إصدارات

ابن خلدون رائد الحداثة (نحو إسلام أصفى وأمة أقوى) للدكتور محمد الهادي بن الطاهر المطوي.. ابن خلدون الأب الروحي لحداثتنا المعاصرة

وجه الدكتور محمد الهادي بن الطاهر المطوي رسالة فكرية وحضارية لأمة العروبة والإسلام حتى تراجع مواقفها الوجودية وفعلها الحضاري فتتمكن من بناء الدولة العربية الاسلامية العتيدة التي بحث عنها ابن خلدون طويلا عبر مشاركاته السياسية والفكرية والعلمية والتاريخية ولم يرها تتحقق في حياته. وتساءل المطوي هل ستتحقق احلام ابن خلدون وأحلام كل الصادقين من العرب والمسلمين بعد مماته أو بعد قرون؟ وهل سيتجدد للعرب ذلك الموعد الباهر مع التاريخ والحضارة والتقدم والعيش في سلام وامن مع شعوب العالم وأديانه وطوائفه؟

ويعود اهتمام الدكتور محمد الهادي بن الطاهر المطوي بالعلامة عبد الرحمان ابن خلدون لأنه يبقى من انبه رموز الثقافة العربية الاسلامية ومن اشهر اعلام الانسانية الذين طبقت شهرتهم الآفاق شرقا وغربا.. ولان الفكر العربي الإسلامي والإنساني لا يغفل عن الاحتفاء به سواء بالبحوث والدراسات والكتب او الندوات والملتقيات للوقوف على عبقريته ولتقييم اسهاماته في مختلف العلوم والفنون في علم العمران البشري او علم الاجتماع والتاريخ والحضارة العربية الإسلامية والإنسانية بصفة خاصة.. وفي ذلك الاطار وفي سنة الاحتفاء بالذكرى المائوية السادسة لوفاة ابن خلدون -مائوية ابن خلدون سنة 2006 – اعد المطوي بحثا حاول فيه إبراز ما تميزت به شخصية ابن خلدون من عقلانية وما اتسم به فكره من أصالة وتجديد وحداثة. وتوصل الى ان ابن خلدون كان اصيلا في مرجعياته وتفكيره باعتماده على تراثه العربي الاسلامي وبرؤاه الشخصية وواقع محيطه وعصره كما كان عصريا حينما نراهيصور واقعنا المعاصر ويعبر عن حاجاتنا ورؤانا المستقبلية كما لو كان يعيش معنا وبيننا. نتائج بحوث الدكتور المطوي جعلته يعتبر ابن خلدون الاب الروحي لحداثتنا المعاصرة لأنه استشرف احلامنا ومطامحنا بنظرة متحررة من قيود الزمان وعراقيل المكان.

أهمية هذه النتائج والصدى الطيب الذي تركته عند صدورها اول مرة في كتاب جعلت الدكتور محمد الهادي بن الطاهر المطوي يعيد اصدارها في نشرة جديدة ومنقحة وموسعة طبعتها الشركة التونسية للنشر وتنمية فنون الرسم تحت عنوان “ابن خلدون رائد الحداثة ( نحو إسلام اصفي وأمة أقوى) وذلك بعد ان نفدت الطبعة الاولى من الاسواق وبعد نقد ذاتي وعملية مراجعة وإصلاح ما غاب عن الكاتب إصلاحه في الطبعة الأولى.

في هذه الطبعة استدرك الدكتور محمد الهادي بن الطاهر المطوي على بعض الفصول بالتوسعة وإضافة قضايا وأبواب وفصول اخرى رآها ضرورية لأحفاد ابن خلدون من قراء ودارسين ومريدين. مثل ما اضافه للباب الثاني المتعلق بالحياة العائلية لابن خلدون وعلاقته بالمرأة او الباب الرابع الذي تناول فيه موضع ابن خلدون ونظرية النشوء والارتقاء والبابين الثالث والرابع وقد تناول فيهما علم اجتماع المعرفة، وعلم اجتماع المعرفة التربوية، ونظرية إسلامية المعرفة..

 كما نظر الكاتب ايضا في الباب الثاني عشر الخاص بعلوم اللسان وقضية تراجع اللغة العربية في عصر ابن خلدون، وكذلك في طرق تدريس العربية لغير الناطقين بها.

وطرح الباحث مشروع خطة للنهضة العربية التي نحتاج اليها على ضوء رؤية ابن خلدون والهدف الذي ربما كتب من اجله المقدمة وتاريخ العبر فكان كمن يسجل على ابن خلدون ويكمل ما فاته من تخطيط لمشروع تقدم العرب ورقيهم . وقد اورد المطوي بعض الشواهد من المقدمة او من كتاب التعريف او من تاريخ العبر لابن خلدون لتأييد استنتاجاته ودعم مواقفه. فعل اضطر اليه الباحث بالرغم من محاولة تجنب الكثير منه سواء بالحذف او الاختصار أو الإحالة لأنه نظر أحيانا إلى نفس الشاهد باعتبارين اثنين او بأكثر من اعتبار حسب ابواب الدراسة وفصولها وأنواع علومها والرؤية المختلفة التي قد نظر بها إلى الشاهد الواحد نفسه. لقد اراد الدكتور محمد الهادي بن الطاهر المطوي بهذا البحث اكتشاف ريادة ابن خلدون وعبقريته وأصالة أطروحاته في نهضة الأمة العربية الإسلامية وتقدمها، والغاية التنويرية التي هدف اليها بمقدمته التي اعتبرها غير المسبوقة لان المطوي يرى ان حق التأويل حق مشروع لكل باحث شرط تمتعه بحصافة الفهم واعتدال التفسير، ويقول في الصفحة 12 : “لولا هذا الحق وآفاق انتظاره ما استمر التراث يؤدي فعله الى عصرنا الحاضر والى ما سيليه من العصور.”

 ورد كتاب ابن خلدون رائد الحداثة (نحو إسلام أصفى، وأمة اقوي ) في 793 صفحة من الحجم الكبير وهو مقسم الى مقدمة وتمهيد لإشكالية البحث وستة ابواب تناول فيها اكتشاف عبقرية ابن خلدون ومقدمته في العصر الحديث وشخصية ابن خلدون في مكوناتها البيئية وأصول الفكر الخلدوني في المقدمة وبواعث الحداثة عند ابن خلدون ومظاهر الحداثة عند ابن خلدون .وينقسم الباب السادس الى 20 فصلا تناول فيها جهاز المصطلح الخلدوني، وابن خلدون وحقوق الإنسان، وعلم النفس، وعلم التربية والتعليم ( البيداغوجيا) علم التاريخ وعلم العمران، علم الاناسة وعلم البيئة، فن العمارة والمعاش وعلم الاقتصاد والتفكير السياسي ونظرية الحكم عند ابن خلدون وعلوم اللسان ومظاهر الحداثة في فني السيرة الذاتية والرحلة وتحديث خطاب الترسيل وابن خلدون وحداثة تأسيس فن المقالة وابن خلدون المقالي: من حداثة التأسيس الى حداثة التأثير وابن خلدونوالإحساس بالتراجع الحضاري العربي الإسلامي وابن خلدون واستشراف النهضة الأوروبية وأصالة ابن خلدون ومعاصرته وابن خلدون وعلم المستقبل. وانهى الدكتور محمد الهادي بن الطاهر المطوي كتابه بخاتمة عنوانها ابن خلدون والأبوة الروحية للحداثة العربية الإسلامية . جاء فيها بالخصوص ان العرب والمسلمين فوتوا على أنفسهم في تاريخهم الوسيط والحديث محطات هامة كانت كافية ليهتدوا بها إلى حماية حضارتهم من الركود والتراجع … وبهذا التفويت جابهتهم عوائق ووقعوا في متاهات ومهاو كانت سبب مآسيهم وانهياراتهم مثل – التوهم ان نهضة العرب والمسلمين الأولى ستضمن بقاءهم اسياد العالم الى ابد الآبدين ولن يزعزع لدولتهم ركن فتهاونوا في المحافظة على أسباب قوتهم حتى كان الانهيار والسقوط مصيرهم المحتم . -التورط في مساوئ نظام التوريث في الحكم والعدول عن نظام التداول – الافتقار إلى الزعامة الحقيقية والقيادة المحنكة – الثقة العمياء في الأجنبي ومخططاته وأساليبه – إهدار التدبير المحكم والاستثمار الرشيد للموارد المالية العربية سواء بصرفها في مشاريع لا تتأيد بها النهضة العربية المنشودة ، أو بسرقتها وادخارها في البنوك الأجنبية. ورأى الباحث انه لا بد لكل وثبة حضارية جديدة وحداثة منشودة من شروط من بينها مثلا العمل بالقيم الروحية والأخلاقية والفكرية . – اعتبار أن تحقيق العدالة الاجتماعية بين المواطنين هو الغاية الأولى من التنمية وان الكرامة والرفاهية هما حق إنساني ووطني للجميع – القضاء على الأمية والجهل وتبني سياسة جدية لنشر التعليم وتعريبه وتوحيد مناهجه في الأقطار العربية . – الاعتزاز باللغة العربية واعتمادها اللغة الأولى في كل مجالات الحياة . – التشجيع على تبني وسائل الثقافة الحية الخلاقة وفنونها وتطعيمها بالثقافات الحديثة . – تحديث العقل العربي الإسلامي وتنويرهحتى يكتسب القدرة على استيعاب مشروع التقدم والحداثة. – اعتماد منهج سياسي يقوم على التعاقد والانتخاب الحر والفصل بين السلطات. وأكد الباحث في نهاية الكتاب على اننا اذا اردنا ان نحقق بقاءنا وخلودنا في سجل التاريخ حاضرا ومستقبلا كما كنا في اوج قوتنا غابرا وماضيا لا بد ان نعود لما دوّنه عنا التاريخ بانبهار وإعجاب واعترف فيه ببداعة العبقرية العربية الإسلامية عبر الماضي والحاضر في بناء الحضارة وصناعة التاريخ.

علياء بن نحيلة_ الصباح، 2017/04/23

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق