رأي

ليبيا: غُموض الأُفق وحتمية الحل السياسي

 

 

علي عبد اللطيف اللافي
لا يختلف اثنان في أن الليبيين قد سئموا القتال والحروب والاشتباكات بين فرقاء الصراع، وأن الشعب الليبي يُواجه أوضاعا اجتماعية صعبة إضافة الى توسع الإرهاب وسط اُفق سياسي غامض وأوضاع إقليمية متقلبة، ورغم ايمان الجميع بحتمية الحل السياسي والذي بدونه ستدخل البلاد أزمة اعمق تتمثل في حرب أهلية والعودة الى مربع ما قبل ديسمبر 1952، فما هي الحلول المُمكنة التي تستطيع أن تضع اُفقا رحبا يدفع الفرقاء الى تحيين الاتفاق السياسي ليكون قابلا للتنفيذ ويدفع الجميع أن يجلسوا على طاولة للحوار برعاية أممية ودعم عربي وافريقي وعبر دفع من دُول الجوار ويجعل المبادرات المستقبلية ترى النور فعليا لتتحقق فعليا مصالحة وطنية تدفن الماضي وتبني مستقبل طالما حلم به الليبيون (وهو الحلم الذي دمرته 42 سنة من الفردية والاستبداد كما غيبته صراعات ما بعد 2014 والتي غيبت فعليا مكاسب ثورة فبراير 2011)؟

لم تُفلح المبادرات واللقاءات بين مُمثلين ظاهرين لفرقاء الصراع – أي بين السراج وحفتر – في وضع لمسات أولى لحل نهائي للصراعات رغم أنهما اتفقا خلال اللقاء الذي عقد في باريس بوساطة الرئيس الفرنسي “ايمانول ماكرون” في 25 جويلية الماضي، على وقف لإطلاق النار في كل البلاد أو على الأقل فتح أُفق سياسي يمكن عمليا من إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية بداية 2018. إلا أن الطريق نحو المصالحة في ليبيا مازال طويلا بل ويكتنفه الغموض والضباب…

كان لقاء باريس فعليا هو الثاني بين الرجلين خلال الأشهر الثلاثة الماضية، حيث سبق لهما أن التقيا في أبوظبي في شهر ماي الماضي بعد أن تعذر لقاءهما في القاهرة قبل ذلك، وخلال لقاء باريس أقر القائدان أن الحل السياسي وحده من سيُمهد عمليا لإنهاء الحرب بين فرقاء الصراع الممتد منذ 2014، كما اتفقا أنه ينبغي وضع كل المليشيات في البلاد تحت مقاليد جيش وطني مُوحد وخاضع للحكومة المركزية …
ولكن لقاء باريس والذي لا تزال المُلابسات التي أدت لعقده يكتنفها الغموض تضمن جوانب قُصور عديدة وخطيرة، ذلك أن وقف إطلاق النار لم يتطرق إلى دقة مطلوبة في مسألة محاربة الجماعات الإرهابية، وهو ما يخلق على الأرض الغاما عديدة تُعيد الأمور في كل مرة الى النقطة الصفر…

واضافة الى ذلك فشلت عمليا الترتيبات في تحديد موعد للانتخابات الجديدة المقترحة لمارس 2018، وبالتالي يمكن الجزم ان اتفاق باريس انتهي موضوعيا وفعليا، وهو ما أكده حفتر نفسه خلال زيارته الأخيرة الى موسكو…

عمليا بدأ الاضطراب الأولي مُباشرة بعد إزاحة القذافي عن السلطة في أكتوبر 2011، ورغم نجاح المجلس الانتقالي وحكومة الكيب في نقل السلطة في أوت 2012 إلى “المؤتمر الوطني العام”، ولكن الاضطرابات بدت جحيما فعليا على الليبيين منذ جوان2014، فعمليا اختار الناخبون إبدال ذلك المؤتمر ببرلمان ( مجلس نواب في طبرق اليوم)، وباعتبار أن النتائج كانت محل نزاع بين الفرقاء الليبيين فقد أدت الأحداث اللاحقة إلى تشكيل حكومتين متصارعتين (الأولى شكلها المؤتمر الوطني العام في طرابلس بغرب ليبيا، بينما الثانية شكلها مجلس النواب بطبرق في شرق ليبيا)، وبناء على الصراع الدامي سارعت الأمم المتحدة إلى إقامة حكومة الوفاق الوطني في ديسمبر 2015 التي مقرها طرابلس كنتاج لاتفاق الصخيرات إلا أن تلك الحكومة واجهت، منذ البداية معارضة في الغرب والشرق وخاصة من طرف برلمان طبرق والذي يتحكم فيه عمليا الجنرال حفتر بلافتة ما يُسمَيه هو “الجيش الوطني الليبي” …

ورغم سعي الدول الغربية والإقليمية عبر دفع السراج وحفتر إلى الجلوس إلى طاولة المفاوضات، إلا أن التردد الدولي إزاء منح حفتر دورا سياسيا في الحكومة وعدم الاتفاق تحديدا على الشروط أي “هل يشارك حفتر بشروطه أم بشروط الآخرين؟” ، كل ذلك جعل كل الحلول تسقط في الماء نتاج تقلب حفتر في مواقفه والمبنية على رغبة المصريين والاماراتيين في حرق ثورات الربيع العربي أي تدمير أسس الانتقال في ليبيا ومصر وتونس ، بل أن حفتر بدا دوما يبحث عن فرص لتلميع أوراقه عالميا ويبدو أنه ذهب الى باريس من أجل الاحتفاء فقط وللتغطية عن صرعات في معسكر الكرامة في شرق ليبيا …

والثابت اليوم أن الحقيقة ميدانيا هي “أن الجمود السياسي الليبي مهد الطريق أمام قوات حفتر لأن تنال قبولا وان كان نسبيا”، بل وأوهم الناس أنه يتقدم بسرعة رغم أن كل من يعرف ليبيا يعرف جيدا أن الجنرال -الذي قضى 20 عاما في فريجينا الامريكية – لن يتنحى عن طموحاته، ولكنه أيضا لن يحكم ليبيا مهما فعل، وهو الذي لم يُسيطر على بنغازي الا بعد ثلاث سنوات وبعد انسحاب خصومه الذي يُوسمهم مثله مثل الاعلام المصري المقرب من السيسي، أنهم جميعا إرهابيون…

ولكن ما ينساه كُل المُتابعين والمراقبين، أن جوهر الصراع في ليبيا هو حرب بالوكالة لصالح أذرع إقليمية تُديرها قُوى دولية هدفها النهائي هو النفط والغاز وثروات في الجنوب الليبي- تفوق ارقامها تقديرات الخيال البشري وحتى المراكز المختصة-، وفعليا تُؤكد لغة الأرقام أنه خلال شهر جويلية الماضي ضخت حقول النفط الليبية عمليا على مدى أربع سنوات 1.2 مليون برميل يوميا ووصلت البلاد أيضا مستوى عاليا في السنوات الثلاث الأخيرة في تصدير النفط….

ومما لا شك فيه أن الليبيين الذين غيبهم نظام العقيد بشكل كامل، وأحبطتهم المعارك بين فرقاء الصراع بعد 2014، يتطلعون إلى مصالحة تنبثق عنها حكومة قادرة على إدارة الأوضاع وإلى بناء حياة سياسية ومدنية تُؤدي الى بناء المؤسسات بما فيها الأمنية وتكون المؤسستين الأمنية والعسكرية موحدتين وقادرتين على التعامل والتفاعل مع الأعداد الهائلة من المهاجرين الأفارقة والشرق أوسطيين المتدفقين على ليبيا من أجل عبور البحر الأبيض المتوسط أملا في الوصول إلى أوروبا (عمليا عملت البحرية الليبية خلال الأيام الاخيرة بالتعاون مع إيطاليا، إلى اعتراض قوارب نقل المهاجرين عبر اتفاقيات مع إفريقيا والاتحاد الأوروبي بشكل أكثر فاعلية….)

وفي الختام فإن الألغام أمام ليبيا، أكثر من أن تُعد وخاصة أمام انجاز اتفاقات قريبة وقابلة للحياة والتنفيذ، ولكن يمكن التأكيد أن الليبيين يُمكنهم من الخروج من طوق الصراعات والحروب كما يبقى إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية في 2018 أمرا واردا ولكنه صعب عمليا على الأرض إلا بتوفر شروط موضوعية عديدة في الداخل وتغييرات دراماتيكية إقليميا (وخاصة في تونس ومصر) ومدى قُدرة الجزائر على التماسك والتأثير لأن أي مصاعب في ليبيا ستنعكس على أمنها ومُستقبلها وعلى أمن تونس وكل شمال افريقيا بل على افريقيا والحوض المتوسطي أيضا…..

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1]  أنظر مقالنا “الوضع الاقتصادي في لبيا ومعالجاته الممكنة”، نشر في صحيفة “الراي العام”، بتاريخ 24 أوت 2017 ص 22

[2]  أنظر مقالات الكاتب “من يريد أن يعرقل حكومة السراج التوافقية “، الفجر بتاريخ 13 ماي 2016، ومقال “هل ستواصل مكونات طبرق عرقلة السراج” بتاريخ 09 جوان 2016 ، ومقال “من يريد ان يُعيد الأمور الى نقطة البداية” بتاريخ 07 ماي 2016  ( نشرا بموقع المغاربي)…

[3]  أنظر مقال الكاتب “كيف مالت الكفة للمجلس الرئاسي في ليبيا؟”، نشر بموقع المغاربي بتاريخ 13 جوان 2017 …

[4]  حسب جيوف بورتر (رئيس استشارات مخاطر شمال أفريقيا)، فإن الصفقة التي وقعت بين السراج وحفتر في يوليو “انتهت إلى تقوية جنرال ذي طموح دكتاتوري” (أورده  “بنت استفل” – نائب مدير التحليلات في محطة السفر بريف- في مقال له تحت عنوان  “الوحدة الليبية مازالت بعيدة المنال”)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق