الجزائرتحاليل

بعد امضاء الأحزاب الرئيسية الليبية لميثاق الشرف في تونس : توافق أولي وبوادر أمل متنامية في اتفاق سياسي 

 

علي عبداللطيف اللافي:

تطورت الأحداث في ليبيا خلال الأيام الماضية بناء على ترتبات خطوات المبعوث الاممي المتسارعة وتعدد لقاءاته في الداخل والخارج، وبناء على تدهور صحة الجنرال المثير للجدل خليفة حفتر في الشرق الليبي وبناء على انتخاب رئيس جديد للمجلس الأعلى للدولة في الجهة الغربية، إضافة الى تقارير وتسريبات تتحدث عن زيارات مكُوكية لرئيس مجلس النواب عقيلة صالح للإمارات والمغرب، وبناء على ذلك ورغم تواصل التجاذب والضغوط التي تُمارسها دول مثل مصر والامارات وقوى إقليمية أخرى على أطراف ليبية، فان بوادر الامل أصبحت تلوح في الأفق خاصة في ظل النجاح النسبي للمؤتمر الوطني الجامع وحدوث توافق أولي بين مكونات المشهد الحزبي خاصة والسياسي عموما، فما هي تلك المؤشرات الدالة وأي أفق للأزمة الليبية المتواصلة منذ جوان 2014 كترتب لفعل قوى وأذرع إقليمية ارادت وعملت على حرق ثورات الربيع العربي المتفجرة بداية العقد الحالي خوفا على عروشها وخاصة في مصر وتونس وليبيا؟

++ بوادر أمل وتوافق سياسي أولي

عمليا لاحظ جميع المتابعين أن كل الأحداث والتطورات التي تجري على الساحة الليبية تتجه في ذات المسارات التي تعمل عليها بعثة الأمم المتحدة في ليبيا بقيادة غسان سلامة (والذي استطاع الى حد ما تجاوز سلبيات سلفيه الاسباني “ليوني” والألماني “كوبلر”)، وهو الذي أكد في كلمته أمام اجتماع وزراء الخارجية العرب في مدينة الرياض الأسبوع الماضي، أن “بوادر التفاؤل واضحة مع سير الخطة الموضوعة وفق المنهجية التي رسمت لها، من جانبه قال الأمين العام للأمم المتحدة، انطونيو غوتيريس في جلسة مجلس الأمن حول الشرق الأوسط التي جرت الأيام الماضية، أن الوقت قد حان لإنهاء الصراع في ليبيا وأن العمل يجري بالتعاون مع كافة الأطراف وفق الخطة “ب” التي وضعها سلامة في سبتمبر من العام الماضي….

ومعلوم أن الخطة “ب” تعتمد على فكرة عقد مؤتمر وطني جامع يأتي كنتيجة لجلسات ستعقد في عدة مدن منها طرابلس وبنغازي والقاهرة وتونس واسطنبول، بحيث تتاح الفرصة للمشاركة للجميع بمن فيهم من غادروا الوطن لأسباب مختلفة وفق الخطة المعلنة فإن المحصلة النهائية لهذه الجلسات هي التوافق بين الأطراف كافة، لضمان المشاركة السياسية للجميع وفق إطار سلس ومقبول تضمنه العملية الدستورية والمسار الانتخابي، ويرى اغلب المتابعين أن ما يُعزز تلك المساعي هو وجود قانون للانتخابات مقبول من جميع الأطراف يضمن الرضا والقبول بنتائج تلك الانتخابات، وكل ذلك لا يعني عدم وجود تحفظات معينة تجاه بعض النقاط في التفاصيل او هوية وتفاصيل ولكن المهم هو الحوار والقبول بالآخر السياسي والفكري واسقاط منطق الوكالة لدى الأطراف الليبية للأذرع الإقليمية والخادمة بدورها لقوى دولية متصارعة ولا ترى في ليبيا الا من خلال ثروات الباطن في غدامس وغيرها من المدن الليبية ولا ترى في ليبيا الا محطة مرور رئيسية نحو العمق الافريقي….

ولا شك أن ما جرى تنظيمه في مدينة الحمامات التونسية الأسبوع الماضي بحضور أغلب الأطراف السياسية الفاعلة يخدم حل الازمة الليبية والمرامي المعلنة لبعثة الأمم المتحدة، ذلك أن وجود احزاب سياسية فاعلة في ليبيا ضمان مؤكد لتعددية سياسية تضمن المحافظة على المسار الديمقراطي وتجنبه عمليا الهزات الماضية وقد اتفق الجميع على ضرورة وضع ميثاق بين الأحزاب السياسية على أن يرسم ذلك الميثاق مسارات عمل الأحزاب السياسية الليبية وضرورة أن يضمن اتفاقها حول هدف واحد هو المصلحة العليا لليبيين….

عمليا دارت كل اللقاءات حول هدف الوصول إلى إطار يُنظم العمل السياسي ويرسم مسارات تحدد طبيعة العمل فيما بينها، وقد شارك في النقاش والتوقيع على البيان الختامي عددا من الأحزاب الليبية الرئيسية على غرار: التكتل الوطني الفيدرالي-  تحالف القوى الوطنية (ليبرالي – أسسه محمود جبريل) – جبهة النضال الوطني ( حزب قوى سبتمبرية – أسسه أحمد قذاف الدم) – حركة المستقبل – حزب التغيير-   حزب العدالة والبناء (ذراع سياسية للإخوان المسلمين في ليبيا)- حزب الوطن (الذراع السياسية للحركة الإسلامية للتغيير بقيادة عبدالحكيم بلحاج) –

++ تفاصيل بنود ميثاق الشرف

أكد الحاضرون أنه تم التوصل إلى اعداد ميثاق شرف سياسي ينظم الحياة السياسية في ليبيا، بحيث يضمن عمل الأحزاب وفق المرجعية المتفق حولها، وعمليا تدرج ميثاق الشرف المتفق عليه من المبادئ العامة التي يجب مراعاتها في كل حزب، إلى العلاقات البينية التي يُلتزم بها في العلاقة بين التنظيمات السياسية بعضها ببعض….

وقد جاءت المبادئ العامة في اربعة عشر بندا أهمها هو ما جاء في أول البنود وهو الالتزام بالمسار الديمقراطي المدني والتداول السلمي للسلطة، أما باقي البنود المتفق حولها فسيكون كتحصيل حاصل إذا ما تم الالتزام بالبنود التي تشكل بداية اساسية متينة وراسخة على غرار “لا اقصاء لأي طرف فليبيا لكل الليبيين” و”المواطنة هي اساس العلاقة بين افراد المجتمع الليبي”

أما البند السادس فينص عمليا على “الاتفاق حول التعهد باحترام نتائج الانتخابات والحرص على حيادية واستقلالية مفوضية الانتخابات، وعدم التدخل في مسارات وتوجهات عملها…”

كما تعهدت المكونات السياسية في النقطة الثانية عشر على التعهد بعدم امتلاك السلاح خارج سيادة الدولة والعمل بجهد لإدماج افراد التشكيلات المسلحة بالمؤسسات العسكرية والأمنية، أما الفقرة الثالثة عشر فتنص على تعهد الأطراف الموقعة على “العمل لحيادية المؤسسات العسكرية والأمنية والقضائية والدينية والتأكيد على عدم خوضهم في العملية السياسية…

ويمكن من خلال القراءة الأولية للبنود أن ذلك خطورة رئيسية وتوافق أولي على ما يرغب الجميع في العمل عليه والالتفاف حوله منذ البداية، إذ يمثل اللبنات الأساسية نحو دولة سلمية وديمقراطية، كما أنه يقود الليبيين نحو لب وجوهر المصالحة الوطنية…

أما العلاقات البينية بين التنظيمات السياسية فقد جاءت في خمس فقرات، وعلى رأسها “التأكيد على تبني الحوار لفض المنازعات وتسوية الخلافات بين التنظيمات السياسية”، كما رسمت الفقرة الرابعة ملامح للعمل الحزبي الجاد والساعي لخدمة المصلحة العليا، وهي أساسا “التوافق من أجل العمل المشترك نحو القضايا ذات الأهمية الوطنية مثل نزع السلاح المنتشر خارج سلطة الدولة والعمل فيما بينها لترسيخ المصالحة الوطنية والسلم المجتمعي”.

