دراسات

 الدولة المدنية ورؤية الفرقاء السياسيين والايديولوجيين (1من 8)  

 

علي عبداللطيف اللافي

 

 

تمهيد:

أدى الصراع الفكري والسياسي بعد انطلاق ثورات الربيع العربي بين الفرقاء السياسيين والايديولوجيين وخاصة في مصر وتونس وليبيا واليمن الى رواج عقلية “التكفير السياسي”، على غرار احتكار مقولات “الحداثة” والديمقراطية والمدنية، ولعل المصطلح الأخير أي “المدنية” هو الأكثر رواجا في الجدل السياسي الدائر بين أولئك الفرقاء، وخاصة من قبل خصوم الإسلاميين والذي يعود عمليا لــــ:

أ- احتراز خصوم الإسلاميين منهم وخاصة عندما يصلون للسلطة والادعاء انهم سيكرسون مقولات “الدولة الدينية” بدلا من مقولات وأسس الدولة المدنية وتفعيل وظائفها، وقد ساهم الطرفان في ذلك، الإسلاميين بعدم الحسم النظري في الادبيات، بينما تسببت العقلية التوظيفية لخصومهم في تكرر الاتهامات لهم، وخاصة في ظل تخوفهم من جماهيرية وشعبية الإسلاميين وقُرب هؤلاء من المجتمعات العربية والإسلامية…

ب- سعيا لإقصائهم من الساحة السياسية ومن الحكم عير التحالفات الإقليمية وتخويف الغرب ومنظماته ودوله منهم بطرق وأساليب شتى…

ت- الخلط المُتعمد والممنهج بين الوسطيين (أي المعتدلين) وبين الجهاديين وخاصة المرتبطين بشكل مباشر أو غير مباشر بالتنظيمات المنغلقة والإرهابية[1]، وقد سعي البعض من اليساريين والليبراليين لإدراج كل حركات الإسلام السياسي ضمن قوائم الإرهاب الإقليمية والدولية…

فأي مفهوم للدولة “المدنية” وما هي مبادئها؟ وما هي وظائفها؟ وكيف ينظر مختلف الفرقاء الايديولوجيين للدولة المدنية (اليساريون– القوميون – الليبراليون – الإسلاميون)؟

وقد اعتمدنا عمليا المنهجية التالية على حلقات ست:

  • الحلقة الأولى: الدولة المدنية والإطار النظري والمفاهيمي
  • الحلقة الثانية: اليسار الماركسي ومقولات الدولة المدنية
  • الحلقة الثالثة: القوميون والدولة المدنية
  • الحلقة الرابعة: الليبراليون والدولة المدنية
  • الحلقة الخامسة: الإسلام والدولة المدنية
  • الحلقة السادسة: الإسلاميون والدولة المدنية
  • الحلقة السابعة: الأحزاب الدستورية والتجمعية في تونس والدولة المدنية
  • الحلقة الثامنة: خلاصات حول الدولة المدنية ، والنخب ومستقبل تونس

 

الحلقة الأولى:

الدولة المدنية: التعريف والمبادئ والمفاهيم

1. مفهوم الدولة المدنية

عمليا يمكن تعريف الدولة المدنية، بأنها الدولة التي يُمكنها حماية جميع افراد المجتمع وتحافظ عليهم فردا فردا بعض النظر عن اختلاف انتماءاتهم الدينية والقومية والفكرية وبغض النظر عن مواقفهم السياسية أو الفكرية أو الثقافية أو الاجتماعية  مما يعني عمليا اتحادهم وتعاونهم ليتمكنوا من العيش داخل مجتمع بطريقة سهلة وفقاً لنظام معين من القوانين، ويقتضي ذلك طبعا وجود قضاء عادل يطبق تلك القوانين على الجميع، وألا يتعرض عمليا أي شخص لأي انتهاك في أي من حقوقه من قبل طرف، لأنه بوجود سلطة الدولة  – والتي يُقننها الدستور- (وهي بوضوح أكثر السلطة التي يلجأ اليها كل من أحس بظلم ما او أحس بتهديد لحقوقه أو حتى إمكانية انتهاكها) ….

2. ما هي مبادئ الدولة المدنية المتعارف عليها؟

عمليا عدد الفلاسفة والمثقفين ومنظري العلوم السياسية العديد من مبادئ الدولة المدنية ومن أهمها:

أ- المواطنة، والذي نعنى به أنّ الأفراد في المجتمع لا يُعرفون بدينهم، أو مهنتهم، أو مالهم، أو إقليمهم، أو سلطتهم، إنّما يُعرفون بشكل قانوني اجتماعي على أنّهم مواطنون، أي أعضاء داخل المجتمع لهم حقوق، كما عليهم واجبات، كما يتساوون مع بعضهم فيها (أي اعتماد ثنائية الحق والواجب في تكريس المواطنة).

ب- تأسس الدولة المدنية بناءً على نظام مدني مكوّن من علاقات قائمة على قبول الآخر، والتسامح، والسلام، إضافةً إلى المساواة في الواجبات والحقوق…

ت- عدم تأسس هذه الدولة على مقولات مزج الدين بالسياسة، وعدم وقوفها ضد الدين أو رفضه له (طبعا يبقى “الدين” عاملاً مهماً فيها في خلق الطاقة للتقدم والإنجاز والعمل بل ويساهم عمليا في بناء الطاقة وهو ما تؤكد عليه تجارب الدول المدنية في أوروبا والولايات المتحدة)، والمطلوب هو أن ترفض الدولة استخدام الدين لتحقيق الأهداف السياسية لأن الدولة المدنية تقوم مثلما أوضحنا في التعريف أعلاه على مبدأ التعدد وحتى لا يتم تحويل الدين لموضوع جدلي وخلافي… [2]

ث- الثقة في كلٍ من عمليات التبادل والتعاقد المختلفة، فهذه القيم النبيلة هي التي تكون ما تُعرف بالثقافة المدنية، والتي تتأسس بناءً على مبدأ يقتضي الاتفاق ووجود العديد من القواعد التي يمكن اعتبارها على أنها خطوطاً حمراء لا يسمح بتجاوزها….

ج- الديمقراطية، وهي المبدأ الذي يمنع أخذ الدولة او احتكارها غصباً من قبل فرد أو عائلة أو حزب أو نُخبة….

  • 3.  وظائف الدولة المدنية

أ- خلق فرص عمل لمواطنيها، إضافة إلى تأمين العيش الكريم لهم……

ب- بناء مجتمع نموذجي اقتصادي (عبر سياسيات اقتصادية ومالية وتجارية تمكن كل مواطن من القدرة على حفظ كرامته وكرامة منظريه أسريا واجتماعيا) …

ت- توفير الاستقرار الأمني والنفسي لجميع المواطنين. تهيئة سبل وأساليب التعبير الصريح عن حرية الرأي بمختلف الطرق (عبر تعدد المنابر وفتح قنوات الحوار والتواصل وتمكين الجميع من الوصول الى مصادر المعلومة حسب اختصاصه ووفقا لحاجياته المعنية والاجتماعية) ، ويكون ذلك طبعا، تبعاً لضوابط وبنود قانونية ورسمية محددة…..

ث- بناء المؤسسات والمراكز التعليمية وتوفير مستلزماتها المادية …

ج- بناء المؤسسات والمراكز الصحية، وتوفير أحدث الوسائل التقنية فيها لمقاومة جميع الأوبئة والأمراض…

ح- بناء مؤسسات ومنظمات تساهم في المحافظة على البيئة….

خ- اعتماد الحكومة الشرعية في الدولة على نظام وقانون الضمان الاجتماعي الخاص برعاية المتقاعدين وكبار السن والمعوقين. لا تسمح بالتداخل في الحقوق والوظائف بين سلطة الشرطة، والمؤسسة العسكرية، والأمن الداخلي….

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1]   وعمليا أصر الجهاديون فعلا من خلال أبياتهم وثائقهم المختلفة على تبنَي مقولات الدولة بمعناها الكنسي، رغم أن الإسلام رفض العلاقة غير المباشرة بالخالق في أكثر من موضع في القرآن الكريم كما ان النبي محمد صلى الله عليه وسلم أكد في أكثر من حديث ان لا كهنوت في الإسلام …(أنظر الحلقة)

[2]  من بين الأسباب الذي أكد عليها المنظرين للدولة المدنية، أن لا يتم تحويل الدين الى تفسيرات قد تساهم في إبعاده عن عالم القداسة، وفي المقابل تدخل به لعالم المصالح الضيقة الدنيوية… (أنظر تعريف الدولة المدنية في موقع “موضوع “)

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق