إصدارات

كتاب جديد يعاين تحوّلات “السلفية الجهادية” وتأثيرها على بنية النظام العالمي

 

 

في كتاب “تحولات الخطاب السلفي: الحركات الجهادية – حالة دراسية (1990-2007)” (الشبكة العربية للأبحاث والترجمة – بيروت، 2010) يخلص الباحث الأردني المتخصص في الحركات الإسلامية المتشددة، مروان شحادة، إلى أنّ “الحركات السلفية الجهادية” قد مرّت بتحولات عميقة على صعيد الخطاب والحركة خلال العقود الأخيرة انتهت إلى بروز الصيغة العالمية الحالية لتنظيم القاعدة والمجموعات المرتبطة به، وإلى إحداثها تأثيرات بنيوية خلال مرحلة ما بعد الحادي عشر من سبتمبر على نمط العلاقات الدولية، وعلى بنية النظام الدولي.

ويقسّم شحادة المراحل التي مرّت بها الجماعات السلفية الجهادية حتى وصلت إلى الحالة الراهنة من عولمة الصراع والصدام العالمية وأيديولوجيا القاعدة الحالية، إلى أربع مراحل زمنية.

المرحلة الأولى، عبر الجهاد الأفغاني في ظل نظام ثنائي القطبية، التي تشكّلت فيها حركات الإسلام المسلّح، في بعدها عبر القومي أو القطري، ونتج عن هذه الحقبة ظاهرة “الأفغان العرب”، التي شكّلت نواة لتشكل خلايا ومجموعات أوسع وأكثر انتشاراً لاحقاً.

أمّا المرحلة الثانية، فهي التي شهدت انهيار الاتحاد السوفييتي وتشكل نظام أحادي القطبية، وبروز مقولات صدام الحضارات ونهاية التاريخ، وما أدت إليه من أحداث إقليمية كحرب الخليج في العام 1991، التي عززت من تشكيل التربة والمناخات المناسبة لصعود “السلفية الجهادية” في عدة أنحاء من العالم.

فيما شكّلت المرحلة الثالثة، تحولاً تاريخياً في استراتيجية “السلفية الجهادية” تمثّل بالانتقال من “قتال العدو القريب” (الحكومات والنظم العربية) إلى “العدو البعيد” (الولايات المتحدة الأميركية)، وهو التحول الذي يحيله شحادة إلى فشل هذه الجماعات في صراعاتها المحلية مع حكوماتها، مما أثر على شعبيتها لدى الرأي العام العربي.

أدت هذه الاستراتيجية، التي رسّخها (لاحقاً) كتاب أيمن الظواهري “فرسان تحت راية النبي” إلى الإعلان عن “الجبهة الإسلامية العالمية لقتال اليهود والصليبيين والأميركان” (في العام 1997)، وتصريحها باستهداف المصالح الأميركية والإسرائيلية في أنحاء العالم، ضمن الحرب الكبرى بين “السلفية الجهادية” (التي تعتبر نفسها ممثّلاً للإسلام الشرعي) والقوى الدولية الكبرى، بقيادة الولايات المتحدة الأميركية إلى جملة من العمليات العسكرية والأمنية التي نفّذتها مجموعات تابعة للقاعدة فيما بعد، واستهدفت فيها مصالح أميركية وعربية وغربية متحالفة معها، إلى أن وقعت أحداث الحادي عشر من سبتمبر، التي مثّلت نقطة تحول في بنية وخطاب القاعدة من جهة ونمط العلاقات الدولية من جهة أخرى، وقادت إلى المرحلة الرابعة من تحولات السلفية الجهادية.

إذن، المرحلة الرابعة، تمثّل المخرج الرئيس للتحوّل في استراتيجية القاعدة في الصدام مع “العدو البعيد – الأميركان”، وتحمل في طيّاتها تداعيات أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وما حملت من تغييرات على بنية القاعدة واستراتيجيتها، وكذلك على الاستراتيجيات الأميركية، وما أدت إليه من حروب.

يرصد شحادة اللحظة التي مثّلها اليوم التالي لأحداث الحادي عشر من سبتمبر، بالقول “لقد شكّلت هجمات 11 أيلول/ سبتمبر 2001 لحظة فاصلة في التاريخ السياسي الأميركي أسفرت عن حملة كبرى ضد ما يسمى “الإرهاب” الذي أصبح أهم مكوّن سياسي في ظل ثقافة سياسية محافظة وإدارة المحافظين الجدد، وفي ظل أيديولوجيا محافظة جديدة ولاهوت يميني مسيحي عمل بقوة من أجل بلورة مفهوم “الحروب الاستباقية” التي بدأت في أفغانستان ثم اندفعت بقوة اتجاه الشرق الأوسط بهدف إعادة تشكيل الخريطة السياسية وتغيير أنظمة الحكم، كان العراق أوّلها”.

المفارقة التي يمسك بها شحادة في هذه اللحظة التاريخية التراجيدية تتمثّل في تقاطع خطابات وأهداف كلّ من المحافظين الجدد والجهاديين الجدد، على حد تعبير الخبير في الجماعات الإسلامية، حسن أبو هنية، في تشكيل نظام عالمي جديد مبني على الصراع الثنوي بين الخير والشر، الإيمان والكفر، لكن بصورة متضادة ومتقابلة بين الطرفين.

وبعد أن يرصد الباحث مخرجات كلّ من الحرب الأفغانية والعراقية على نمط الصراع العالمي الجديد بين القاعدة (الإطار العالمي الحركي للسلفية الجهادية) والولايات المتحدة وحلفائها، يقدّم خريطة عالمية لأهم جماعات القاعدة ومناطق انتشارها، والسمات الرئيسة لكل جماعة أو حركة مرتبطة بها، أو تدور في فلكها الأيديولوجي والحركي.

ولعل أبرز هذه الجماعات (بالإضافة إلى القاعدة المركزية) هي: القاعدة في جزيرة العرب، تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين (ويرصد شحادة تطورها والمراحل التي مرّت بها والأيديولوجيا التي حكمت رؤيتها للبيئة العراقية والصراع، ثم العوامل التي أدت إلى أفولها وتراجعها)، والقاعدة في بلاد المغرب (ويستعرض الباحث نشوء التنظيم وتطوره في هذه الدول وحضوره ودرجة قوته وتأثيره..)، ثم يتناول تنظيم القاعدة في أوروبا واليمن (قبل أن يصل إلى المرحلة الحالية من الحضور الإقليمي والعالمي).

كما يرصد شحادة الجماعات السلفية الجهادية في بلاد الشام، التي لا تعدّ بصورة معلنة و”رسمية” جزءاً أساسياً من شبكة القاعدة، وأبرزها: فتح الإسلام في لبنان (ويشير الباحث إلى الغموض الذي اكتنف عمل التنظيم وتشكله والظروف التي أحاطت بشخصية زعيمه شاكر العبسي)، جيش الإسلام في غزة، (ويحلل الكتاب العمليات التي قام بها، وبعض البيانات الصادرة عنه، وسمات شخصية مؤسسه ممتاز دغمش)، وجيش الأمة في غزة أيضاً، وفتح الإسلام المجاهدين في المخيمات الفلسطينية.

يخصص الكتاب صفحات عن تنظيم الشباب المجاهدين في الصومال، ونشوئه وتطوره والصدام الحالي بينه وبين الحكومة الصومالية والولايات المتحدة من ورائها.

الإضافة المعرفية – الفكرية النوعية في الكتاب قد تتجاوز رصد تطور السلفية الجهادية والمراحل التي مرّت بها، وزوايا تأثيرها وتأثرها في تحولات بنية النظام الدولي إلى الشق النظري التأصيلي لأيديولوجيا السلفية الجهادية والمفاهيم الحاكمة لها، سواءً في إطار التغيير السياسي (وهو ما تطلق عليه هذه الحركات فقه النكاية) أو رؤيتها للعلاقات الدولية.

ففي المفاهيم النظرية الحاكمة للخطاب السلفي الجهادي يشرح الكتاب مفاهيم التوحيد والحاكمية والإيمان والإسلام والجاهلية. أما على الصعيد العملي، فيتناول مفاهيم الجماعة والطاغوت والولاء والبراء والجهاد.

ويحلل شحادة التأويلات والدلالات التي تكتسبها هذه المفاهيم من خلال الأيديولوجيا السلفية الجهادية، ويقدّم مساهمات الكتب المرجعية في صوغ هذه المفاهيم واكتسابها هذه المضامين المعاصرة.

أما في مجال العلاقات الدولية، فيتناول الكتاب مفاهيم دار الحرب والإسلام والعهد، ويقدّم التأويلات والمضامين التي تؤطرها فيها السلفية الجهادية، والتي تنعكس على الأحكام الشرعية ومبررات الأيديولوجيا الجهادية ومسوّغاتها المختلفة لهذه الأيديولوجيا، وما ينبثق عنها من استراتيجيات وعمليات.

ينتهي الكتاب إلى جملة من الخلاصات والتوصيات، تتضمن تحليلاً لتطورات القاعدة والظروف الحاضنة لها من فشل الدولة القطرية العربية في التنمية ومواجهة التحديات الداخلية والخارجية، وأخيراً يتضمن الكتاب ملاحق لأبرز منظري السلفية الجهادية وبعض الوثائق الحركية المرتبطة بالقاعدة.

يجمع الكتاب بين الجانب التأصيلي المعرفي في خطاب هذه الحركات وبين القدرة على تتبع التطور الواقعي والتاريخي لها، وتقديم معلومات جديدة، مما انعكس على مراجع الدراسة التي توافرت على كتب فقهية وفكرية وتراثية ومعاصرة في مجال الفكر الإسلامي ومتابعات واقعية من المواقع الإلكترونية والكتب والوثائق التي لا تتوافر في المكتبات العامة والخاصة، وهي ميزة إضافية تسجّل لهذه الدراسة.

المصدر: مركز الدين والسياسة للدراسات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق