في «يوميات»: البشير بن سلامة كتب عن علاقته بمجايليه في عهدي بورقيبة وبن علي

اصدر الأستاذ البشير بن سلامة كتابا جديدا اختار له عنوان “يوميات” وهو حصيلة ما كان يكتبه وتسجيل لنشاطه اليومي منذ سنة 1947 الى سنة 1990 اي 43 سنة تاركا الـ27 سنة من نشاطه إلى جزء ثان قد ينشره لاحقا وقد يتركه الى الايام تقرر ما تقدره في شانه.
وتوقف البشير بن سلامة في سرد يومياته عند سنة 1990 كان صدفة فرضها سباقه مع الزمن اذ يقول في الصفحة 7 …: “ أو ربما حتمتها ارادة الآخرين على حد قول الكاتب الفرنسي البار كامو. ولكنها ارادة قد تكون ايجابية تحقق لي حلمي فأكون موجودا لدى القراء، أو سلبية فأصبح غائبا عنهم الى ما شاء الله من العقود والأجيال كما هو الشأن مع العديد من الكتاب والمبدعين التونسيين في غفلة من التاريخ”. في “يوميات” وضح بن سلامة كيف يمكن للمرء أن يتعامل مع سيرورة الأحداث فيتأثر بها، وتؤثر فيه على حساب توقيت يتغير بحكم ضغوط الظرف ونوعيته ليلمس القارئ كيف أن ظاهرة العبور وآلياته تعمل في الإنسان، وتكيف حياته سواء اعتقد أنها ملك يديه يتصرف فيها كما شاءت أحاسيسه وأفكاره وأوهامه وأحلامه أو هي من صنع الأقدار والصدف وإرادة الآخرين تتكيف كما شاءت وكيفما أرادت.
ولاحظ البشير بن سلامة أيضا ان اليوميات الحميمية مهما كانت هي ككل كتابة أداة تضع قيدا للزمن، بينما هو عابر، منفلت من بين الاصابع كالماء وكل ما تقدر عليه هذه الكتابة في آخر الأمر هو دفنه، أي الزمن في الكلمات ليتجاوز الحدث التاريخي فيظفر بروحه العميقة، أي بهذه الآلية الكامنة كمون النار، والتي تهيئ في صمت وقوع الحدث وان خاضت لججه المتحركة شاهدة على بحر من الكلمات ثابت قار مهما كان امره.
كتاب “يوميات” جاء في 336 صفحة من الحجم الكبير جزأ فيها ذكرياته حسب السنوات التي حصلت فيها الاحداث وحسب اهمية هذه الاحداث حيث اننا نجد انه تحدث عن سنوات 1952 – 1953 في صفحة وحيدة هي العاشرة عن انتقاله من المدرسة الصادقية إلى المعهد العلوي وعن بداية الكتابة في مجلة “الرونودو”.
من سنة 1964 اختار الكاتب الحديث عن سفرته الى باماكو مع عبد الحق الاسود وعن سنة 1965 عندما كان مضطلعا برئاسة ديوان المدير العام للإذاعة والتلفزة السيد محمد مزالي ذكر اهتمامه بالأغنية التونسية وتأسيسه لمهرجان صليحة وبعثه لبرنامج أسبوعي سماه مباريات الشبيبة المدرسية بين المعاهد وآخر لعرض الكتب وبرامج للأطفال وبرنامج هواة الادب الذي كان الزعيم الحبيب بورقيبة يتابعه بانتظام.
وقد ساهم البشير بن سلامة حسب ما كتبه في يومياته في إعداد الإطار لتأسيس التلفزة. بعض سنوات عمره ذكر فيها احداثا حصلت تباعا في اشهر عديدة اختار منها اياما حسب اهمية الحدث وتأثيره في مسيرته فسنة 1979 (الصفحة 61 إلى 84) مثلا انطلقت الذكريات فيها من الاربعاء 21 فيفري الى الخميس 15 نوفمبر وبين فيها كيف يبقى الفرد تحت رحمة ما تقرره السلطة العليا وليست له أية حرية لتقرير مصيره قائلا: “هكذا تظهر طبيعة النظام متمثلة في انه لا يترك لأية شخصية المجال لقول كلمتها بعد التجربة إلا ويحطمها ويبدأ مع الغفّل والأغرار. وهو مبدأ آمن به بورقيبة إذ يعتقد ان آفة هذه البلاد هي الشيطان البربري اي هذا الذي لا يرضى بالسلطة ويعتبر نفسه امة برأسها.. فتبين اذن ان النظام وان هو امكن له بفضل شخصية بورقيبة ان يجنب البلاد الكوارث ويعطي قدرا من الرفاه والطمأنينة للمواطنين لم يقدر على الحفاظ على الاشخاص ذوي القيمة إلا في القليل النادر. “ ص 84
سنة 1980 بدأها بالحديث عن انتخابه امينا عاما في هيئة اتحاد الكتاب التونسيين رغم معارضة عمر بن سالم ووصفه له ولمن معه ومن بينهم محمد مزالي بأنهم رجعيون ورسميون. في هذه الصفحات تذكر بن سلامة الصعوبات المادية التي كان يعيشها قائلا: “هذا هو حال من يخدم نظام بورقيبة فهو في آخر الأمر يلفظ لفظ النواة بعد تقديم خدمات جليلة عن اقتناع وتحمسا للوطن “
وفي يوم الجمعة 2 جانفي 1981 عين البشير بن سلامة وزيرا للشؤون الثقافية خلفا للأستاذ فؤاد المبزع الذي أقيل اثر مشاهدة بورقيبة لمسرحية “ منصور الهوش: “فلم تعجبه المسرحية لان فرقة قرطاج بيرصة بالغت في التنويه بهذا المقاوم وقالت في شانه كلاما لا يليق إلا بالزعيم بورقيبة محرر البلاد حسب اعتقاده.” ص 92 .
احداث سنة 1981 وثقها الكاتب باليوم والشهر وأطنب في ذكر تفاصيل سفرته في شهر جويلية لواشنطن أما في الصفحة 145 فقد تحدث عن اقالته من الوزارة التي بقي فيها خمس سنوات وقال: “قمت بجهود لتطبيق سياسة وصلت فيها الى تحقيق ما اتفق عليه الجميع من انه هام جدا لم يتوصل اليه اي وزير للثقافة في تونس. ولكن كيف اقصيت من الوزارة على الرغم من نجاحي ولم أكلف بوزارة أخرى؟ في هذا الفصل تحدث عن علاقته ببورقيبة وعن علاقة بورقيبة بالمسرحيين وسجن الأمين النهدي وكيف أوهمت وسيلة بورقيبة الأمين النهدي انها السبب في خلاصه من السجن في حين انها كانت السبب في حبسه.. وتحدث كذلك عن فرض الاقامة الجبرية عليه وعن تنكر البعض له ومضايقات نظام زين العابدين بن علي. توخى البشير بن سلامة الاختصار في ذكر بعض تفاصيل حياته العملية صلب السلطة وخارجها لأنه سبق له ان كتبها في رواياته “عابرة هي الأيام “و”بين الجذور والعبور” و”اللهو الصفر”.
كتاب “يوميات” هو تأريخ وتضمين لمواقف وآراء رجل سياسة كانت له صولات وجولات وكبوات ذكرها حسب ما فهم هو وما وصله من اصداء عنها المهم ان الرجل مسكون بحب العمل من اجل النهوض بتونس وتأصيل الثقافة فيها ومحب للفكر والإعلام والأدب الذي كان يهرع له كلما ضاق به الحال هذا الأدب بجميع اجناسه سيخلد ذكره ويجعله يأخذ حقه ممن اساؤوا له ودفعوه إلى كتابة ذكرياته لإصلاح ما علق بسيرته من شوائب ومغالطات.
ولكن لا بد لنا هنا ان نسال عن الاسرار التي افشاها وهو يتعرض للمحن هل هي فعلا اسرار وهل حدثت حقيقة كما ذكر وهل تعمد الرقابة الذاتية عند ذكرها هل ادان او لمّع تاريخ اشخاص ام انه كان عادلا وسيفا قاطعا للشك باليقين؟ وحدهم مجايلوه يقدرون على الإجابة؟
علياء بن نحيلة
المصدر: الصباح، 2017/06/28