل، خاصة وأن جبريل يناور في العلاقة بمعسكر الكرامة وهو من الأطراف الممضية منذ أسبوع على ميثاق الشرف…

ب- حراك نعم ليببا: حراك جديد، يضم مجموعة من “السبتمبريين” و”الفبراريين”، في محاولة لتجاوز الانقسام والاستفادة من المساحة البينية المتروكة…

ت- تجمع الوطنيين الأحرار: مجموعة ثوار متمايزين على التيارين الإسلامي والليبرالي رغم انتمائهم للتيار المحافظ، ولهم عمليا حضور قوي في مدن مثل الزاوية وطرابلس وهم بصدد بناء علاقات موسعة في الغرب والجنوب الليبيين…

ث- تيار الجبهة الوطنية: خسر “الحزب/التيار” العديد من قياداته التاريخية وهو بصدد الاعداد لمؤتمره والذي قد يعقد قريبا في أحد المدن الكبرى، ويمكنه بناء ائتلافات قوية واكتساح شعبي في عدد من المدن….

2- التيار الإسلامي:

أ- الاخوان المسلمون: هم الأكثر تنظيماً وخبرة في ليبيا ولهم قدرة تكتيكية في التعامل مع المستجدات، ورغم تعرضهم لهزات في الشرق خلال السنوات الماضية فان قوة حضورهم في تنام مستمر رغم أنهم خسروا من رصيدهم الشعبي، وهم بصدد تقييم العديد من السياسات والمواقف السابقة تنظيميا وسياسيا ومراجعة تواصلهم الضعيف سابقا مع بعض التيارات الفبرايرية والإسلامية…

ب- تنظيمات وأحزاب إسلامية أخرى: وهي تنظيمات إسلامية على يمين الاخوان فكريا، وأولها حركة التجمع الإسلامي (سياسيا “حزب الرسالة”)، ومكونات الحركة الإسلامية للتغيير كوريثة للجماعة المقاتلة، والمقصود هنا تحديدا “حزب الوطن” (بقيادة ع.بلحاج)، خاصة بعد الموت السريري لحزب الامة الوسط بقيادة سامي الساعدي)….

ت- السلفيون: وهم عدة تيارات، وتُوالي مجموعة منهم المجلس الرئاسي، وأخرى موالية لحفتر بالأساس (المداخلة)، وهم في توسع أفقي بين الشباب والشرائح البسيطة، وبسبب الصراعات استفادوا وتضخمت قوتهم العسكرية والاعلامية، ولكن هناك طيف مجتمعي واسع يعتبرهم خطراً مستقبلي نتاج عقلهم السياسي القاصر عن فهم المتغيرات…

ث- الاسلاميون المحافظون: المقصود أساسا هم أنصار تيار دار الإفتاء، ومن أنصار الحركة الإسلامية للتغيير (وريثة المقاتلة) ممن لم يلتحقوا بحزب الوطن، ومع اقتراب الانتخابات قد يضطرون لترتيب صفوفهم وحشد جموع فبرايرية هُمشت أو غاضبة من الاخوان…

ج- الصوفيون: لهم حضور في عدد من المدن الكبرى، وهم فسيفساء متنوعة ولكن بعضهم له القابلية في أن يكون آلية لاستهداف للتيار الإسلامي ككل، وأن يكون رافعة لاستراتيجيات وخطط إقليمية ودولية…

د-الإباضية: المذهب السائد لدى امازيغ ليبيا مع رفض للتيار السلفي، بسبب فتاويه واعتداءاته على هذا التيار…

3- السبتمبريون:

وهم تشكيلات متنوعة ورغم قوتهم العددية قبليا وشعبيا لا يرتقون الى تيار بالمعنى الاصطلاحي، وتغلبُ عليهم فكرة أهمية إعادة بناء الجيش الليبي كأساس ضروري للدولة ويعتقدون أن الآخر السياسي يُغيب ذلك، وتبقى أهم نقاط قوتهم هي إخفاقات الفبرايريين، ورغم تشكيلهم لثلاث تنظيمات سياسية (الجبهة الشعبية– حركة النضال الوطني– جبهة الخلاص)، فانهم يحنون لسيناريو القذافي2، وتشكيل مجلس عسكري يحكم ليبيا فعليا أكثر من السياسيين …

 

خلاصات حول المشهد الحالي

 

بناء على كل ما سبق يمكن التأكيد أن المشهد الليبي مُعقد أكثر في طرابلس وخطر أكثر في فزان، أما برقة فهي في وضع لن تقبل فيه أي مخرجات سياسية راهنة خاصة في ظل التدخل المباشر للمصريين والاماراتيين وهو أمر منتظر استمراره خاصة إذا تم تعيين بديل لحفتر بنفس خصائص شخصيته….

1- تيار فبراير:

سيبقى يُعاني من التخبط والتشظي والعقلية الغنائمية وعدم الثقة بين أطرافه ومع خارجهم رغم امضاء الجميع لميثاق الشرف، ولن تتطور مكونات فبراير الا بوجود تيار واقعي يبني الائتلافات والتحالفات والتوافقات في إدارة ليبيا مستقبلا بناء على إرادة الليبيين وبناء على نتائج الصناديق…

أ- التيار الليبرالي: لازال غير واضح من حيث التشكل بالإضافة الى تحفظ جزء من شباب الثورة الليبية على الارتباطات الاقليمية لبعض مكوناته وعدد من مواقفه، إضافة الى اخفاقه في الخروج من الجمود الخطابي والعملي وقصوره مع التعامل البراغماتي مع السلطات والقوى على الأرض وقد تعاني بعض مكوناته من التفكك على غرار تحالف القوى الوطنية….

ب- التيار الإسلامي: فرقت تكتيكات السياسة بين مكونات التيار الإسلامي المعتدل وبناء على قدرة عقهم السياسي سينجحون أو سيكررون الأخطاء السابقة كما أن تغير المعطيات الاقليمية قد يساعدهم على الخروج من المآزق التي وضعوا أنفسهم فيها… أما المحافظون فسيواصلون التراجع الكبير لعدم مرونتهم، أما التيار السلفي غير الجهادي فسيكون من أكبر المستفيدين من الوضع الراهن وحاجة أطراف للتحالف معه واستخدامه بالرغم من اجماع عديد الأطراف على الخطورة المستقبلية للجاميين …

2- السبتمبريون:

رغم أن لهم حضور قوي وعودة معتبرة كما بينا أعلاه حيث استعادوا  مساحات نتاج انقسام واخفاقات تيار فبراير وتسامحيته الغرضية، إلا أنهم  يُعانون من انقسامات جذرية بين الواقعية والافتراض وبين المستقبل والماضي وهو ما يعني أن تطورهم صعب ان لم نقل مستحيلا نتاح العقلية السلفية في قراءة 42 سنة من حكم العقيد…

المصدر: صحيفة الرأي العام التونسية، العدد 54، 26 أفريل 2018.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق