
شكّل حدثان وقعا في أسبوع واحد تغييرا دراماتيكيا في المشهد السياسي الليبي، أولهما الانسحاب المدروس لعبدالرحمن السويحلي من رئاسة المجلس الأعلى للدولة، ويرى متابعون للشأن الليبي أن السويحلي كان يمكنه الاستمرار في رئاسة المجلس لو أراد، ولكن تصرفه خلال الانتخابات وتقبله لنتيجة الانتخابات، يؤكدان أنه قرر ترك رئاسة مجلس الدولة ربما ليتطلع إلى الانتخابات الرئاسية متفاديًا الصدام مع الإخوان المسلمين، فهو يدرك أن المجلس الأعلى للدولة لا مستقبل له، وأنه سيختفي بعد الانتخابات الرئاسية والتشريعية، ولن يكون هناك وجود إلا لمجلس النواب الجديد والمجلس الرئاسي والحكومة القادمة، وعليه أن يترك مجلس الدولة كي يترأس أحد الأجسام الوليدة، وحتى الآن نال على ما يبدو رضا المبعوث الأممي غسان سلامة الذي زاره في بيته، ولا شك أنه نال أيضا دعماً من عددٍ من أعضاء مجلس النواب وجزء من الرأي العام.
أما الإخوان المسلمون فربما وجدوا في الصفقة جوانب يمكن استثمارها وهم وفق قياسهم لمدى شعبيتهم في الشارع، ليس أمامهم إلا المناورة السياسية لذلك سارع الرئيس الجديد للمجلس الأعلى للدولة خالد المشري العضو المؤسس لحزب العدالة والبناء، بدعوة رئيس مجلس النواب عقيلة صالح إلى عقد لقاء بينهما في طرابلس أو في طبرق أوفي أي مكان في ليبيا، ورد عقيلة صالح مرحبا بالدعوة وكأنه يريد استثمار الوقت في غياب المشير حفتر الذي يرقد في أحد مستشفيات باريس، ففجاءة أصبح عقيلة صالح الطرف الوحيد في شرق البلاد المستعد للتفاوض مع الإخوان، بخلاف المشير خليفة حفتر الذي رفض قبول الجلوس مع الإخوان وكافة الإسلاميين من البداية، ولا يمانع عقيلة صالح الذي سافر إلى مالطا للقاء رئيس المؤتمر الوطني السابق نوري أبو سهمين المقرب من ممثلي «التيار الإسلامي»، في عقد صفقة مع أي طرف توصله إلى رئاسة البلاد، وهو يدرك أن قيادة الجيش في غياب حفتر لن تمنعه من تحقيق طموحه، أما رئيس الحكومة المؤقتة عبدالله الثني فهو خارج الحسابات، إلا إذا غاب حفتر عن المشهد بشكل كامل ونجح في عقد تحالف مع المعارضين لعقيلة صالح.
حتى الآن لم تتضح حقيقة الحالة الصحية لحفتر، الذي أكدت مصادر أنه نقل على عجل إلى عمان يوم 5 أبريل، ونجحت القيادة العامة في إخفاء الخبر إلى يوم الأربعاء الماضي، عندما كشفت صحيفة لوموند الفرنسية أن حفتر نقل إلى أحد مستشفيات باريس، وبالرغم من أن مصدرًا طبيا أكد لـ«الوسط» الأربعاء، أن حفتر تجاوز مرحلة الخطر وأن العارض الصحي لن يشكل خطرًا على حياته، إلا أن نقله من عمان إلى باريس يؤكد أن حالته لم يستطع الأطباء الأردنيون التعامل معها>
كما أكد المصدر الطبي أن حفتر سيبقى بعض الوقت في المستشفى. كل ذلك يزيد من القلق على صحة المشير البالغ من العمر 74 عاما، وبالتالي حتى لو خرج من المستشفى فقد لايضمن أحد قدرته على الاستمرار في عمله، وهل هذه الوعكة ستضع حدًا لطموحه في قيادة البلاد؟ وبالتأكيد من الصعب جدا تعويض حفتر كقائد عام للجيش الوطني، فى وقت لا يوجد بين الضباط المقربين منه من يملك العلاقات الإقليمية والدولية مثله، بالإضافة إلى شعبيته المعتبرة خاصة في شرق ليبيا، ورهانه على محاربة الإرهاب وهي ورقة رابحة في أي مكان يعشش فيه.
جريدة الوسط