وما يمكن التأكيد عليه أن ميثاق العمل الحزبي الذي تم التوافق حوله والتوقيع على بنوده من قبل المكونات السياسية المشاركة، يعتبر عمليا تأكيد على دعم العملية السياسية السلمية وتنظيمها من أجل الوصول الى هدف بناء ليبيا كدولة مدنية وديمقراطية، وأيضا للعمل من أجل هدف إنتاج مناخ منصف وعادل وضامن للأفراد، العمل السياسي السلمي بكل حرية وطمأنينة…..

وقد اكدت الأطراف الحاضرة والممضية توجيه الدعوة لباقي التنظيمات السياسية الليبية للتوقيع والالتزام بما جاء في الميثاق خدمة للصالح العام.

وعمليا يعتبر الاتفاق على الميثاق وامضائه من طرف قوى سياسية رئيسية وفاعلة وذات امتداد شعبي بناء تراكميا ودعما مُتماهيا مع عدة جهود أخرى قامت بها أطراف ليبية على غرار المصالحة بين عدد من المدن إضافة الى جهود بعثة الأمم المتحدة، من أجل السعي لإنهاء المرحلة الانتقالية والمضي قدما نحو بداية حقيقية تضمن الانتقال السلمي للسلطة…

++ ترتبات منتظرة ومحاولات للارباك والاحتواء

لا شك أن هذه خطوات أولية خاصة إذا ما التزمت المكونات السياسية بما تعهدت به، لان ذلك يعتبر خطوة أولى لإنهاء الصراع المسلح باعتبار اذ ذلك ركن أساسي لبناء دولة ليبية، يأمل كل الليبيين في ارسائها حتى يسعد الليبيون كل الليبيين في الأقاليم الثلاث بدون اقصاء لأي طرف، خاصة في ظل أن الجميع قد مل الصراعات والتجاذبات والمعارك الخادمة لقوى وأذرع إقليمية لا ترى في الأطراف الليبية الا آليات ووسائل لخدمة أجنداتها….

ومما لا شك فيه ان إدارة الملف الليبي ليست اليوم في يد طرف بعينه لا ليبي ولا إقليمي ولا دولي، وبالتالي فان امضاء الاتفاق بين مكونات المشهد السياسي الليبي ليس الا خطوة ضرورية ولكنها لن تكون كافية خاصة في ظل التطورات الدراماتيكية على غرار لقاء المشري- صالح في المغرب أو الزيارات المكوكية لعقيلة صالح ولقائه بالمصريين والاماراتيين   والاتصالات الثنائية بين قوى إقليمية ودولية لها علاقة بالملف الليبي ( فرنسا – إيطاليا- روسيا – السعودية – تركيا – قطر – بريطانيا) واللقاءات الماراطونية لعديد الأطراف الليبية مع سفراء فرنسا وامريكا وبريطاينا في العاصمة التونسية ( باعتبار ان السفراء الأجانب الممثلين لدولهم في ليبيا مقيمين في غالبيتهم في تونس)، وهو ما يعني أن الملف أصبح أوليا في أجندات الدول الفاعلة وأن تردي الوضع الصحي لحفتر له ترتباته السريعة[1]، في انتظار ترتباته الأخرى  كما أن الجميع يدرس خلفيات وترتبات تنظيم انتخابات تشريعية ورئيسية خلال نهاية السنة الحالية وما يعنيه ذلك في إعادة تشكيل التحالفات سياسيا واجتماعيا[2]

