
واصلت هيئات التحقيق القضائية في ولاية نواكشوط الغربية أمس تحضيراتها لمحاكمة المشمولين بما أصبح يعرف بملف «الفساد العابر للحدود» وعلى رأسهم رجل الأعمال المعارض محمد ولد بوعماتو.
ويتعلق الأمر اليوم بثلاثة عشر عضوا في مجلس الشيوخ المنحل، وأمينين عامين لأكبر نقابات عمالية، وأربعة صحافيين، ومسؤولي وسائل نشر، وعسكري سابق، ورجلي أعمال وشركاتهما.
وأكد متهمون خاضعون لرقابة القضاء طلبوا عدم ذكر أسمائهم أمس «إن السلطات سحبت من المتهمين في ملف العلاقة مع دولة محمد ولد بوعماتو جميعهم، جوازات سفرهم؛ وأبلغتهم رسميا بأن السفر للخارج ممنوع عليهم، وأن عليهم المرور مرة واحدة على الأقل بمصالح الرقابة القضائية خلال الأسبوع لتسجيل الحضور، وأن عليهم ترك هواتفهم مفتوحة دائما وأبدا لأن عدم ردهم على أي اتصال بهم من طرف السلطات يعتبر استهزاء بالقضاء».
وبينما لم يصدر أي توضيح رسمي من جانب القضاء حتى ظهر يوم أمس، أكدت هيئة الدفاع عن السناتور محمد ولد غدة في بيان وزعته أمس «أنه تم اختطاف محمد ولد غدة من منزله من طرف الشرطة السياسية برغم حصانته البرلمانية ليظل محتجزا في الخفاء ابتداء من يوم 10. 08 .2017، ثم ليخرج من مخافر الشرطة بعد واحد وعشرين يوما قضاها في ظل خرق سافر لكل القواعد الإجرائية المتعلقة بالحراسة النظرية».
«خلال استجوابه أمام وكيل الجمهورية وحضور هيئة دفاعه تأكد عدم ارتكاب ولد غدة لأي جرم مثل كل المشتبه فيهم الآخرين، ليظل الطابع السياسي مهيمنا بالتطويع المؤسف للقضاء لأغراض طائفية وهي التوجيهات التي تظهر بينة من التصريحات النارية الصادرة عن السلطات السياسية ضد مجلس الشيوخ بوصفه هيئة إجرام مع توجيه الأصابع ضد الشيوخ باتهامهم بشتى العبارات بعد تصويتهم ضد التعديلات الدستورية».
وتابعت الهيئة بيناها قائلة «كما أنه يتضح كذلك من كل التصريحات الصادرة عن السلطات السياسية ومن كل الأسئلة التي وجهت للمشتبه فيهم، منذ استدعاء الشرطة، مساعي السلطة لنزع المصداقية عن تصويت الشيوخ السلبي حول التعديلات الدستورية حتى يفقد مضمونه وما آل إليه بتحويل تصويتهم إلى عملية متاجرة مصدرها الرشوة».
«وفي المنطق نفسه، يضيف البيان، ووعيا منهم بظروف انعدام الشرعية لتوقيت عملية فتح التحقيق، حاول قضاة التحقيق، بعد وضع تاريخ مغلوط على محاضر فتح التحقيق، إرغام المشتبه فيهم على الرد على بعض الأسئلة المتعلقة بالمحاضر قبل اطلاع المحامين عليها من دون اعتبار لنص الاجراءات على أن المثول الأول يقتصر إبلاغ المتهم بصيغة الاتهام التي صاغتها النيابة ضده».
وزادت الهيئة «وفيما يخص براءة السيد ولد غدة حول حادثة الرصاصة الصديقة التي أدت إلى جروح بالغة يوم 13 أكتوبر/ تشرين الأول 2012 لرئيس الدولة، فإن البراءة منها قائمة استنادا على التسجيل المصور (الفيديو) حول وقائع تلك الحادثة.»
«إن هيئة دفاع السيد ولد غدة، يضيف البيان، تجدد رفضها لكل الاتهامات الموجهة له بسبب انعدام أي دليل يعضدها، وهي تجدد رفض موكلها لمواصلة اعتقاله لأسباب واهية تم إلصاقها به تعسفيا برغم الحصانة البرلمانية التي رفض زملاؤه رفعها طبقا لصلاحياتهم الدستورية».
وشددت الهيئة على «أنها ستبقى عاقدة الأمل على أن تظل المسطرة المفتوحة ضد المشتبه فيهم بإشراف قطب قضاة التحقيق تمارس طبق الشرعية وبعيدة كل البعد عن كل أنواع الضغط والانعكاسات الخارجة عن المساطر القضائية، كما أنها تذكر خصيصا بأن هدف مرحلة التحقيق يجب أن يكون إظهار الحقيقة في إطار التقيد المطلق بقرينة البراءة والحقوق الأساسية للجميع في محاكمة عادلة».
وكان محامي ولد غدة الأستاذ محمد ألمامي مولاي أعلن أمس منتقدا الحبس الاحتياط الذي يخضع له السناتور محمد ولد غدة، حيث أكد «أنه لا يوجد مبرر من مبررات الحبس الاحتياط، المحددة حصرا في المادة 138 من قانون الاجراءات الجنائية، بخطورة الوقائع والمنع من إخفاء الأدلة، والخوف من هروب المتهم، والخوف من ارتكاب جرائم جديدة، فالوقائع المنسوبة للمتهم لا تتسم بالخطورة إذ لا تجعلهم عرضة لانتقام الجماهير، ولا تدخل في الوقائع الخطيرة التي تبرر إطالة الحبس الاحتياط المحددة حصرا في المادة ذاتها، كما أنه لا خوف من إخفاء الأدلة، فكل ما هناك مجرد محاضر بيد قطب التحقيق فلا خوف عليها، كما لا خوف من هروبه إذ هو معروف معلوم المكان ووثائقه محجوزة، كما لا خوف من ارتكاب جرائم جديدة ممن ليس من أصحاب السوابق، ومجلس الشيوخ قد تم الغاؤه فلا خوف من التصويت مرة أخرى بلا».
واعتبر المحامي مولاي في تدوينته «أن تكييف النيابة العامة للتهم الموجهة للمجموعة مثير للعجب، إذ بنت على المواد 2 و3 و7 و21 و22، من قانون الفساد والواقع أن المادة 2 تعرف الموظف العمومي، والمادة 3 تعاقب رشوة الموظف العمومي من أجل القيام بعمل أو الامتناع عن عمل من أعمال وظيفته، بينما تعاقب المادة 7 رشوة موظف القطاع الخاص من أجل القيام بعمل أو الامتناع عنه خرقا لواجباته، في حين تتناول المادة 21 المشاركة، والمادة 22 مسؤولية الأشخاص الاعتبارية، بينما نجد أن التهم المنسوبة لموكلنا، وهو منها براء، المتعلقة برشوة أعضاء مجلس الشيوخ للتأثير في خياراتهم الانتخابية منصوصة في المادة 8 من القانون نفسه، ومعاقبة بالحرمان من الحقوق الوطنية، ولا تعاقب بعقوبة حبسية، وبالتالي لا مبرر للحبس الاحتياط فيها أصلا، لكن النيابة العامة تعمدت إغفال هذه المادة، وتجاوزت إلى مواد لا علاقة لها بالتهم التي تريد إلصاقها بموكلنا ».
وأكد المحامي مولاي «تمسكه ببطلان الاجراءات المشوبة بخرق القانون، داعيا «السلطة القضائية إلى تحمل مسؤولياتها الكاملة، والتمسك باستقلاليتها، حتى لا تكون مجرد وسيلة لتصفية الحسابات السياسية».
القدس العربي، 2017/09/06