
أثار بيان غامض لتنظيم متطرف «يشيد» بعمل هيئة «الحقيقة والكرامة» ويطالب بفتح ملف «الثروات المنهوبة» جدلاً كبيراً في تونس، حيث شكّك البعض بمصداقية البيان، وخاصة أنه يدعو للتظاهر «السلمي» فضلاً عن تأييده لهيئة دستورية، وهو ما يتناقض مع قناعة المتطرفين الذين لا يؤمنون أساسا بمفهوم الدولة المدنية، فيما اعتبر آخرون أنه بيان «مفبرك» لضرب مصداقية الهيئة التي تخوض معركة متواصلة مع بعض الأطراف السياسية الساعية لإنهاء عملها كهيئة مشرفة على مسار العدالة الانتقالية في البلاد.
وكانت وسائل إعلام وصفحات اجتماعية تحدثت عن بيان منسوب إلى كتيبة «عقبة بن نافع» التابعة لتنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» تم نشره على تطبيق «تليغرام»، دعت فيه إلى «كشف المستور من ملفات الهيمنة الأجنبية على تونس»، مشيداً بعمل هيئة «الحقيقة والكرامة» التي قال إنها أماطت اللثام عن الوثاق التي «تفضح الاستغلال الصليبي الفاحش لثروات البلاد»، كما دعا إلى تظاهرات «سلمية» لمطالبة السلطات التونسية بكشف الحقيقة فيما يتعلف بملف «الثروات» المنهوبة من قبل الشركات الأجنبية في البلاد.
البيان أثار جدلا كبيرا في تونس، واعتبر البعض أنه نتيجة «طبيعية» للتجاوزات التي قامت بها الهيئة ضد الدولة التونسية، حيث كتب الباحث عادل اللطيفي (أحد الموقعين على بيان المؤرخين ضد هيئة الحقيقة والكرامة) على صفحته في موقع «فيسبوك»: «هذه كتيبة عقبة الإرهابية تشكر هيئة بن سدرين و(المؤرخ) عبد الجليل التميمي. مبروك عليكم. هذه المخاطر التي تحدث عندما يتم استهداف الدولة من طرف مسؤولين غير مسؤولين يغالطون الشعب».
فيما شكّك آخرون بمصداقية البيان، حيث كتب الباحث المختص بقضايا الإرهاب سامي براهم تحت عنوان «تحليل أوليّ لبيان غريب»: «الفصائل السلفيّة الجهاديّة لا تؤمن بالكيانات القُطريّة، لا لأسباب سياسيّة تتعلّق بالموقف من سايكس بيكو بل لموقف دينيّ عقائديّ من مفهوم «الوطن والوطنيّة والدّولة الوطنيّة والعلم» باعتبارها طواغيت، وهو مفهوم مناقض لمفهوم الأمّة والخلافة باعتبارها عقيدة وشريعة. كما لا تؤمن هذه الفصائل بالاستقلالات الوطنيّة سواءً كانت مكتملة أو ناقصة. كما لا تؤمن بالتظاهرات السلميّة كوسيلة للتعبير والاحتجاج ولا بالعدالة الانتقاليّة وهيئاتها التي تصالح الضحايا بالجلادين الطّواغيت الذين ينسحب عليهم باعتقادهم حكم هدر الدّم بالذّبح وقد مارسوه بحقّ جنودنا وأمننا. ولم يتضمّن أيّ من بياناتها إدانة للإرهاب أو إيراده في سياق استهجان وتجريم، بل الإرهاب في اعتقادهم لفظ قرآنيّ حكم شرعيّ من خلال فهم مشوّه للآية «ترهبون به عدوّ الله وعدوّكم»، ولم يدرجوا على استعمال عبرات الرّحمة في توصيف النبيّ فهو في تمثّلهم النبيّ الذي جاء بالذّبح وهو الضّحوك القتّال، فضلا عن أخطاء لغويّة مثل رسم الهمزة».
وأضاف «إنّ صحّت نسبة البيان إلى كتيبة متحصّنة بالجبال، فهي مقدمات نقلة نوعيّة أشبه بإعادة الانتشار حيث يكون لفصيل عسكريّ في كهوف الجبال امتداد سياسيّ وسط الحضر يحرّض النّاس على التظاهر دفاعا عن استقلال البلد وثرواته كأيّ حزب سياسيّ أو كتلة برلمانيّة، «وليس هذا بمستحيل في إطار العودة إلى مرحلة أرض الدّعوة وتشكيل الحاضنة الشعبية»، وربّما قاد مكشوف الوجه أو بشكل مقنّع هذه التحرّكات التي انفرد بالدّعوة لها من دون كلّ الفاعلين السياسيين والجمعويّين. طبعا كلّ هذا التحليل على افتراض صحّة نسبه هذا البيان الغريب لهذه الكتيبة».
في حين اعتبر الباحث طارق الكحلاوي القيادي في حزب حراك تونس الإرادة» أن المشكلة ليست في صحة البيان بل في مساندة تنظيم للمنظومة القديمة التابع لنظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي، حيث كتب على حسابه في موقع «فيسبوك»: «بيان ذراع قاعدة المغرب في تونس المُرجح انه صحيح لأنه صدر في الاطار الذي يتم نشر بياناته فيه عادة (حساب «مؤسسة الاندلس» على تطبيقة تيليغرام) التنظيم الأم في الجزائر لايزال قائما حتى لو تلقى ذراعه في تونس عديد الضربات (للتذكير الذراع التونسي كان دائما تحت قيادة جزائرية).
القاعدة التي مسكت وتمسك بالسلاح وساهمت بأعمالها الارهابية في زعزعة المسار الديمقراطي في تونس تشيد بأحد مخرجات هذا المسار (هيئة الحقيقة والكرامة). القاعدة التي تمارس العنف ضد مؤسسات الدولة من جيش وامن تدعو «للتظاهر السلمي». هي ذات القاعدة التي صاغت «ادارة التوحش» الذي ينص بوضوح على التلاعب بين منهجية عنيفة ومنهجية سلمية (وهو ما تم تطبيقه بحرفية بين سنتي 2011 و2013). فعندما تمر بمراحل ضعف وتريد مغالطة البعض تعيد استخراج قناعها السياسي السلمي».
وأضاف «المشكلة ليس في صحة البيان ونظريات المؤامرة التبسيطية، المشكلة انه يؤكد مرة أخرى ان القاعدة مكون أساسي في مسار الثورة المضادة جنبا الى جنب المنظومة القديمة، إذ توفر لها (بشكل واع أو غير واع مسألة أخرى لسنا بصدد نقاشها) الارضية لوسم من يدافع بجدية عن المسار الديمقراطي (بمضامينه الاساسية: عدالة انتقالية، استقلال حقيقي وسيادة الشعب) بوسم الارهاب، وتوفر لها المضامين الاعلامية وعناصر الخطاب لوسم من يقف مع الهيئة والتظاهر السلمي معها ومن يطالب بكشف الحقيقة ومن يسائل «الاستقلال» بالتقاطع مع الارهاب. ولا ينقص الان الا عملية اخرى في الجبال او المدن لتساهم في خلط الاوراق اكثر كالعادة واسناد نقاط اضافية للمنظومة القديمة وهي التي تحتاجها قبل الموسم الانتخابي».
وتابع الكحلاوي «المشكلة الأخرى هي فيمن يقللون من شأنها ومن شأن خطرها وأصلا في وجودها، وهي التي ساهمت بقوة في ايصالنا في صيف 2013 في توفير الارضية للانقلاب، هي طرف قائم الذات، وسواء يقع استخدامه بوعي او غير وعي لا ينفي انه مكون موجود في الواقع».
يُذكر أن السلطات التونسية أعلنت عام 2016 القضاء على معظم قيادات كتيبة «عقبة بن نافع»، إلا أن هذا التنظيم المتطرف عاد للضوء بعدما نفذ عدة عمليات إرهابية ضد جنود تونسيين فضلا عن ذبحه لراعيي غنم في ولاية «القصرين» غربي البلاد.
القدس العربي