تونسرأي

المساواة في الإرث والإصلاح التونسي

طرح الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي في «عيد المرأة» بتونس يوم الأحد 13أغسطس/آب الجاري،موضوع المساواة بين الرجال والنساء في الإرث، معتبراً أن تونس تتجه إلى المساواة «في جميع الميادين»،إذ قال: «لا بد من أن نقول أننا نتجه نحو المساواة في جميع الميادين، والمسألة كلها في الإرث». مرّة أخرى، ينجح رئيس الدولة الباجي قائد السبسي في الانتصار للمشروع الوطني الحداثوي، الذي ناضلت من أجله أجيال من المصلحين مند منتصف القرن التاسع عشر من أجل بناء دولة مدنية ذات مؤسسات سيادية قوية تتمتع باستقلالية قرارها الوطني، وأيضاً من أجل مجتمع تعددي ديمقراطي يضمن الحق في الاختلاف والتعايش السلمي، بطرح قضيّة مجتمعية ( أي المساواة في الإرث بين الرجل و المرأة ، وزواج التونسية بغير المسلم) ،هي في صميم نهج تحرير المرأة الذي وضع معالمه الأولى الزعيم بورقيبة والشيخ الطاهر الحداد. فهو قرار يعتبر من أكثر القرارات جرأة ومناصرة للمرأة، بتمكينها من المساواة في الارث والحرية في اختيار القرين، باعتباره حقّ دستوري لا يمكن لأي كان أن ينزعه عنها.

وكان الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة بعد أن قام بتصفية البنية التحتية الاقتصادية للمؤسسة الاسلامية التقليدية من خلال إلغاء مؤسسة الحبس والأوقاف : قراري 31 أيار/مايو 1956، و18 تموز /يوليو1957، اتخذ قرارات غاية في الجذرية مثل إعلان قانون الأحوال الشخصية للمرأة في13 أغسطس/آب 1956، الذي ألغى تعدد الزوجات، وأتاح التعليم الإجباري للبنات، ونصح بتحديد النسل، وأوصى بحرية اختيار الشريك الزوجي، وألغى التطليق، وأفسح في المجال أمام الزواج المدني والطلاق القضائي. ونص الدستور التونسي الذي تم تبينه عام 1959 على المساواة القضائية بين الرجل والمرأة في حق الانتخاب تصويتاً وترشيحاً، وحق العمل… ويعاقب القانون التونسي منذ العام 2004 على التحرش الجنسي.وللمرأة التونسية حق منح أولادها جنسيتها، وتم إحداث صندوق يضمن تسديد النفقة الزوجية حتى لا تضطر للجري وراء طليقها..

وكان سن هذه القوانين التشريعية الجديدة كما يقول بو رقيبة ،تعبيراً « عن ضرورة التكيف مع متطلبات الحياة المعاصرة، وتسيير شؤون الحياة، وفق المنطق الجديد الذي لا يعد منطقاً متناقضاً مع روح الاسلام » .ووحد بورقيبة القضاء على أساس القوانين الوضعية، وألغى المؤسسة القضائية التقليدية التي تعكس البنية التحتية المتأخرة تاريخيًا. أما فيما يتعلق بالإرث بين الرجل والمرأة فقد قال بورقيبة بالحرف الواحد للسيد محمد المزالي رئيس الحكومة الراحل : «سأموت وستبقى مسألة المساواة في الإرث في نفسي».

واحتل تحرير المرأة التونسية مركزا ً جوهريا ًفي المشروع التحديثي البورقيبي ، الذي امتد على أكثر من ثلاثة عقود ،إذ قامت علاقة المرأة بالسلطة السياسية في تونس على تاريخ نوعي خاص، رسم مسارا ً استراتيجيا ً يصعب جدا ً التخلي عنه، أو التراجع عن أي من مكاسبه، إنها علاقة يجتمع فيها الجوهري بالشكلي، والاجتماعي والإنساني بالسياسي وبالتنموي.

وكان مفهوم التحديث في الخطاب السياسي البورقيبي، يقوم على تبني نسق من القيم الغربية و السعي إلى التماثل مع القيم المجتمعية الغربية.

بقدر ما تم الثناء على طرح رئيس الجمهورية ومبادرته الجريئة ، التي تدخل في سياق مزيد دعم حقوق وحريات ومكتسبات المرأة (دعم الحقوق المادية عبر المساواة في ، ودعم الحريات عبر تمكينها من الزواج من الشخص الذي تريد)، ، بقدر ما رأى قسم آخر من التونسيين أن طرح الرئيس التونسي لا يخلو من التوظيف السياسي يخدم مصلحة الباجي قائد السبسي نفسه وكذلك حزبه الاصلي نداء تونس، لا سيما مع اقتراب مواعيد استحقاقات انتخابية مهمة :أولها في الانتخابات البلدية في ديسمبر 2017،وأيضا في الانتخابات التشريعية، و الرئاسية في سنة 2019 .

لقد أصبحت المرأة التونسية مصدرا ً من مصادر الشرعية للسلطة السياسية القائمة في تونس ،سواء في عهد بورقيبة ،أم في عهد الرئيس الحالي الباجي قائد السبسي ، الذي صوتت لانتخابه في نهاية خريف 2014، مليون امرأة، نظرا ً لوجود علاقة جدلية بين الطرفين ، إضافة إلى المصالح المختلطة و المتشابكة .وبذلك لعبت أصوات النساء دورا حاسما في فوز مرشح النداء الباجي قائد السبسي على حساب منصف المرزوقي، وبلغ عدد أصوات الناخبات 60 بالمائة من مجموع الأصوات التي حصل عليها الرئيس الباجي الذي اعترف به آنذاك ،وعبر عن امتنانه لنساء تونس اللواتي صوتن لصالحه. ويبدو ان قائد السبسي قرأ حسابا للمحافظة على هذا «الخزان الانتخابي» في صورة تفكيره في إعادة الترشح لرئاسية 2019 وهو ما لم ينفه مؤخرا في أحد تصريحاته إلى جانب فرضية تفكيره أيضا في المحافظة على تقدم الحزب الذي أسسه «نداء تونس».

أذكى وصول حركة النهضة إلى السلطة عقب انتخابات 23أكتوبر 2011، الخوف المشترك بين المدافعين عن المشروع الوطني الحداثي و الدولة المدنية و المرأة على التخندق في الخندق الايديولوجي و السياسي الواحد ، باعتبارهما المستهدفين من مشروع حركة النهضة القائم على استراتيجية «التمكين»، و الهيمنة على مفاصل الدولة بالتدريج .فالمدافعون عن الدولة المدنية في تونس يتفاخرون أنهم أسهموا في تحرير المرأة ، بوصفها الضامن الوحيد للمحافظة على مكاسبها أمام مشروع الإسلاميين ،و استخدامها كبعبع تخويف ضد المجتمع ككل بشكل عام ، و ضد المرأة بشكل خاص. فيما أصبحت المرأة التونسية توفر للسلطة الحداثوية والعلمانية التعبئة والمساندةاللازمة.

توفيق المديني

المصدر: صحيفة العربي الجديد،19أوت 2017

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق