
من يتحمل مسؤولية غلق عدد من القنوات التلفزية والإذاعية…؟ فوضى الإشهار غياب الرؤية الواضحة وضعف رأس المال من اهم الأسباب و نقابة الصحفيين تعتبرها مسؤولية جماعية و تحمل القسط الأكبر للهيئة …
من اهم المكاسب التي حققتها تونس بعد الثورة هي حرية التعبير لكن مع اقتحام الدخلاء ميدان الإعلام الذي اسال لعاب الكثيرين من رجال الأعمال الطامعين في المناصب السياسية اثر ذلك في القطاع فشهد في السنوات الأخيرة حالات غلق متواصلة لهذه المؤسسات و طردا جماعيا للصحفيين …
قنوات اذاعية و تلفزية و صحف و مواقع اخبارية بعضها ظهر بعد الثورة و لم يصمد طويلا و بعضها الآخر لم يستطع مجابهة الأزمة الإقتصادية و ضعف الإشهار فكان مآله انهاء التجربة … اذاعة كلمة ، نجمة اف ام ، الشعانبي اف ام ، مسك اف ام ، صراحة اف ام (واكدت مصادر من كواليس الاذاعة أن خلافات اندلعت في الفترة الاخيرة بين الشركاء ومدير الاذاعة محمد بن ناجح بسبب غياب المداخيل المالية والاشهار وفشله في تسيير الاذاعة وتحقيق التوازن المالي)… كلها انتهجت نفس المخطط الطرد الجماعي للصحفيين نفس المصير واجهه عدد من الصحفيين العاملين ببعض القنوات التلفزية على غرار قناة التاسعة و الجنوبية و المتوسط و حنبعل و من الصحف ايضا جريدة “التونسية “و ” الفجر “و الضمير …
أكثر من 180 صحفيا اطردوا خلال سنة:
هذ المؤسسات الإعلامية التي ظهر اغلبها بعد الثورة تحصلت على تراخيص من الهيئة العليا المستقلة للإتصال السمعي البصري لكنها لم تصمد طويلا و وجه عدد من الصحفيين و من اهل القطاع إصبع الإتهام الى الهايكا التي فوتت في التراخيص دون ان تقوم بدراسة جدية و شاملة للملفات و التثبت من الوضعيات الإقتصادية لأصحاب هذه المشاريع لتجنب مثل هذه النتائج التي يبقى ضحيتها الوحيدة هو الصحفي وحسب أحدث تقرير سنوي صادر عن نقابة الصحافيين التونسيين، فقد تعرض أكثر من 180 صحفيا للطرد، وعانى حوالي 480 صحافيا من تأخر الرواتب … وتعتبر هذه الوضعية التي يعيش على وقعها الصحفي التونسي وضعية خطيرة تهدد القطاع ككل و تؤكد هشاشة الوضع الإقتصادي للإعلام.
كما ان توجه بعض رجال الأعمال للإستثمار في الاعلام دون ان يكون لهم اية علاقة بهذا الميدان سبب آخر في فشل هذه المؤسسات التي كان مصيرها الغلق فأغلبهم حاولوا بعد الثورة استغلال الإعلام لمآرب شخصية سياسية بالأساس و استثمروا اموالهم في عدد من القنوات الإذاعية و التلفزية التي لم تصمد و سرعان ما انتهت التجربة و برر اصحاب هذه المؤسسات فشلهم بعدم قدرتهم على مجابهة الأوضاع الإقتصادية الصعبة التي مرت بها البلاد و تراجع عائدات الإشهار مقابل ارتفاع عدد المؤسسات الإعلامية.
اذاعة صراحة اف ام التي تم اعفاء صحفييها و تقنييها قبل عيد الإضحى بيومين ليست الأولى او الأخيرة على الأقل في هذه الفترة فعدد من المؤسسات الأخرى بالرغم انها مازالت محافظة على البث سواء الإذاعي او التلفزي لكن في المقابل يعاني اعوانها من تقنيين و صحفيين اوضاعا شغلية متردية في غياب تام لأبسط حقوقهم .. هذه الإوضاع اثارت الصحفيين الذين مارسوا جل انواع النضال من إضرابات و وقفات احتجاجية لآنتزاع حقوقهم وهو ما حصل في قناة حنبعل و صحيفة التونسية و راديو كلمة و جل هذه المؤسسات التي تعرضت الى الظلم من طرف باعثيها لكن دون جدوى.
و ما حدث في اذاعة ” صراحة اف ام ” و غيرها من المؤسسات الإعلامية التي لقيت نفس المصير هو نتيجة فتح قطاع الإعلام للدخلاء ممن يجهلون هذا الميدان غايتهم استغلال هذا القطاع لتحقيق اهدافهم السياسية و الشهرة و المال و السلطة … في غياب تام لتدخل الأطراف المعنية كالهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري و رئاسة الحكومة التي تتحمل المسؤولية ايضا في عدم تنظيمها للقطاع وعدم توزيعها للاشهار العمومي بين وسائل الاعلام التونسية.
من أهم الأسباب رؤوس الأموال التي تجهل الإعلام…
في هذا الصدد تتحدث الصحفية نادية بروطة وهي مطرودة مع عدد من زملائها من اذاعة مسك و تقول ” انطلقت تجربتي في ” مسك” منذ 10 اشهر و نصف وكان حلم جديد بالنسبة لي اذاعة مختصة في الثقافة والفنون البديلة المعاصرة أساسا ، يعني فن العصر المتمرد والثائر …اشتغلنا في العطل وايام الأحد وكنا نقدم في مادة صحفية “تؤرشف” يعني تضع جانبا لحين الانطلاقة الرسمية للاذاعة وكنت خلال كل هذه الشهور ألاحظ غياب خط تحريري مكتوب ومعلوم للاذاعة ، هم يتحدثون عن تثمين للتراث ولكنهم يتركون المفردات معلقة في الهواء دون تفسير او تخطيط مفصل …” تضيف ” نعمل من 10 الى 15 ساعة في اليوم لاننا آمنا بالمشروع كصحفيين ولكن لاحظت شخصيا كما لاحظ عدد من العاملين ملامح صراع بين ما تريده الادارة العليا وانا اقصد رؤوس الأموال اسماعيل بن يدر و كريم سكيك التي تجهل الميدان الاعلامي والمديرين الذين ينتمون لمجال الثقافة والاعلام وتترجمت ملامح الصراع بتغيير ثلاثة رؤساء تحرير خلال عشرة أشهر بسبب تواصل الصراع وغياب استراتيجيا واضحة وبحلول المدير الجديد الذي تسبب في طرد 17 صحفيا وعاملا اصبحت الرؤية واضحة وهي التخلي عن الادارة القديمة والعبث بما قدمناه وفعلا هذا ما نفذه مهدي الاحمدي المدير الجديد الذي طرد مراد الصقلي وجيهان التركي و14 صحفيا وتقنيا و انهاء عقودهم بطريقة تعسفية والحجة ان الاذاعة تريد تغيير خط تحريرها واستراتيجية عملها وقد تم الإبقاء على 9 أفراد فقط…”
المسؤولية جماعية و الهايكا تتحمل القسط الأكبر :
وحسب عضو النقابة الوطنية للصحفيين مهدي الجلاصي فإن النقابة بصدد عقد لقاءات يومية مع الصحفيين المطرودين و اصحاب هذه المؤسسات لإيجاد حلول مضيفا ان من اهم اسباب غلق هذه المؤسسات هو العائق المالي الى جانب غياب الدراسة و الإستراتيجيا الشاملة لهذه المشاريع مؤكدا ان اكثر وسائل الإعلام التي فشلت هي التي ظهرت بعد الثورة … من جهة اخرى قال مهدي الجلاصي ان المسؤولية جماعية لما وصل اليه قطاع الإعلام اليوم و حمل الهيئة العليا المستقلة للإتصال السمعي البصري المسؤولية الكبرى و ذلك من خلال تفريطها في التراخيص دون دراسة جادة و معمقة للملفات و دون حصولها على ضمانات تؤكد سيرورة هذه المؤسسات يضيف محدثنا ” كما لوزارة الشؤون الإجتماعية و تفقدية الشغل دور في ذلك اذ لا يوجد اي مراقبة و لا احترام لعقود الصحفيين ..” اما عن موقف النقابة الوطنية للصحفيين يقول ” و من جهتها تحاول النقابة و اتحاد الشغل ايجاد الحلول مع اصحاب هذه المؤسسات لضمان الحقوق المادية للصحفيين المطرودين …”
عضو النقابة اعتبر ايضا ان من الحلول التي بإمكانها انقاذ القطاع مماهو عليه هو اسناد التراخيص بشروط ، و اضطلاع الدولة بمهامها كما يجب من خلال دعم المؤسسات الصغرى و التخفيف من معاليم البث و تقديم الدعم على الورق و التجهيزات ….
أغلب المؤسسات الإعلامية عاجزة ماليا و حجم الإشهار لا يتناسب مع عددها :
و باتصالنا بعضو الهيىة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري هشام السنوسي كان له التعليق التالي ” هناك اشكال يتعلق بديمومة هذه المؤسسات اغلبها لم يقدر على مجابهة الوضع الإقتصادي للبلاد واريد التذكير هنا ان الهيئة دخلت على مشهد سمعي بصري فيه قنوات تبث بطريقة عشوائّية و كان قرارها هو تسوية وضعية الصحفيين و طالب آنذاك المهنيين و المجتمع المدني بعدم غلق هذه المؤسسات ومن الصدف الغريبة كان بعضها يبث بحالة قرصنة ولما اصبح يبث بطريقة قانونية عجز على المواصلة مثل حرية اف ام … يضيف هشام السنوسي ” و تفيد القائمة المالية لأغلب هذه المؤسسات انها في حالة عجز مالي اذ هناك اشكال موضوعي وهو ان حجم الاشهار لا يتناسب مع عدد وسائل الأعلام و في هذه الحالة يجب ترك مجال للتنافس لكن الإشكال الحقيقي هل ان هناك منافسة قانونية خاضعة لشفافية السوق ؟ يجيب محدثنا ” اولا لا يمكن البت في هذا التساؤل دون وجود هيكل مستقل لقيس نسب الإستماع و المشاهدة مما من شانه ان يُعقلَن و يعطي مبررات و يضفي شفافية على التنافس لكن هناك ضغط لعدم انجاز هذا الجهاز من طرف بعض المستفيدين في المقابل تفيد المؤشرات ان الحكومة تتفاعل مع مطلب الهيىة في انجاز هذا الهيكل و ربما سيحل جزءا من اشكال تمويل هذه المؤسسات ولكن يجب ان لا نغفل على آدائها و استسهالا للعملية الإتصالية فالإذاعة و التلفزة في حاجة الى كفاءات حقيقية اذ نلاحظ طغيان التقليد …” من جهة اخرى يقول السنوسي” يجب ان نعي بدور الإعلام في هذه المرحلة و بالتالي يجب ان يكون للدولة إرادة في مساعدة وسائل الإعلام و المحافظة على استقلاليتها لتجاوز هذه المرحلة الصعبة لكن للأسف هناك اليوم مشاريع مطروحة لو يتم اقرارها يتم القضاء على الإعلام في تونس من ذلك بعض الشركات التي تحاول تأجير الترددات الأرضية الرقمية TNT لقنوات و اذاعات اجنبية تبث في تونس من خلال هوائي عادي تقليدي وهو ما يشكل خطورة حقيقية على المشهد و المطلوب اليوم فتح حوار حقيقي بين الحكومة و الهيىة و كل المتدخلين …” وعن مدى صحة خبر تفكير الهيئة في غلق قناة نسمة نهائيا كما جاء في حوار له في احد الصحف الأسبوعية .. قال السنوسي انه لم يصرح بمثل هذا الكلام وهو تفاجأ بدوره بحوار لم يقر به اصلا مضيفا انه لم يتصل به اي صحفي من هذه الجريدة التي فضل عدم ذكرها احتراما لها و لتاريخها حسب تعبيره.