بغض النظر عن التجاذبات وصعوبة المهمة التي تقوم بها اليوم البعثة الأممية بقيادة غسان سلامة أو بعض الوسطاء ( دول مصر والجزائر وليبيا وتونس وبعض قيادات الاسلاميين العرب على غرار رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي)، يضاف الى ذلك تعقد تفاصيل المشهد الليبي ومفرداته العديدة والمتعددة في أفق نهاية السنة الحالية، فانه يمكن التأكيد على أن نجاح الحوار الليبي أمر محسوم خلال اشغال المؤتمر الوطني المرتقب،  بينما سيكون تشكيل الحكومة الليبية حتى بعد الانتخابات سيعرف صعوبات عدة ومزالق عديدة وتحديات كبرى وعوائق لا تحصى ستسعى أطراف عدة إقليمية و ربما دولية إضافة إلى أطراف في الداخل الليبي، إلى العمل على توسيعها وتضخيمها، حيث أن تلك الأطراف ستلعب كل ما بقي لها من أوراق لإفساد المشهد الجديد وخلط الأوراق و إعادة الأمور للنقطة الصفر، أو ربما أعقد مما كان عليه الوضع في أوت 2014 …

ولكن من الأكيد اليوم أنه في ظل بداية تخلي الأطراف المتنازعة على نرجسيتها وعلى منطق الفرد الزعيم، فان تطورات المشهد الإقليمي وطبيعة الموقع الجغرا – سياسي لليبيا وقربها ومن السواحل الأوربية وطبيعة التحديات الاقتصادية في دول الجوار الليبي ستدفع الجميع خلال والأشهر القادمة نحو الدفع لإنجاح الحل السياسي وإجراء انتخابات تغلق باب الصراعات الميدانية والعسكرية نهائيا…

وذلك لا يعني أن ليبيا لن تعرف تحديات جسيمة على مستوى الترتيبات الأمنية وبناء وقيادة المؤسسات السياسية والعسكرية وترتيبات الحدود مع الدول المجاورة….

ولكن أمل الشركات العابرة للقارات في الاستثمار في ليبيا ورغبة عديد العواصم الكبرى في إعادة النشاط لسفاراتها في طرابلس من أجل الظفر بعقود لكبرى شركاتها في بلد قد يصبح لاحقا وبسرعة كبيرة دبي2 باعتبار امتداده الجغرافي وثرواته الباطنية الرهيبة وطول شواطئه الساحلية وقلة عدد سكانه إضافة للصحراء الممتدة نحو وسط القارة الإفريقية (دول الساحل والصحراء) …

وفي الأخير يمكن التـأكيد مجددا أن مستقبل ليبيا في أفق نهاية السنة الحالية سيكون واعدا من أجل عودة الوئام بين الأخوة الليبيين حتى يتمكنوا من إجراء مصالحة شاملة وعادلة تدفن آلام الماضي وتوقي الصعاب عبر تشكيل الحكومة الجديدة تنهي المرحلة الانتقالية بإجراء انتخابات ديمقراطية وشفافة تقنع الجميع في الداخل والخارج وتكون منطلقا لإعادة بناء المؤسسات الدستورية وحتى يهنأ الليبيون كل الليبيين بغض النظر عن أحزابهم وقبائلهم ومدنهم وانتماءاتهم الفكرية والمذهبية والسياسية…

ولكن ما يمكن التأكيد عليه أن ليبيا قد تعرف الصعوبات والعراقيل والتغذية لها ولكنها ستنجح في الأخير لأن عدم نجاحها يعني الانزلاق الى ما هو غير متوقع ليس في ليبيا فقط بل في كل دول الجوار، كما أن النجاح المرحلي والبدء في المرحلة الانتقالية الأخيرة التي نرجو أن تكون الأخيرة لا يعني عدم تجدد الخلافات لاحقا وان بشكل جزئي ولكن المهم هو النجاح المرحلي لان الخلافات والصراعات بعدها ستكون بيد صاحب السلطة الاصلية وهو الشعب الليبي وهو شعب يدل تاريخه الطويل أنه شعب وطني وصبور وفريد من نوعه ….

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الهوامش:

[1]  أنظر مقال الكاتب في مؤقع صحيفة الراي العام التونسية، «بناء على طبيعة الوضع الصحي لحفتر الترتبات العشر المرتقبة في الشرق الليبي”، تنزيل بتاريخ  16 أفريل 2018

[2]  أنظر مقال الكاتب، العدد 53 من صحيفة الراي العام التونسية الأسبوعية، “مكونات المشهد السياسي والاجتماعي في ظل نسق التطورات الأخيرة” (1 من 2)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق