
رغم توتر العلاقات بينهما وفي خطوة وصفها البعض بـ”الإيجابية” أعلنت الرئاسة الجزائرية دعمها الكامل لملف استضافة المملكة المغربية لكأس العالم لكرة القدم 2026، كما أوعز الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لوزير الرياضة والشباب السيد الهادي ولد علي بإجراء الاتصالات اللازمة مع الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) في هذا الصدد.
السلطات الجزائرية لم تكتف بإعلان دعمها للملف المغربي وفقط، بل وافقت أيضًا على طلب وزارة الرياضة المغربية بضم نجم كرة القدم الجزائرية لخضر بلومي، إلى قائمة سفراء الملف المغربي التي تضم الإيفواري ديدييه دروغبا والكاميروني صامويل إيتو.
ورغم ما تسرب من أخبار بشأن رفض بلومي البالغ من العمر 59 عامًا الانضمام لبعثة الجارة “احترامًا لبلده” بحسب وصف تقارير جزائرية، فإن الموافقة من الرئاسة كانت بمثابة الضوء الأخضر للنجم الجزائري لدعم ملف المغرب في مشواره نحو استضافة المونديال.
تفاؤل أبداه البعض تجاه هذه الخطوة التي تعكس حرص الجزائر على تقديم روابط العروبة والإسلام وحسن الجوار على الخلافات كافة، مما يؤهلها لأن تكون بوابة نحو استعادة العلاقات بين البلدين إلى ما كانت عليه في السابق، وفتح الحدود بينهما، بينما آخرون ذهبوا إلى أنها لا تعدو خطوة في إطار التفاهمات الرياضية بين الجارتين، دون أن تحتمل المزيد من التفسيرات السياسية الأخرى.
40 عامًا من التوتر
يعود توتر العلاقات بين البلدين إلى عام 1976 حين أعلنت جبهة “البوليساريو” قيام “الجمهورية العربية الصحراوية” من طرف واحد، اعترفت بها بعض الدول بشكل جزئي، لكنها ليست عضوًا بالأمم المتحدة، وذلك بعد إنهاء الاحتلال الإسباني للإقليم عام 1975، ليتحول النزاع بين المغرب و”البوليساريو” إلى نزاع مسلح، استمر حتى عام 1991، وتوقف بتوقيع اتفاق لوقف إطلاق النار.
الرباط تصر على أحقيتها في إقليم الصحراء، وتطالب بتدشين حكمًا ذاتيًا موسعًا تحت سلطتها وسيادتها، وهو ما ترفضة “البوليساريو” التي تطالب بتنظيم استفتاء لتقرير مصير الإقليم، وهو طرح تدعمه الجزائر التي تؤوي النازحين الفارين من الإقليم بعد استعادة المغرب له.
موجات من المد والجذر شهدتها العلاقات بين الجارتين طيلة هذه الفترة، وصلت في بعض الأحيان إلى طريق مسدود، كما جاء على لسان وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي المغربي ناصر بوريطة، في حديث أجرته معه الأسبوعية الدولية “جون أفريك” أغسطس الماضي، حين قال إن العلاقات بين المغرب والجزائر دخلت طريقًا مسدودًا على جميع المستويات، موضحًا أن العلاقات بين البلدين جامدة منذ سنوات ولم تشهد أي تطور، إذ إن الزيارات الرسمية المتبادلة بين البلدين الجارين توقفت منذ أكثر من سبع سنوات، مشيرًا إلى أن هذا الوضع جعل التنسيق يصل إلى درجة الصفر.
وريطة اتهم في حديثه الجزائر بالقيام بحملات دبلوماسية وإعلامية شرسة لتعطيل عودة المغرب إلى منظمة الاتحاد الإفريقي، وذلك بعد أن أعلنت الرباط رغبتها في العودة مرة أخرى، حيث قال: “ما يؤكد توقف العلاقات بين البلدين أن المغرب عندما أعلن نيته العودة إلى الاتحاد الإفريقي، قادت الجزائر عدة حملات دبلوماسية وإعلامية قوية ضده”.
تصريحات وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي المغربي تجاه الجزائر لم تمنعه من زيارتها في يوليو 2016، في محاولة لتخفيف حدة التوتر بين البلدين والاتفاق على ترسيخ أسس للتعاون المشترك في القضايا الملحة على الأقل، كان على رأسها مكافحة الإرهاب وتفعيل التعاون الأمني بين البلدين، غير أنها لم تسفر عن خطوات إيجابية ملموسة وإن جاءت في إطار مساعي التقريب بين الجارتين.
وبينما تتواصل الاتهامات بين البلدين جاء دعم السلطات الجزائرية للملف المغربي لاستضافة كأس العام والموافقة على ضم لاعبها بلومي لقائمة سفراء المملكة، ليرفع مجددًا منسوب التفاؤل عند البعض بشأن احتمالية كسر الجمود في العلاقات بين البلدين.

الدعم الجزائري لجبهة البوليساريو أبرز نقاط الخلاف مع المغرب
كسر الجمود في العلاقات
ذهب البعض إلى أن اللفتة الجزائرية الأخيرة ربما تكون بداية انفراجة حقيقية في الأزمة مع المغرب، ومقدمة لإعادة فتح الحدود بين البلدين الشقيقيين، وانطلاق مسيرة الحوار المنتظر بشأن القضية الأهم التي باعدت بينهما، وهي قضية الصحراء الغربية، وربما إلى حل مقبول يرضي جميع الأطراف.
أسطورة كرة القدم المغربية بادو الزاكي، علق على هذه الفتة، قائلاً: “موقف الجزائر ودعمها الملف المغربي لاستضافة منافسات مونديال كأس العالم لعام 2026 فرصة لفتح الحدود بين الأشقاء”.
فيما أشار آخرون إلى أن دعم الجزائر للمغرب في ملف استضافته لكأس العالم يحمل العديد من المكاسب السياسية والاقتصادية بجانب الرياضية، وهو ما أشار إليه المحلل السياسي المغربي رشيد لزرق الذي أوضح أن انضمام الجزائر للدول الداعمة للمغرب، يجعله يحظى بدعم غالبية اتحادات القارة الإفريقية، ومن ثم يعد الملف المغربي بمثابة ترشيح للقارة “السمراء”، خاصة أنه لم يحظ بشرف التنظيم إلا مرة واحدة فقط كانت بجنوب إفريقيا سنة 2010.
أستاذ العلوم السياسية كشف أيضًا أن المنفعة الاقتصادية التي تعود على المغرب من استضافة المونديال يستفيد منها جميع دول الجوار، خصوصًا الجزائر، لافتًا إلى أن غالبية الملاعب التي خطط المغرب لتخصيصها لمباريات كأس العالم في مناطق وجدة والناظور وتطوان، وجميعها من المناطق المحاذية للجزائر؛ الأمر الذي يساهم وفقًا للزرق في مضاعفة المعدل التجاري، خصوصًا إذا تم فتح الحدود البرية بين الدولتين.
منحى آخر ذهب إليه عدد من المحللين بشأن إمكانية أن يكون دعم الجزائر للمغرب فرصة سانحة لتوحيد جبهة الدولتين في مواجهة الحملة التي يقودها بعض مسؤولي الخليج وعلى رأسهم تركي الشيخ رئيس الهيئة الرياضية السعودية الذي واصل استنكاره مرارًا وتكرارًا لعزم المغرب استضافة كأس العالم، ملوحًا عبر عدد من تغريداته لدعم مصر حال رغبتها في التقدم لاستضافة المونديال وهو ما أثار حفيظة الكثيرين من المغاربة.
تشهد العلاقات المغربية الخليجية في الآونة الأخيرة حالة من التوتر بسبب تباين المواقف حيال بعض الملفات على رأسها الموقف من الأزمة القطرية والتقارب مع تركيا والموقف من حزب الله وإيران، وهو ما قد يضع المغرب والجزائر في جبهة واحدة في مواجهة الفريق السعودي الإماراتي، وبحسب البعض، ربما تكون هذه الوضعية سببًا ودافعًا للتقارب بين الجارتين.

انضمام لخضر بلومي لقائمة سفراء الملف المغربي
تصعيد في اللهجة
فريق آخر ذهب إلى أن موقف الجزائر لا يجب أن يفسر إلا في إطار التفاهمات الرياضية، حتى في ظل حالة التوتر السياسي الراهنة، إذ إن الأزمة المستعرة بين البلدين أكبر وأشد تعقيدًا من أن تحل بدعم لملف رياضي أو تبادل زيارات هامشية لا تعدو كونها بروتوكلاً دبلوماسيًا للحفاظ على الحد الأدنى من العلاقات مع دولتين من المفترض أن تجمعها مصالح مشتركة.
وربما يعزز وجهة أنصار هذا الفريق تلك التصريحات الصادرة عن العاهل المغربي محمد السادس، أمس الأربعاء، في اتصال هاتفي مع أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، حين اتهم الجزائر بأنها “تتحمل مسؤولية كبيرة في قضية الصحراء، خصوصًا أنها تمول البوليساريو وتحتضنها وتدعمها دبلوماسيًا”.
وكالة الأنباء المغربية، أفادت أن العاهل المغربي أخبر غوتيريش، خلال الاتصال، أن “هذا النزاع الإقليمي (قضية الصحراء) الذي امتد لأزيد من 40 عامًا، تتحمل الجزائر مسؤولية صارخة فيه، خصوصًا أنها تساندها (البوليساريو)”، مضيفًا أن بلاده ترفض “استفزازات البوليساريو والتوغلات غير المقبولة”.
المغرب صعد من لهجته ضد الجزائر قبل أربعة أيام تقريبًا حين اتهم جبهة البوليساريو، بنقل “مراكز عسكرية (خيام وآليات) من مخيمات تندوف في الجزائر، إلى شرق الجدار الأمني الدفاعي (منطقة عازلة) للصحراء المغربية (إقليم الصحراء)”، معتبرًا “ما تقوم به الجبهة عملاً مؤديًا للحرب وخرقًا لاتفاق وقف إطلاق النار، يستهدف تغيير المعطيات والوضع القانوني والتاريخي على الأرض، وفرض واقع جديد على المغرب”.
نون بوست