
بعد امتناع دام سنوات، قررت حكومة الجزائر -لأول مرة في تاريخها- فرض ضريبة على الثروة، في محاولة منها لمواجهة التراجع الحاد لإيراداتها، وهي الخطوة التي أثارت جدلا واسعا بخصوص تأثيراتها وفرص نجاحها.
وكان رئيس الوزراء الجزائري أحمد أويحيى أعلن أن بلاده ستفرض للمرة الأولى ضريبة على الثروة بداية من العام القادم، بهدف تأمين مصادر جديدة للتمويل بعد الانخفاض الحاد لإيرادات الطاقة، مؤكدا أن “هذه الضريبة ستشمل نحو 10% من سكان البلاد البالغ عددهم 41 مليون نسمة”.
وتعاني الجزائر من شح كبير في السيولة بسبب هبوط إيرادات النفط والغاز بأكثر من 50%، وتشكل هذه الإيرادات 95% من إجمالي الصادرات، و60% من إيرادات موازنة الدولة.
وتشير وثيقة الموازنة العامة للعام 2018 إلى أن “الضريبة على الثروة ستقتطع سنويا ما يعادل 1% من الثروات التي تصل إلى خمسين مليون دينار جزائري (450 ألف دولار)، على أن ترتفع كلما ارتفعت القيمة، على أن لا يتجاوز الاقتطاع 3.5% من الأموال السائلة والمنقولة والسيارات والعقارات والمجوهرات”.
ويقول الأستاذ في قسم العلوم الاقتصادية بجامعة ورقلة سليمان ناصر إن “هذا الإجراء كان مقترحا على الحكومات السابقة من طرف بعض الخبراء، وكذلك بعض النواب في البرلمان السابق، لكنه لم يلق إجماع النواب آنذاك عند المصادقة على قانون المالية لسنة 2017. لكن الآن عادت الحكومة لتقترحه في قانون المالية للعام 2018 نظرا للضائقة المالية الكبرى، والعجز الكبير الذي تعانيه خزينة الدولة جراء نقص المداخيل بعد انهيار أسعار النفط ابتداء من منتصف 2014”.
ضائقة مالية:
ورغم أنه لا توجد إحصاءات دقيقة تفيد بعدد الأغنياء أو المليارديرات في الجزائر، فإن ناصر يرى أن الحكومة “تبدو عازمة على خوض هذه التجربة لأول مرة بكل تحدياتها كما هي مطبقة في كثير من البلدان المتقدمة”.
وفي ظل تضارب الأرقام بشأن حجم الكتلة النقدية المتداولة بالسوق الموازية، والحجم المعتبر للاقتصاد الموازي، وضعف نسبة دفع الضرائب التي لا تتجاوز 30% في أحسن الحالات، يعتقد ناصر أنه “من الصعب تحديد من تنطبق عليه صفة الغني، ومن ثم من الصعب تحديد حجم الثروات الخاضعة لهذه الضريبة، خاصة مع تنوعها بين أموال سائلة مكتنزة في أغلب الأحيان خارج البنوك وعقارات وأسهم في شركات”.
وبالنظر إلى كل المعوقات أو التحديات السابقة، يقول الأستاذ الجامعي إن الحصيلة النهائية لضريبة الثروة ليست كلها لتمويل الميزانية، ومن الصعب الحكم على هذه التجربة من الآن، لكنه شدد على أن “كل الأمور ستتضح بعد مصادقة البرلمان على موازنة 2018 وعلى هذه النقطة بالذات دون تعديلها، وكذلك مرور سنة كاملة على هذا الإجراء لننظر في الحصيلة”.
قرار عاطفي:
وبينما توقع عضو مجلس المحاسبة سابقا عبد الرحمن مبتول أن تسهم الضريبة الجديدة في ضخ نحو خمسة مليارات دولار سنويا في خزينة الدولة، وصف رئيس حزب “جيل جديد” المعارض سفيان جيلالي إقرار هذه الضريبة بأنه “قرار ديماغوجي لربح عواطف الناس ليس إلا”.
وشدد على أن “الحكومة تبنت هذه الخطوة تحت تأثير الشارع الذي يتساءل عن سياسة الكيل بمكيالين التي تطبقها الحكومة، فهي تفرض سياسة التقشف وشد الحزام على الطبقات الضعيفة والمتوسطة، في حين تعفي الأغنياء من ضرائب واضحة، بل وتعطيهم امتيازات كبيرة عن طريق منحهم قروضا ضخمة وشطب ديونهم”، ليخلص إلى أن هذا القرار “شكلي فقط هدفه استرضاء المواطنين”.
ويستدل جيلالي على قوله بأن الحكومة تتحدث عن أربعة ملايين غني بالجزائر، في حين أن الواقع يكذب ذلك، “فالذين استفادوا من ريع السلطات وامتيازاتها لا يتجاوز عددهم بضعة آلاف”.
هروب الأموال:
وعن المخاوف التي يطلقها البعض بشأن تأثير ضريبة الثروة على هروب رؤوس الأموال، أكد المتحدث نفسه للجزيرة نت أن “هذه المخاوف تكون مشروعة لو أننا في بلد يمتلك اقتصادا شفافا، وتطبق فيه قاعدة التصريح بالممتلكات”.
ويضيف جيلالي أن “قاعدة السوق الموازية والأموال القذرة هي التي تفرض نفسها في الجزائر، كما أنه لا توجد إحصاءات دقيقة لعدد الأثرياء، ورجال النظام لهم ثروات كبيرة جدا لكنها هرّبت خارج البلاد، وهذا القانون لم يشر إليها لا من قريب ولا من بعيد”.
المصدر : الجزيرة