
عرض رئيس الوزراء الجزائري أحمد أويحيى أمس الأحد برنامج عمل حكومته أمام نواب مجلس الشعب، مدافعا عن الحلول التي جاء بها من أجل الخروج بالبلاد من الأزمة، وخاصة ما تعلق بقرار طبع المزيد من العملة لتغطية العجز، ضاربا لخصومه موعدا بعد خمس سنوات، كما هاجم الخبراء الاقتصاديين الذين قال إنهم لا يحسنون إلا التنظير.
واعتمد في عرض برنامجه على قدرته في الإقناع، منتقيا الأمثلة التي تدعم طروحاته، ومستبعدا تلك التي تضعف حجته، ورغم أن أويحيى تحدث كثيرا وعن كل شيء، لكن النقطة المحورية في كلام أويحيى وفي خطة عمل حكومته هي قرار الحكومة الجزائرية اللجوء إلى طبع مزيد من العملة لتغطية العجز في الميزانية، وتفادي اللجوء إلى الاستدانة الخارجية.
وبدأ أويحيى كلامه بالتأكيد على أن الجزائر صمدت خلال الثلاث سنوات الماضية، التي عرفت انهيارا في أسعار النفط، وذلك يعود، حسبه، إلى القرارات الحكيمة التي اتخذها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، خاصة ما تعلق بالتسديد المبكر للمديونية الخارجية، وعدم اللجوء إليها مجددا، فضلا عن قراره تأسيس صندوق ضبط الإيرادات، الذي كان يستفيد من الفائض في الأموال بين المداخيل والنفقات، وأن هذا الصندوق الذي كانت الحكومات السابقة تلجأ إليه كل سنة لتغطية العجز في الميزانية، أضحى اليوم فارغا.
ودافع عن القرار الذي اتخذته حكومته، مشددا على أنه الخيار الأقل ضررا، لأن اللجوء إلى الاستدانة الخارجية له عواقب وخيمة، وأن الجزائر جربت الذهاب إلى صندوق النقد الدولي، ودفعت الفاتورة غالية، معتبرا أن اللجوء إلى طبع مزيد من العملة ليس بدعة جزائرية، بل هو قرار لجأت إليه الكثير من الدول في السابق، بما في ذلك اليابان، وأن تطبيق هذا القرار سيسمح بتصحيح الكثير من الاختلالات في الاقتصاد، وأن القرار هذا في كل الحالات سيكون ظرفيا، ولن يتجاوز الخمس سنوات، وأن هذه الفترة ستسمح بإجراء إصلاحات اقتصادية وهيكلية، وستجنب اللجوء إلى زيادات في الضرائب والأسعار في السنتين المقبلتين على الأقل، والتي حتى وإن أقرت لم تكن كفيلة بتغطية العجز الموجود.
وهاجم رئيس الوزراء الخبراء الاقتصاديين الذين كادوا يجمعون على انتقاد قرارات حكومته فيما يتعلق بطبع المزيد من العملة، مشددا على أن السياسيين إذا انتقدوا خيارات الحكومة، فذلك أمر عادي، أما الخبراء فهؤلاء مهمتهم التنظير، في حين أن مهمة الحكومة هي ضمان رواتب العمال ومعاشات المتقاعدين، مشددا على أن القرارات التي اتخذتها حكومته تعرضت للانتقاد، وأنه سيأتي يوم يدرك فيه من ينتقدون أنهم كانوا على خطأ، مثلما كان عليه الحال بالنسبة لقانون المصالحة الوطنية الذي جاء به الرئيس بوتفليقة، وصوتت عليه أغلبية الجزائريين في استفتاء شعبي، ورغم أن البعض انتقده عند عرضه، إلا أنهم اعترفوا بفضله في إعادة السلم بعد ذلك بسنوات.
وحاول أويحيى طمأنة الجزائريين، بالتأكيد على أن هذه الأزمة دورية، وأن الجزائر تعرف أزمات بين فترة وأخرى، وأن هذه الأزمات تأتي بدون سبب وبدون مبرر، ولكن الجزائر تمتلك القدرة على الخروج منها، داعيا إياهم إلى عدم سماع الأصوات التي تدفع إلى التيئيس.
الأشياء التي لم يقلها هي أن الأزمة الاقتصادية التي تعيشها الجزائر ليست وليدة الصدفة، وليست مجهولة الأسباب، فالسلطة الحاكمة خلال الثمانية عشر سنة الأخيرة لم تبذل أي جهد حقيقي لتقليص التبعية نحو النفط، وأهدرت الكثير من الجهد والوقت والمال في صراعات القصر، وفي شراء السلم الاجتماعي وتوزيع الريع لضمان الاستمرار والبقاء، وما يحدث اليوم من أزمات سبق للخبراء الذين سخر منهم أويحيى اليوم أن نبهوا إليها منذ سنوات، في وقت كانت فيه الجزائر تعيش بحبوحة مالية، وكانوا يجدون من يتهمهم أيضا بنشر اليأس والقنوط.
من جهة ثانية، فإن ضرب مثال بقانون المصالحة أمر في غير محله، لأنه خير دليل على أن رئيس الوزراء الحالي الذي تولى رئاسة الحكومة أربع مرات أو خمس مرات لم يجد قرارا او خيارا اقتصاديا صائبا اتخذ من قبل وتمت معارضته ثم ثبت أنه صحيح، بدليل أن قانون المحروقات لسنة 2005، والذي تعرض لانتقادات كثيرة، وأصرت الحكومة على تمريره، عاد الرئيس بوتفليقة نفسه ليعترف أنه كان خطأ، كما أن أويحيى الذي ضرب موعدا بعد خمس سنوات يدرك تمام الإدراك أنه لن يكون في في المنصب نفسه، ليحاسب أو يذكر بوعوده!
القدس العربي _ 2017/09/18