
علي عبداللطيف اللافي:
يتفق المتابعون لتطورات الاحداث في ليبيا أن المشهد السياسي والاجتماعي متطور وأنه يشهد باستمرار نسقية تفكيك وتركيب متماهية مع التطورات الاقليمية والدولية ونتاج أن السياسي والايديولوجي في ليبيا مرتبط بواقع المدن الكبرى وطبيعة تركيبتها الاجتماعية والقبلية وطبيعة تراكم الفعل التاريخي خلال القرون والعقود الماضية رغم مؤثرات الفترة الاستعمارية ونتائج ارهاصات الفعل السياسي للحقبة الملكية و خلال حكم القذافي، وأيضا نتاج تراكمات السنوات السبع الماضية…
فماهي مؤثرات المدخلين الاجتماعي والايديولوجي على مكونات المشهد الليبي في ظل نسقية التطورات الأخيرة في ليبيا وفي الإقليم (الترتبات المنتظرة لغياب حفتر او نتاج وضعه الصحي بغض النظر عن تفاصيل ما حدث منذ 10 افريل الحالي- انتخاب المشري كبديل للسويحلي على رأس المجلس الاعلى للدولة واستعداد الأول للقاء عقيلة صالح – – توصل التجاذب بين قطر والرباعي الخليجي- المصري- تطورات الأحداث في سوريا واليمن وفلسطين….)؟
الحلقة الأولى
++ المدخل الاجتماعي
تختلف المؤثرات الاجتماعية في ليبيا من إقليم لأخر قبل 24 ديسمبر 1952 وقبل 01 سبتمبر 1969 وما بعده، وأيضا بعد 17 فيفري 2011، إضافة الى تسارع التطورات النسقية للمؤثرات الاجتماعية في أبعادها الثقافية والسياسية خلال الأشهر والاسابيع الماضية على المستويين الإقليمي والمحلي:
1- إقليم طرابلس:
وهو الأهم سياسيا والاكبر سكاناً (تقريباً الثلثين) والاكثر تنوعاً وتعقيداً وتنافراً، ويتفرع الإقليم إلى ثلاث قطاعات، طرابلس الكبرى، شرق طرابلس، وغرب طرابلس، ويتصف الإقليم بتعقد وتنافس قبلي في المشهد السياسي، ناتج عن الاصطفافات الصفوفية، وهي أحلاف قبلية استخدمها ووظفها نظام القذافي، ولكنها تعاظمت أيضا خلال الصراعات بين فرقاء فبراير وحلفائهم القبليين والسبتمبريين، ولا زالت تلقي ظلالاً قاتمة ومزعجة…
* قطاع طرابلس الكبرى: أكبر كتلة سياسية في ليبيا، بحجم مقدر بأكثر من 2.1 مليون نسمة، من كل ليبيا على أن العدد يتراوح بين 1و2.1 مليون ساكن باعتبار ان الكثيرين مرتبطين سياسياً وثقافيا واجتماعيا بمناطقهم الأصلية….
* طرابلس المدينة: وتضم تمازج سكاني وتأثير للرابطة الطرابلسية وتراجع للولاء القبلي، مع دور لأصحاب المال والتكنوقراط، كما أن البعد الصوفي سائد عمليا إضافة لحضور اخواني من خلال الحضور الاجتماعي والاقتصادي على أن البعد السلفي غالب على ساكني الأطراف مع حضور معتبر للتيار الليبرالي نتاج تجذره الثقافي….
* الضاحية الشرقية: يغلب على سكانها الارتباط التاريخي والسياسي بطرابلس المدينة وهناك ظهور واضح للتيار الإسلامي من صوفية واخوان ومحافظون وسلفيون وهي قد حظيت بتأثير متزايد بعد الترتيبات الأمنية لاتفاق الصخيرات….
* الضاحية الغربية: وتقطنها غالبية سكانية من المنطقة الغربية والجبل، أما التوجهات السياسية فيها فترتبط عمليا بمناطق أصول السكان….
* الضاحية الجنوبية: وهي عمليا مكتظة السكان، وهناك تنوع في مستويات الدخل وتتصف بسيادة ساكنة أغلبها من القطاع الشرقي لطرابلس، وقد كان بها حضور ملحوظ لمناصري القذافي سياسيا، وأغلب سكان هذه الضاحية من أنصار السبتمبريين لعوامل قبلية واقتصادية وتوظيفية، أما التيار الإسلامي بتنوعاته فله نشاط معتبر بينما الليبراليين يمكنهم مستقبلا استقطاب قطاعات شبابية في الضاحية…
* قطاع شرق وجنوب طرابلس: أي من منطقة “بن غشير و”القره بولي” حتى سرت وهراوة شرقا، كما تضم مناطق مهمة منها “مصراتة” و”طرهونة” و”بني وليد” و”زليطن”، ويمكن عمليا اعتبار “مصراتة” و”زليطن” محسوبتان على تيار فبراير، بينما بني وليد محسوبة على السبتمبريين، أما “طرهونة” فمنقسمة بينهما كما أن أثر الصوفية والقبلية فكبير، سياسيا في “مصراتة” و”زليطن” الغلبة والسيطرة والشعبية للإسلاميين والليبراليين، أما في “بني وليد” (ورفلة) وبحكم أحداث السنوات الأخيرة فالأرجح أن أغلبها لن يصوت لأي تيار مرتبط بفبراير مع فرص أكبر للتيارات الليبرالية، أما “طرهونة فهي في منزلة بين المنزليتين أي بين “مصراتة” و”بني وليد” بينما المناطق الأخرى ستميل لاحد القطبين حسب القرب التاريخي والسياسي وحسب طبيعة الخطاب السياسي أثناء الحملة الانتخابية…
قطاع غرب وجنوب غرب طربلس أي من جنزور حتى الحدود يطوقها جنوب نفوسة جنوبا وبينهما سهل جفارة، وتأثير الصوفية في هذا القطاع ملاحظ للجميع رغم ان هذا العامل كان رتاجع اثناء ثورة فبراير الا أنه عاد وبرز بهدها في كل المحيط الطرابلسي بحيث تركز انخراط ودعم مكونات أحد الصفوف في طرف تفوده مصراتة والطرف المقابل قادته الزنتان مع ميل التيار الإسلامي والليبرالي والاشد فبرايرة لصف مصراتة وميل التيار اللبرالي والقبلي لصف الزنتان ….
مدينة الزاوية: وهي أكبر الحواضر السكانية الغربية الا أنها تعاني من ارتباك في ترتيب بيتها الداخلي دون أن يلغي تاثيرها الفبرايرري ، التيار اليلبرالي ربما يحظى باتياز نسبي نظرا للارهاق الذي سببه الإسلاميون وبالأخص المحافظ والذي قد يتمتع ببعض المناصرة للتشارك الشعر بالتهميش التاتج عن اتفاق الصخيرات
*قطاع مدينة زوارة ومحطيها: وهو عمليا طوق هلالي مركزه “زوارة” من “صبراتة” فــ”العجيلات” حتى الحدود مع تونس، وأغلب الطوق كان مواليا لسبتمبر لأثر “الصفوفية”، في حين تميل “زوارة” و”صبراطة” نحو فبراير ويختلفان في ناحيتين الأولى أن زوارة بحكم أمازيغيتها ستميل الى التيار الاخواني بدرجة أولى والي الليبراليين بدرجة ثانية، مع أن الخطاب السياسي المستقبلي ومدى واقعيته وطبيعة تاثير المرشحين اجتماعيا وسياسيا، ستكون عومل محددة في خيار الناخبين في حين ستميل “صبراطة” أكثر للتيار الإسلامي في ما بين “السلفي” و”الإسلامي المحافظ” و”الاخوان”…
*قطاع جفارة وباطن الجبل، عمليا سكانه الأكثر هم من قبيلة “ورشفانة” بجانب قبائل أخرى، وهو قطاع يصنفه الكثير بانه “سبتمبري” التوجه والانجذاب مع وجود فبراريين وأغلبه كقطاع يميل أكثر الى الاصطفاف مع الزنتان، ويتطابق مع القطاع السابق مع توجههم السياسي والانتخابي رغم أن المصالحات الحالية قد تغير المعطيات لصالح التيارين الإسلامي والليبرالي ولكن نسبيا فقط….
* قطاع جبل نفوسة، ويتميز بحضور عرب مالكية وأمازيغ اباضية مع انقسامات صفوفية تاريخية، وأغلب الجبل اصطف مع فبراير مُبكرا ولاحقا باستثناء بعض القرى، وخلال فبراير حدث تلاحم تاريخي تجاوزت الاصطفافات الصفوفية لتعود للظهور وهذه الانقسامات وصلت ذروتها خلال عملية “فجر ليبيا” حيث تحالف الامازيغ وغريان مع “مصراتة” والتيار الإسلامي والأشد فبرارية في حين اصطفت الزنتان والرجبان مع عملية الكرامة والتيار الليبرالي والمتمثل في “تحالف القوى الوطنية” ونتج عن ذلك شروخ مست وامتدت لكل غرب ليبيا، أما مؤخرا فقد عاش الجبل نوعا من السلام الحذر مهما كانت الاختلافات فمعظم قطاع الجبل يجد نقسه مصنف او اخيارا في صف فبراير بتنوعاته….
