
قبل 50 سنة مضت، وفي الوقت الذي كانت الجزائر فيه بأمسّ الحاجة للدعم في ثورتها (1954- 1962) ضد المستعمر الفرنسي، تباينت مواقف دول العالم بين التعاطف مع فرنسا، والانحياز إلى جانب الجزائريين، وقد كان موقف «نيكيتا خروتشوف» الرئيس السوفيتي وقتها أن أعلن اعترافه بالحكومة الجزائرية المؤقتة -ولو متأخّرًا- معلنًا بذلك التزام الاتحاد السوفيتي بتقديم جميع المساعدات الممكنة والتي يمكن أن تساعد الشعب الجزائري في نضاله، ما جعل رئيس الحكومة الجزائرية المؤقتة فرحات عباس، يعلن أن موسكو باتت حليفًا للجزائر.
أمّا عن علاقة روسيا، سليلة الاتحاد السوفيتي بالجزائر، فقد سار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على خطى سلفه،معتبرًا الجزائر خطًّا أحمر، وجب على روسيا حمايتها من الربيع العربي. على الوجه الآخر كان الرئيس الأمريكي جون كينيدي من بين مهنئي الجزائر على استقلالها سنة 1962.
كما أثنى مؤخرًا رئيس لجنة الاستعلامات في مجلس الشيوخ الأمريكي ديفن نونيز على علاقات بلاده مع الجزائر بالقول: «منذ زمنٍ طويلٍ منطقة استقرار، وبلد صديق، وحليف قديم للولايات المتحدة الأمريكية؛ وأضاف ترامب الجزائر إلى قائمة أصدقائه معتبرًا إياها شريكًا استراتيجيًّا مهمًّا تربطه علاقات قوية بالولايات المتحدة».
وأمام هذين النموذجين، تسير الجزائر مؤيّدةً تارة لأمريكا في خططها لمحاربة الإرهاب، وحليفةً استراتيجيةً لموسكو ومؤيدةً لها في العديد من القضايا التي أبرزها سوريا.
العلاقات الروسية الجزائرية.. بدأت وقت الثورة وعززّها بوتفليقة
لم يكن موقف الاتحاد السوفيتي من الثورة الجزائرية حاسمًا منذ البداية؛ إذ عبّر في بادئ الأمر بأن القضية الجزائرية قضيةٌ فرنسيةٌ ويجب أن تُحلّ داخليًّا، ولكن موقفه تغيَّر بعدما لاحظ زعماؤه بعض مؤشرات اتجاه دول العالم الثالث نحو الاقتداء بالنموذج السوفيتي، وهو ما اعتبر دليلًا على اتجاه تلك الدول نحو الشيوعية، لذا اتجهوا إلى تحسين علاقاتهم مع دول العالم الثالث وشعوبه، فصرّح الزعيم السوفيتي نيكيتا خروتشوف في هيئة الأمم المتحدة 1957 بأنه يشعر بأن الوقت قد حان لمناقشة الأوضاع الجارية في الجزائر، لتكون بعدها موسكو من بين الدوّل التي تعترف بالحكومة الجزائرية.
كان هذا التقارب السوفيتي مع الجزائر حجر الأساس للسياسة الجزائرية بعد الاستقلال، إذ انتهجت الحكومات الجزائرية المتعاقبة في ما بعد النهج الاشتراكي، وساهم الاتحاد السوفيتي من خلال خبرائه في تشييد العديد من المنشآت الحيوية في الجزائر، كمُركّب الحجار لصناعة الحديد والصلب في ولاية عنابة، كما استعانت الجزائر الناشئة وقتئذٍ بالخبرة السوفيتية في التكوين والتأطير؛ إذ قام الاتحاد السوفيتي بتكوين عدد كبير من الإطارات الجزائرية في مختلف التخصصات، فيشغل حاليًا ما يقرب من 20 ألف إطار جزائري تلقوا تكوينهم في الاتحاد السوفيتي مناصب مهمة في مختلف القطاعات.
وشملت العلاقات بين البلدين من مرحلة حكم بومدين إلى حكم بوتفليقة على مدار 50سنة تعاونًا وتحالفًا شمل ميادين عدة، توّجتها روسيا بكونها الممول الرئيسي للجزائر في مجال الأسلحة، إذ إن 93% من أسلحة الجيش الجزائري قادمة من روسيا، إضافةً إلى عقدها العديد من صفقات الأسلحة التي بلغت قيمتها 11 مليار دولار في الفترة ما بين سنة 1962 إلى سنة 1989، وهذا يعكس أهمية العلاقات ما بين البلدين، كما وقّعت الجزائر مع موسكو عام 2016 على صفقة أسلحةبقيمة مليارين و800 مليون دولار، وطلبت من موسكو اقتناء منظومة الدفاع الجوي «إس 400».
وأمّا بالنسبة لجانب السياسات الخارجية للبلدين، والتي ميّزت علاقة الصداقة والتحالف بينهما، كانت سياسات الجزائر الخارجية متوافقةٌ إلى حدٍّ كبيرٍ مع السياسة الروسية، ففي سوريا اتّفقت مقاربات البلدين على الدفاع عن حكم الأسد، وهذا ما جعل الجزائر تعارض الإجماع العربي في الجامعة العربية بخصوص تجميد مقعد سوريا من الجامعة، إضافةً إلى الدعم المعنوي والمادي المقدم من الجزائر لنظام الأسد؛ مساهمةً في فكّ الحصار السياسي العربي المضروب على دمشق بعد زيارة وزير الخارجية السوري وليد المعلم إلى الجزائر واستقباله الرسمي فيها، وكذا زيارة وزير الخارجية الجزائري عبد القادر مساهل إلى دمشق. أما عن تدخّل روسيا العسكري في سوريا؛ فكانت الجزائر في بعض المرّات نقطة تزوّد الفرقاطات الروسية بالوقود وهي في طريقها إلى سوريا.
اقرأ ايضًا: مترجم: ما نحتاج إلى معرفته حول الجيش الجزائري
وحسب الأستاذ بقسم العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة باتنة د. عبد الله راقدي، فإنّ موقف الجزائر من الأزمة السورية «جاء بمساندتها جهود الدولة السورية في محاربة ما سمّاه بالإرهاب، وتشجيع الحوار السوري– السوري لإيجاد مخرجٍ من المأزق السياسي، من خلال مصالحة وطنية سورية استنساخًا لتجربة الجزائر إبّان العشرية السوداء، وكذا دعم جهود روسيا لإعادة الأمن والاستقرار، وحماية الوحدة الترابية لسوريا، ومنع خطر التفكك وفشل الدولة».
لم تكن سوريا وحدها نقطة التوافق الروسي الجزائري، فقد شهدنا تطابقًا للرؤى بين موسكو والجزائر إلى أبعد الحدود في ما يخصّ الصراع في ليبيا؛ فالجزائر وروسيا عارضتا التدخل العسكري للناتو لإسقاط نظام القذافي؛ كما ينسّقان معًا في الملفّ الليبيّ ويؤكّدان «ضرورة دعم الجهود لإيجاد تسوية سياسية تمكن من تنفيذ الاتفاق السياسي الليبي، بما يضمن تعزيز مؤسسات الدولة الليبية، ويكفل مواجهة التحديات التي يواجهها الشعب الليبي»، تجلى ذلك من خلال لقاء وزير الخارجيّة الجزائريّ مع المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ميخائيل بوغدانوف، في عمّان العام الماضي.
الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة رفقة الرئيس بشار الأسد سنة 2008- مصدر الصورة (سوريا نيوز)
كما اتفقت الجزائر وروسيا من خلال الدورة الثانية للمشاورات الثنائية بين البلدين، والتي انعقدت في الجزائر منتصف العام الماضي على محاربة الإرهاب، وهي الدورة التي عرفت إشادة موسكو بالجهود التي تبذلها الجزائر لصالح دول جوارها المباشر، لا سيما في ليبيا من أجل التوصّل إلى «حلٍّ سياسي يتفاوض عليه الليبيون أنفسهم، مبني على الاحترام والسيادة الوطنية».
جهود الجزائر المستحسنة روسيًّا في ليبيا كانت آخر فصولها تنسيق مباشر بين البلدين من أجل إقحام نجل الرئيس الليبي الراحل سيف الإسلام القذافي في جلسات الحوار الليبية، لتوضيح حرصهما على حضور «كافة الأطراف الليبية».
واشنطن والجزائر.. صداقةٌ أم تضارب مصالح؟
قبل 300 سنة شدت الجزائر أولى بذور العلاقات مع الولايات المتّحدة الأمريكيّة خلال مرحلة الوجود العثماني في الجزائر، بعد توقيع الولايات المتحدة على معاهدة تحمي الجزائر بموجبها السفن التجارية الأمريكية في البحر المتوسط.
بعد استقلال الجزائر سنة 1962، شهدت العلاقات الجزائرية الأمريكية حتى الألفية الجديدة عدّة محطّات ومواقف اتّسمت بالتقارب تارة، والبرود تارة أخرى؛ تجلت تلك المرحلة في نجاح الجزائر في الوساطة بين أمريكا وإيران في أزمة الرهائن الأمريكيين المحتجزين في طهران من سنة 1979 حتى سنة 1982؛ وهي الأزمة التي كادت أن تأخذ أبعادًا كبرى؛ لتعبّر الولايات المتحدة الأمريكية عن امتنانها وشكرها للجزائر على موقفها، وقد كان أبرز مُحدّد للعلاقة بين الجزائر وأمريكا هو الاستثمار في مجال النفط، بالإضافة إلى تقارب المواقف تجاه بعض القضايا والاختلاف في الكثير منها.
غير أن العلاقات الجزائرية الأمريكية شهدت ولادةً جديدةً وتقاربًا استثنائيًّا بعد هجمات 11 سبتمبر (أيلول) من عام 2001؛ بهدف محاربة ما يسمّى بالإرهاب الذي صار شأنًا دوليًّا، وقد رأى النظام الجزائري الخارج من توّه من حرب أهلية مع الإسلاميين المسلّحين بعد إيقاف المسار الديمقراطي، أنّ الولايات المتّحدة وباقي العالم قد تفطّن -أخيرًا- للخطر الذي حذّرت منه طوال تسعينيات القرن الماضي، وبالتالي فقد كسب أقوى حليف من الممكن تخيّله في حربه على ما يسمّيه الإرهاب.
وفي وقتٍ كانت أنظمة عربية ترزح تحت تهديد ثورات الربيع العربي، سارعت الجزائر بإصلاحاتٍ سياسيّة لقطع الطريق على انتقال الحِراك إليها؛ وهي الإصلاحات التي ثمنتها وزيرة الخارجية الخارجية الأمريكية وقتها هيلاري كلينتون، ووصفتها بالإصلاحات الديمقراطية العالية، والتي تمثلت في قرارات بوتفليقة برفع حالة الطوارئ، وإنهاء احتكار الدولة للإعلام، ونقل الإشراف على الانتخابات من الداخلية إلى القضاء.
ربيع العلاقات بين واشنطن والجزائر لم يسلم من رياح التعكير، ففي يناير (كانون الثاني) من سنة 2013، شنّ تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي هجومًا على وحدة إنتاج الغاز في عين أميناس جنوب شرقي الجزائر، احتجز فيه مئات الرهائن من جنسيات مختلفة وقتلوا ثمانية منهم؛ وطلبوا التفاوض لإطلاق سراح الرهائن، إلّا أنّ الجزائر رفضت التفاوض وشنّت قوّات من الجيش الجزائري هجومًا على موقع احتجاز الرهائن، وأثناء الهجوم استطاعت القوّات تحرير بعض الرهائن. وقد أثار هذا الحادث انتقاداتٍ أمريكية بسبب استعمال الجزائر القوة العسكرية أثناء التحرير، لكنها انتهت بتحميل الرئيس الأمريكي أوباما مسؤولية الهجوم لتنظيم القاعدة.
ليسود جوٌّ من الهدوء في العلاقات، ترجمته زيارة وزير الخارجية الأمريكي جون كيري إلى الجزائر؛ وهي الزيارة التي أسالت الكثير من الحبر نظرًا إلى موعدها الذي تزامن مع اقتراب الانتخابات الرئاسية، وإن كانت الدوافع الظاهرية للزيارة هي تعزيز التعاون بين البلدين في خصوص ملفات الطاقة ومحاربة الإرهاب، إلّا أن البعض رأى في الزيارة تدخلًا أمريكيًّا في الانتخابات الجزائرية، وتزكيةً لبوتفليقة للعهدة الرابعة.
بمجرد إعلان نتائج الرئاسة الأمريكية بمجيء دونالد ترامب للبيت الأبيض؛ سارع الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة إلى إرسال رسالة تهنئة لدونالد ترامب، أعرب له فيها عن أمله في استمرار العلاقات الطيبة بين البلدين؛ وهو ما أعلنته الخارجية الأمريكية عند وصفها الجزائر بـالشريك المهم في عزّ الحملة التي كان يقودها ترامب ضد أعدائه بمنعه مواطني ست دول مسلمة من دخول أمريكا، وتصعيد لهجته ضدها.
وخلال قمة الرياض المثيرة، أعرب دونالد ترامب عن استعداده لرفع مستوى التعاون مع الجزائر، وذلك خلال محادثات أجراها مع رئيس مجلس الأمة (الغرفة الثانية من البرلمان الجزائري) عبد القادر بن صالح.
ساسة بوست