
مع قيام الحرب العالمية الثانية،سارع الليبيون إلى الوقوف في صف الحلفاء،بعد أن تعهدت بريطانيا صراحة بأنه عندما تضع الحرب أوزارها فإن ليبيا لن تعود بأي حال من الأحوال تحت السيطرة الإيطالية.لكن النوايا الإستعمارية سرعان مع إتضحت بعد هزيمة إيطاليا الفاشية وسقوط كل من بنغازي وطرابلس في أيدي القوات البريطانية،وبدأت الثروات الليبية،خاصة بعد اكتشاف النفط في سنة 1957،تسيل لعاب الغرب الذي بدأ يسعى للسيطرة عليها.
وجاء الأول من سبتمبر 1969،لتدخل ليبيا مرحلة جديدة،مع قيام مجموعة من الضباط الشبان من ذوي الرتب الصغيرة وبقيادة الملازم معمر القذافي بتحرك ضد النظام الملكي والقيام ب ثورة الفاتح من سبتمبر،معلنين قيام الجمهورية العربية الليبية.وفي صبيحة ذلك اليوم،أكد القذافي ان “حرية ليبيا تبقى ناقصة طالما لا يزال جندي اجنبي واحد فوق ترابه”.
مرت أشهر قليلة عقب ذلك،وتحديدا يوم 28 مارس 1970،قامت ليبيا بإجلاء القواعد و القوات البريطانية عن ليبيا،دون قيد أو شرط، ليصبح هذا الحدث أحد المحطات الهامة في تاريخ ليبيا الحديث ورسالة إلى شعوب العالم التي كانت تكافح من أجل التخلص من الاستعمار،وتأكيدا على رفض كل التدخلات الأجنبية.
إجلاء القوات البريطانية من ليبيا،سرعان ما أعقبه إجلاء القواعد والقوات الامريكية،في11 يونيو من نفس السنة.في حين تم يوم 7 أكتوبر من نفس السنة ايضا إجلاء حوالي 20 الف ايطالي كانوا يسيطرون على كل النشاطات الاقتصادية في البلاد،معلنا إنهاء المشروع الاستعماري في البلاد الذي كان يعتمد على القوة المسلحة لتكبيل حرية الشعب و نهب ثرواته.
وتأتي الذكري 48 لإجلاء القواعد والقوات البريطانية في ليبيا،في وقت تعيش البلاد على وقع أزمات عاصفة،بدأت أحداثها مع التدخل الغربي في العام 2011،الذي اغتيال الاستقرار والأمن في هذا البلد العربي الغني بموارد الطاقة النفط والغاز.وتسبب ذلك في فراغ أمني، سمح بانتشار الجماعات المتطرفة التي تمكنت من السطو على مخازن السلاح التابعة للجيش الليبي، كما سيطرت على مدن بأكملها وفرضت على السكان قوانينها ورؤيتها المتطرفة، ووضع الليبيين أمام تحديات الانقسام وتصاعد النعرات الطائفية والقبلية، حتى أصبحت ليبيا تمثل تهديداً على المنطقة وأوروبا والمجتمع الدولي.
وكانت بريطانيا في مقدمة الدول التي شاركت في إحداث هذه الفوضى،وفي سبتمبر 2016،نشرت صحيفة “إندبندنت” تقريرا للصحافية ليزي دريدني، حول التدخل البريطاني في ليبيا، الذي جلب الفوضى، والاقتتال، وأشعل الصراعات في أفريقيا والشرق الأوسط، بالإضافة إلى تقوية تنظيم الدولة وتنظيم القاعدة، بحسب الخبراء.ولفت التقرير،إلى أن التنافس الدولي على الأراضي ولد حربا أهلية ثانية، مستمرة حتى اليوم، مخلفة حالة من انعدام القانون في أجزاء من ليبيا، ما سمح بتهريب المتطرفين، والأسلحة، والمهاجرين، الذين يمرون بليبيا للسفر عبر البحر الأبيض المتوسط إلى أوروبا.
من جهة أخرى مهد التدخل في ليبيا،لعودة المطامع الغربية التي مازالت ترى في هذا البلد العربي منطقة إستراتيجية تسعى للتواجد فيها.وبعد مرور 48 سنة على خروجها من الأراضي الليبية،تسعى بريطانيا للعودة لإحياء تاريخها في هذا البلد من بوابة محاربة الإرهاب.ففي أغسطس 2017،كشفت صحيفة “إكسبرس” البريطانية، في تقرير نشرته ،إن وحدات من القوات الخاصة البريطانية اُرسلت إلى ليبيا لمواجهة خطر تنظيم “داعش”، والتعامل مع شبكات تهريب المهاجرين.وقالت الصحيفة،”80 عنصرًا من قوات خدمة القوارب الخاصة مدعومين بأربعين من القوات البريطانية، تم نشرهم في ليبيا إلى جانب قوات من الولايات المتحدة وفرنسا وإيطاليا، في مهمة سرية لمنع (داعش) من إنشاء قاعدة له بالبلاد”
وأضافت أن “القوات تستهدف أيضًا شبكات تهريب المهاجرين، وتضغط على القوات الليبية لاتخاذ إجراءات أكثر صرامة ضد مهربي البشر وتدمير قوارب التهريب”.وتابعت: “تضم القوات البريطانية متخصصين في قيادة الطائرات دون طيار، يمكنهم مراقبة الصحراء المفتوحة، إلى جانب فريق متخصص بالحرب الإلكترونية لمراقبة الاتصالات الإلكترونية”.
ومنذ العام 2011،أصبحت ليبيا ساحة للإنتهاكات من أطراف عديدة وبأوجه مختلفة،وآخر هذه الإنتهاكات قيام مبعوث للاتحاد الأوروبي ويدعى “لوتشيانو كالانشبورا”،الإيطالي الجنسية، بتمثيل ليبيا في اجتماع الدورة 37 للجنة الإنقاذ التابعة للمنظمة العالمية للجمارك بالعاصمة البلجيكية بروكسل رغم وجود مندوب لليبيا في هذه المنظمة.
وفي الذكرى 48 من إجلاء الاحتلال،لا تزال تعاني من غياب سلطة موحدة،بينما تتواصل تحركات القوى الدولية وتثبيت وجودها على الأرض في رحلة البحث عن موطئ قدم في البلاد طمع في ثرواته مشرعنة وجودها بأعذار هي المتسبب فيها من قبيل محاربة الإرهاب وكبح جماح الهجرة الشرعية.وتبقى الوحدة الأمل الوحيد الذي في إنهاء الإنقسامات وإنشاء سلطة موحدة قادرة على إبعاد شبح التدخلات الخارجية.
عبدالباسط غبارة __ بوابة افريقيا الإخبارية