*محور الزنتان- الرجبان وحلفائهم، وهم عمليا يميلون أكثر لحفتر والتيار الليبرالي والقبلي ولكنهم بغيابه سيقتربون من التيار الليبرالي ومن السراج تحديدا، في حين ان محور الأمازيغ وغريان سيبقى متحفظ عمليا وباستمرار على حفتر وحلفائه وعلى السبتمبريين وعلى جبريل بسبب السوابق وشبهة التوجهات القومية العربية وفي نفس الوقت يمتد التحفظ بدرجة ما على الإسلام السياسي، وينتظر الامازيغ من التيار الإسلامي المعتدل أن يراعي في خطابه السياسي وبرامجه المستقبلية ممطالبهم وأن يطمئنهم …
2- إقليم برقة:
وهو أكبر الأقاليم مساحة بتركز سكاني في الشمال. بسيادة قبائل كبرى مع ساكنة حضارية تتركز في مدينتي بنغازي ودرنة، والعديد من السكان تعود اصولهم لهجرات من غرب ليبيا، يمتاز هذا الإقليم بالسلمية الاجتماعية مقارنة بالإقليمين الآخرين (عمليا بسبب وصوله لنوع من التوازن منذ آخر حروبه الداخلية قبل قرنين)، وللأثر الكبير للحركة السنوسية، و نتاج الحسم السريع للمعارك مع كتائب القذافي في فيفري 2011)…
شهد بعد 2014 صراعات واستقطابات شرسة وكبيرة بين الإسلاميين ومعارضيهم وهناك تاثر وتأثير لمصر والتي تنامى حضورها السياسي والأمني في بعده الاستخباراتي خاصة بعد أن قاد حفتر عملية الكرامة تحت لافتة محاربة ضد الارهاب والاسلام السياسي وسط دعم في البداية من عموم القبائل والسلفيين المداخلة وهؤلاء لعبوا أدوار كبرى في مخططات وسياسات حفتر، ورغم ذلك ناصر العديدين صف الإسلاميين من خصوم حفتر المباشرين بينما أيد المثقفين في برقة والتيار الليبرالي حفتر ومنحوه تفويضا حتى بدايات 2017…
وراهنا سيجد الإسلاميون أنفسهم في وضع صعب لاستعادة فعلهم السياسي في برقة وسيكون مضطرين للبحث عن مخرجات حتى لو غاب حفتر أو بعض ورثته السياسيين والعسكريين والبيولوجيين….
أما السبتمبريون فانهم وان لهم حضور سياسي قوي فانهم ونتاج التجاذب بينهم والصراعات حول العلاقة المستقبلية مع ورثة حفتر فانهم سيزدادون انقساما وتشتتا نتاج البعد الزعاماتي وتعدد تنظيماتهم وولاءتهم وقراءتهم المختلفة للتطورات القليمية وأنهم عمليا ضد تعيين الناظوري في قراءتهم الأولى وأنهم مع تشكيل مجلس أعلى عسكري بديلا لقيادة حفتر…
3- إقليم فزان:
هو عمليا الإقليم الاقل سكاناً والكبير المساحة والموارد، ومرتبط اجتماعياً بدرجة أكبر مع اقليم طرابلس، وقد عانى الاقليم شديداً خلال فبراير وبعدها، بسبب أن فزان كانت القاعدة الأخيرة لأنصار القذاف)، ووجود حضور قبلي موالي لسبتمبر، وايضاً تعرضها لاختلالات ديمغرافية ناتجة عن الهجرة والتحركات البشرية من خارج ليبيا، مع الاستمرار المتقطع للاشتباكات القبلية والتدخل الخارجي.
تيار فبراير ناصرته قبيلة اولاد سليمان في حين أن أغلب “المقارحة” و”القذاذفة” و”ورفلة” في جانب تيار سبتمبر، ورغم أن “التبو” محسوبين على تيار فبراير فان صراعهم مع أولاد سليمان يجعلهم طرف ترجيحي مهم. بينما الطوارق هم أقرب إلى أولاد سليمان قبلياً، ومتعاطفين مع امتدادهم أمازيغ الشمال. عموماً، هناك ميل لجناح حفتر ينافسه فيه تيار سبتمبر، أما تيار فبراير فتشتته وانقساماته في الشمال تلقي بظلالها على فزان، يبقى البعد القبلي هو المؤثر الأساسي، والذي عادةً يتوجس من الإسلام السياسي وأحزابه بسبب خطأ تقديراتهم من حيث الممارسة والخطاب، وأيضا نتاج خطاب النظام السابق ضد الإسلاميين طوال الأربع العقود الماضية والذي كانت تأثيراته أكثر في فزان منها في الشرق والغرب…. .
المصدر: صحيفة الرأي العام التونسية بتاريخ 19 افريل 2018