بعد قرارات قمة الاتحاد الافريقي في برازفيل : ليبيا في مواجهة التحديات الداخلية

علي عبداللطيف اللافي
رغم أن القادة الأفارقة دعوا نهاية الأسبوع الماضي، إلى اليقظة وبذل كل الجهود من طرف فرقاء الصراع السياسي والعسكري في ليبيا ليتم عمليا تجاوز الانقسامات والأنانيات الفردية والحزبية والمضي قدما لحل الخلاف ، إلا أن نتائج لقاء “برازافيل”، لم تكن له عمليا أي مخرجات ايجابية تساهم في حلحلة الأمور الليبية وفي وضع حد للمعاناة الذي يمر بها الشعب الليبي في أمنه واستقراره وكيانه السياسي، وهو ما يعني عمليا ان الحل في الأخير يبقى ليبيا – ليبيا رغم مسؤولية الأطراف الدولية والإقليمية في عمق الأزمة الليبية الراهنة، وكُل ذلك يُحيل عمليا على طبيعة التحديات الداخلية الراهنة والتي باستمرارها سيبقى الحل في ليبيا بعيدا مهما تعددت المبادرات …
+ أهم التحديات الراهنة
- تعدَد مُحاولة التفرد بالسلطة، وغياب آليات التحاور بين فرقاء الصراع مركزيا وفي كل مناطق التنازع في المدن الكبرى، حيث تطغى عمليا عدم المصداقية لدي بعض المتحاورين في الالتزام باي اتفاق لعدم الثقة في الطرف الاخر نتيجة عدة عوامل وأولها طبعا القبلية والجهوية والعداء الشخصي لدي بعض الأشخاص تجاه آخرين من خصومهم السياسيين….
- عدم الثقة والتي يجب ان تكون متبادلة عمليا بين الأطراف المُتحاورة في ليبيا والتي تدعي أنها تحكم ليبيا بينما أغلب تلك الأطراف هم وكلاء بشكل أو بآخر لأطراف إقليمية بل تحديدا لأذرع إقليمية معروفة ومُرتهنة وخادمة لقوى دولية، إضافة الى تغليب المصالح الشخصية والقبلية والجهوية عند طرح أي مشروع وطني لحل مشاكل ليبيا أو عند التعامل مع أي مبادرة ….
- التعنَت المستمر من بعض المدن بأنها هي الأقوى والتي عمدت عمليا الى مسك السلاح والمال والقول ان لها الحق في حكم ليبيا عبر التحجج بمقولات تاريخية وجغراسياسية …
- تعدد وجود المليشيات في غالبية المدن الليبية، وجميعها تسعى لجمع السلاح والسيطرة على منابع المال وهو أمر دارج في غرب ليبيا وجنوبها وشرقها بدون استثناء على عكس ما يدعيه أنصار الكرامة مثلا بأنه أقل في شرق ليبيا …
- انعكاس التجاذبات السياسية والأيديولوجية في مصر وتونس وما يحدث في الازمة الخليجية على الوضع الليبي وإرادة قوى إقليمية في حرق ثورات الربيع العربي مما اوجد في ليبيا استقطابا بين الإسلاميين وخصومهم كان غائبا سنتي 2011 و2012، فالبعض في ليبيا يدعي سيطرة تيار الاخوان المسلمين على بعض مصادر المال في ليبيا وبأنهم خطر على مستقبل ليبيا…
- نقص كبير للخدمات العامة من صحة وكهرباء وصرف صحي وأمن وسيولة مالية، وهي انعكاس للفوضى والاستراتيجيات الانتخابية و”السياسوية”، والغريب أن الأموال في ليبيا موجودة ولكنها لا تُصرف عمليا بالطريقة الصحيحة، حيث أن من يُقررون صرفها يتبعون اشخاص ومدن وقبائل معينة وسياسيين ومُتنفذين بعينهم …
- الفساد المالي والإداري في جميع المجالات والقطاعات، وهو فساد مُتفش عند الأغلبية، والقضاء عليه سيكون من أصعب الأمور، ولا شك أن قيام الدولة بأجهزتها التنفيذية والقضائية والرقابية سيقضي على الفساد المالي والإداري، هذا إذا ما افترضنا أن لُوبيات المال ليست هي التي تحكم وتتحكم في كل المسارات الحالية، وهو ما يؤكده وزير الاعلام الأسبق محمود شمام كمثال للكر لا الحصر ..
+ فلسفة مواجهة التحديات
لا شك أن التشخيص الدقيق والسليم لتلك التحديات وفهمها وفهم آليات رفعها هو نصف الحل، بينما يتمثل النصف الثاني من الحل في ضرورة الحفر عميقا لرؤية أصل المشكلة الليبية التي أصبح هنالك فجوة عميقة بين أبناء الوطن الواحد عند وعي الجماهير الليبية نحو وحدة ليبيا وحدة الشعب وحدة الهدف والمشوار، وهو ما يعني عمليا ضرورة القيام بأدوار تاريخية تكرس تطوير المجتمع الليبي ثقافيا وسياسيا لنحافظ في الأخير على بقاء الشعوب العربية ومن بينها الشعب الليبي خاصة في ظل استراتيجيات الفوضى الخلاقة دوليا واقليميا….
إن المطلوب عمليا والآن بالذات، هو عمل النخبة الليبية على تطوير العملية الديمقراطية والتنمية الاقتصادية والرفاهة الاجتماعية بالتوازي مع تجنب الإقصاء والتخوين والتشريد، إضافة الى الابتعاد فعليا عن إيديولوجية “الزعاماتية” و النرجسية والتعصب والانغلاق، و هي نزعات كرستها في السنوات الأخيرة قوى إقليمية ودولية و رسختها لدى نخب ليبية بنسب متفاوتة مقارنة بشعوب عربية أخرى …
ان ثورة فبراير على قُصورها المنهجي والمعرفي والسياسي، قد أوجدت وعيا سياسيا وديمقراطيا بل وأوجدت قناعات للفاعلين الرئيسيين فيها أن الاشكال ليس في الاستبداد السياسي وحده بل أيضا في انانية ونرجسية النخب بما فيها تلك التي كانت توسم نفسها بالمعارضة الراديكالية للنظام السابق واجهزته السياسية والحزبية والأمنية، وأنه من الضروري ان تتبلور لها اليوم قناعة رئيسية بضرورة التصدي للتدخل الأجنبي في ممتلكات الدولة الليبية النفطية التي تهدر لصالح المنفعة الخارجية…
ان العارف بالليبيين اليوم يجزم بوجود عُقول ليبية ذكية تعمل ساعية وبجد على إخراج الوطن من أزماته السياسية والمالية والاقتصادية والمجتمعية الليبية حتى يسعد الليبيون كل الليبيين في كل المدن كل المدن وكل القرى والارياف والفيافي والقبائل كل القبائل…