
علي عبداللطيف اللافي
استعرضنا في الجزء الأول من هذه القراءة كيفية تنامي وتطور الدور السياسي والاجتماعي للسبتمبريين، وفسيفساء تياراتهم وطبيعة التفكك الداخلي، وبينا أيضا الموقع وطبيعة التجاذب مع حفتر…
وفي هذا الجزء الثاني سنستعرض علاقاتهم ببقية المكونات السياسية والاجتماعية، وعلاقاتهم الإقليمية وموقعهم في السيناريوهات المرتقبة في ليبيا …
6– السبتمبريون وعلاقاتهم بمكونات المشهد السياسي والاجتماعي
أ- إن الطبيعة الأمنية والعسكرية والثقافية لانصار القذافي تجعلهم في عداء فكري وسياسي مع بقية المكونات، ومع المنشقين على النظام سنة 2011 من ليبراليين واداريين وتكنوقراط، ولكن طبيعة التنوع قد تجعل البعض منهم قادرا على القبول بالمتغيرات وتفهم الواقع الجديد محليا وإقليميا، في علاقته بالإسلاميين والليبراليين ودفع بعض ذوي التوجهات الناصرية واليسارية الى الاستنجاد بالسبتمبريين لبناء أحزاب قوية وفاعلة، كما أن العديد منهم ممن لم تتعلق بهم قضايا وجرائم قد يجدون أنفسهم في أحزاب ليبرالية ووسطية بالأساس، على غرار “حرك نعم ليبيا”، والذي يمكنه أن يكون بديلا سياسيا قادرا على الاستفادة من المسافة البينية المتروكة سياسيا واجتماعيا نتاج أنه خليط بين السبتمبريين والفبراريين، على أنه قد يجد نفسه يتنافس مع تحالف القوى الوطنية….
ب- أما العلاقة بالمكونات الاجتماعية فستختلف من مدينة الى أخرى لطبيعة الخارطة الاجتماعية والقبلية في ليبيا والتي لم تتغير منذ عقود…
7– في طبيعة الاصطفافات الإقليمية للسبتمبريين
إن الخارطة المكونة لأنصار القذافي متنوعة ومعقدة التركيب من حيث التكوين الفكري والعسكري وتغير الرؤية السياسية للمستجدات والمتغيرات وهو ما يعني أن السبتمبريين ليسوا وحدة متكاملة من حيث الاصطفاف الإقليمي:
أ- بعضهم قريب من الامارات لوجستيا وماديا وفي قراءاته للمسارات التي يجب ان تكون عليها المنطقة مستقبلا…
ب- يجد البعض الآخر مساحات في تركيا لإدارة أعمالهم التجارية والخدماتية…
ت- أما العلاقة مع مصر فهي تخص السبتمريين الأقرب الى حفتر أو بعض المقربين من عقيلة صالح، أو المقربين من أحمد قذاف الدم وحزبه الواجهة حركة النضال الوطني …
ث- أما الجزائر فعلاقتهم بها هي أقرب للتعقيد والتنوع أي من التواصل الكامل الى التنافر نتاج عوامل عدة على غرار أنها تتعامل مع كل المكونات والأحزاب….
ج- يدافع بعض السبتمبريين على نظام الأسد ويعتبرون ان بقاءه هدف استراتيجي لهم…
ح- تتناقض علاقاتهم مع السعودية من مكون الى آخر ومن فرد الى آخر لطبيعة الإرث التاريخي بين نظام العقيد والسعوديين رغم الحديث عن أن المقربين من سيف الإسلام يضعون كل ثقلهم في سلة المملكة…
8- موقع السبتمبريين داخل السيناريوهات المرتقبة في ليبيا
تؤكد المعطيات القريبة من الفاعلين في إدارة الملف الليبي في المطابخ السياسية الدولية أن هناك أربع سيناريوهات يقع الاشتغال عليها:
أ- السيناريو الأول، وينبني على الدفع في مزيد توتير الساحة الليبية وتقسيم المقسم وتجزئة المجزأ وصرف النظر عن معالجة الأزمة مما يفتح الأمر على سيناريوهات غامضة وخطيرة، وهو سيناريو ضعيف ولكنه خطير وقد يؤدي للحرب الاهلية، وقد تكون خاتمة ذلك تسليم حكم ليبيا لشخص أو طرف مستعد أن يبيع سيادة ليبيا، وهو سيناريو سيخسر به السبتمبريون كل شيء رغم ان بعضهم يعتقد أن ذلك طريقة ممهدة لسيناريو القذافي2…
ب-السيناريو الثاني، وهو سيناريو ينبني على إجراء تعديلات تجميلية على سيناريو “القذافي2” عبر إيجاد تسويق إقليمي ودولي لحفتر مثلما حدث في نوفمبر 2014 او لشخص بديل له وفي هذه الحالية سينقسم السبتمبريون الى فريقين …
ت- السيناريو الثالث، ويتمثل في إعادة تفعيل ناعمة لسيناريو ليبيا الغد والترويج لفكرة سيف الإسلام القذافي كزعيم مستقبلي، الا انه سيناريو ضعيف نتاج وضعه الصحي ومذكرات الجنائية الدولية، خاصة بعد التقرير الفرنسي الذي يتحدث عن مصيره الغامض وسيكون الانقسام داخل صف السبتمبريين قائم أيضا…
ث- السيناريو الرابع، وهو سيناريو الدفع بإجراء الانتخابات في نهاية السنة الحالية على ان يسبق ذلك بتكوين جسم سياسي (أي استنساخ تجربة “نداء تونس” بنسخة ليبية)، والأقرب أن يكون السراج أولوي في هذا السيناريو، خاصة في ظل دعم أمريكي له منذ أشهر ووجود العديد من القيادات السبتمبريين كرئيسيين في التنزيل والدعم اللوجستي له، بينما سيقف بعضهم ضده والاصطفاف مع خصومه.
9- أي مستقبل سياسي للسبتمبريين؟
بينت الأحداث والتطورات أن الشعب الليبي أصبح اليوم أكثر نضجا مما مضى، حيث أثقلته التجارب السابقة التي مر بها وزادته يقظة، ولدى الليبيين اليوم قناعة تامة بأن ثورة فبراير حققت الكثير من أهدافها رغم الأخطاء القاتلة للعديد من النخب السياسية، وبناء على ذلك فإن السبتمبريين قد تتوفر لهم أسبقية عددية بالنسبة للناخبين فانهم قد يخسرون أوراقهم نتاج تجاذب علاقاتهم مع حفتر وسيف الإسلام وتفككهم الداخلي وبداية مسار تراجع الثورات المضادة في المنطقة خاصة وأن تيار المغالبة داخلهم بنى استراتيجياته على توظيف المنظومات القديمة في مسار عودتهم للساحة وأسندوها لوجستيا في ليبيا انطلاقا من مصر وتونس، ونتاج أن كل داعميهم لا يعتبرونهم طرفا بل آلية وأداة لتحقيق المرامي التكتيكية والاستراتيجية….
ولاعتبار ان المشهد السياسي الحالي معقد عمليا في طرابلس وأخطر في فزان، بينما لا توجد في برقة امكانيات تذكر لأي مخرجات سياسية، وهو ما يعني أن مستقبل السبمتبريين مرتبط بقدرتهم على القبول بخيار التوافق والدفع نحوه والا فانهم قد يخسرون كل شيء في اللحظة الحاسمة…
والثابت أنهم أي السبتمبريون قد عادوا واستعادوا بعض مساحات بسبب إخفاقات تيار فبراير وتسامحيته الغرضية، إلا أن تواصل الانقسام الجذري بين الافراد والتيارات داخلهم وطبيعة التكوين ووجود فريقين (الجذريين – الواقعيين) في قراءة التطورات وأيضا بين الرؤية المستقبلية وبين الحنين للماضي…
المصدر: صحيفة الرأي العام التونسية بتاريخ 05 أفريل 2018