
تتزامن العودة المدرسية في تونس كل سنة مع إحياء الانسانية لليوم العالمي لمحو الأمية و مع أن النظام التعليمي في بلادنا أقر وجوبية ومجانية التعليم الا أن نسبة الأمية تطورت في السنتين الاخيرتين لتبلغ 19 ٪.
صدم الشعب التونسي بعد أن كشف رئيس ديوان وزير الشؤون الاجتماعية، محمد بن غربية في نهاية شهر اكتوبر 2015 خلال يوم دراسي حول «مشروع الاستراتيجية الوطنية لمحو الأمية والتعليم غير النظامي بتونس» عن نسبة الأمية في تونس التي بلغت 19 بالمائة. فإلى تاريخ غير بعيد، كانت القناعة لدى الرأي العام في تونس تصب في أن البلاد التي طالما تباهت بنظامها التربوي و التعليمي، تمكنت من التقليص في نسبة الأمية و قهرت الجهل بل لربما التحقت بركب الامم المتعلمة. و لتجاوز هذه المعضلة، أعلن بن غربية الذي وصف هذه النسبة بالمرتفعة جدا، عن أن الدولة التونسية قد ضبطت استراتيجية وطنية لمحو الأمية وتعليم الكبار 2016 – 2027.كما أضاف محمد بن غربية في ذات اليوم الدراسي أن “هذه النسبة تمثل عقبة للاندماج الاقتصادي والاجتماعي لهذه الفئة من الشعب التونسي وعقبة أيضا أمام نجاح المسار الانتقالي في تونس” . و لذلك، شدد المسؤول السامي في وزارة الشؤون الاجتماعية على ضرورة « إيجاد الموارد البشرية والمادية الكافية والعمل المشترك بين جميع الأطراف المتدخلة في هذا الشأن من مؤسسات اقتصادية ومنظمات نسوية وحقوقية وغيرها لإنجاح هذا البرنامج”. و لكن، ما هي العوامل التي أدت الى ارتفاع نسبة الأمية في تونس ؟
ما قبل و ما بعد الدولة…
كما هو الحال في سائر بلدان العالم التي تعاني من معضلة الأمية، تنقسم هذه الشريحة السكانية الى قسمين، الأميون من الذين لم ينالوا اي نوع من التعليم في حياتهم و أولئك الذين انقطعوا مبكرا عن الدراسة. فأما القسم الاول فيمثل 10 ٪ من مجموع الأميين في تونس في حين تمثل الفئة الثانية ما يقارب الـ 9 ٪. ويجدر الذكر بأن القسم الاول ينتمي الى جيل ما قبل دولة الاستقلال في حين أن ذات الدولة أنتجت الجيل الثاني من الأميين. و كان مدير عام المعهد الوطني للإحصاء الهادي السعيدي كشف ان نتائج التعداد العام للسكان والسكنى لسنة 2014 بينت ان معدل نسبة الأمية في تونس تراجع إلى 8ر18 بالمائة مقابل 3ر23 بالمائة في تعداد 2004 وتوزعت نسبة الأمية على 25 بالمائة لدى الإناث و4ر12 بالمائة للذكور.كما سجلت ارتفاعا في الوسط الريفي لتصل إلى مستوى 2ر32 بالمائة مقابل 5ر12 بالمائة في الوسط البلدي، وفق تعداد سنة 2014. و تعود أسباب ارتفاع نسب الأمية في تونس الى عوامل كثيرة لعل أهمها غياب الارادة السياسية في معالجة هذه المعضلة و عدم توافق برامج التعليم مع حاجيات سوق الشغل وارتفاع نسب الفقر التي تضطر عديد العائلات الى إجبار ابنائها على الانقطاع عن التعليم و فشل منظومة تعليم الكبار و بعد المدارس عن أماكن سكن التلاميذ خاصة في الارياف.
الانقطاع المدرسي…
بالنظر الى أعداد التلاميذ الذين ينقطعون عن التعليم في سن مبكرة فإن عدد الأميين في تونس مرشح للارتفاع في السنوات القادمة بل قد تفرخ هذه الظاهرة جيلا بأكمله يجهل القراءة و الكتابة. الى ذلك بلغ معدل الانقطاع المدرسي ما يقارب الـ 100 ألف منقطع سنويا. وخلصت الدراسات التي تناولت ظاهرة الانقطاع المدرسي إلى أن «الانقطاع عن التعليم في تدرج من المرحلة الابتدائية إلى التعليم الثانوي حيث ارتفع من 1.2 بالمائة إلى 10 بالمائة حاليا. وترتفع نسبة الانقطاع المدرسي في التعليم الابتدائي خاصّة لدى تلاميذ السنوات الخامسة والسادسة وفي مستوى التعليم الإعدادي تتمركز بالأساس في السابعة أساسي بنسبة 30 بالمائة” . وذات الدراسات اظهرت أن « كلفة الانقطاع المدرسي وصلت الى ما يقارب الـ345 مليون دينار سنويا. و تتوزع هذه الخسائر على اكثر من 137 مليون دينار كلفة الرسوب و 207 ملايين دينار تكلفة الانقطاع». ويرجع الباحث بمركز الدراسات والبحوث الاقتصادية والاجتماعية، عمر النمري، اسباب الظاهرة في تدخل له على هامش ندوة اعتنت بالموضوع الى « ضعف المستوى الثقافي والتعليمي للوالدين الذي يؤثر سلبا على اهتمام الأبناء بالعلم. كما أن الأسرة الممزقة التي تفتقر الى الدفء والاستقرار العاطفي تفشل في توفير مناخ آمن للتنشئة السليمة” . وأضاف أن « الأسرة ذات العدد الكبير والدخل المحدود تفشل في تقديم الرعاية النفسية والأكاديمية للطفل وتعجز عن الوفاء بالمستلزمات الدراسية الضرورية” . أما في مستوى العوامل المسببة للانقطاع المبكر ذات الصلة بالتلميذ فيخلص الباحث في تشخيصها الى « قلة الثقة في النفس وضعف تقدير الذات، وضعف الدافعية وعدم الشعور بالكفاءة، والخوف من الفشل الدراسي وتدني الطموح الدراسي وعدم وضوح المستقبل، وفقر في المهارات الاجتماعية وعدم القدرة على التكيف” .
أرقام و دلالات:
- 345 مليون دينار هي كلفة الانقطاع المدرسي.
- 25 ٪ من الأميين هم من الإناث.
- 100 ألف منقطع عن الدراسة سنويا .