
يتعرض المغرب هذه الأيام لحملة إعلامية ممنهجة باستهدافات سياسية مكشوفة لزعزعة موقعه على الصعيدين الإقليمي والدولي الذي بدأ يتعزز من خلال التركيز المدروس للعاهل المغربي الملك محمد السادس على الأبعاد الاستراتيجية لقرار العودة إلى أفريقيا. وقد شكل هذا القرار منعطفا سياسيا هاما للسياسة الخارجية المغربية.
وتنظر الأوساط السياسية المغربية بقلق إزاء تصاعد وتيرة تلك الحملة التي استغلت أحداث الحسيمة، ثم تطورت بأشكال مُتعددة حتى وصلت إلى مسألة الإرهاب والتطرف من خلال محاولة توظيف تورط مغربي في الاعتداء الإرهابي الذي ضرب الأسبوع الماضي وسط مدينة برشلونة الإسبانية.
وبدأت تلك الحملة تدفع باتجاه تقديم صورة قاتمة للأوضاع في البلاد، والإيحاء بأن المغرب يتحول تدريجيا إلى أن يكون ساحة للمتطرفين، وذلك في عملية استنساخ للحملة التي استهدفت تونس خلال السنوات الماضية، والتي وصلت إلى حد وصفها بأنها “خزان بشري” للتنظيمات المتطرفة والإرهابية الناشطة في مختلف مناطق بؤر التوتر في العالم.
وشهدت الأسابيع الماضية تنافسا محموما بين وسائل إعلام غربية لرفع سقف التحامل على المغرب، تارة بحجة التضييق على حرية الإعلام والتعبير ارتباطا بأحداث الحسيمة وتارة أخرى بذريعة تزايد عدد المغاربة الذين يشتبه في انضمامهم إلى تنظيم الدولة الإسلامية. ووصلت هذه الحملة الإعلامية إلى ذروتها عندما نشرت صحيفة الأوبزرفر البريطانية تقريرا مطولا بعد اعتداء إسبانيا، أشارت فيه إلى أن 300 من عناصر تنظيم داعش عادوا إلى المغرب، وأن خمسة منهم نفذوا الهجمات الأخيرة في كتالونيا الإسبانية.
ولم تكتف بذلك، وإنما ذهبت في تقريرها الذي نشر الأحد الماضي، للإشارة إلى أن نحو 1600 مغربي انضموا إلى داعش في سوريا والعراق، الأمر الذي جعلهم من أكثر الجنسيات التحاقا بهذا التنظيم المصنف على قائمة الإرهاب الدولية. والخطير في هذا التقرير هو القول إن “نحو 1000 داعشي تم تهريبهم إلى المغرب وتونس”، دون أن تذكر الصحيفة البريطانية مصدر مثل هذه المعلومة التي من شأنها التأثير مباشرة على القطاع السياحي في تونس والمغرب، من خلال إشاعة الخوف والرعب لدى قطاعات واسعة من السياح الغربيين، لا سيما وأنها ارتبطت بالتأكيد على أن المئات من العائدين إلى المغرب من بؤر التوتر يشكلون تهديدا كبيرا على أبواب أوروبا.
وقال عبدالرحيم المنار السليمي، رئيس المركز الأطلسي للدراسات الاستراتيجية والتحليل الأمني، لـ”العرب”، في تفاعل مع هذه الحملة، إنه يمكن تفسير الهجوم الذي يتعرض له المغرب، سواء عن طريق الإعلام أو دفع بعض المراكز الأوروبية إلى إصدار تقارير مسيئة لصورة المغرب، بعوامل متعددة منها الحالة النفسية التي تعيشها أوروبا بعد ضربات بروكسل وباريس ولندن وبرشلونة التي اكتشف معها الأوروبيون أن داعش أوروبا الذي كان يحذر منه المغرب الأوروبيين بات بينهم.
وأكد أنه في الوقت الذي كانت فيه السلطات ومراكز الدراسات الأمنية تربط الضربات الإرهابية بأصول مغاربية، كانت السلطات الأمنية المغربية تحذر من هذا التصنيف الخاطئ، وتشير بناء على المعطيات الموجودة لديها إلى أن داعش جديدا (داعش أوروبا) في طور الولادة.
واعتبر أن هذا هو “الواقع الذي يشرح اليوم هذا الهجوم الإعلامي والتقارير الصادرة ضد المغرب، فالأوروبيون يسعون إلى نقل توصيف الخطر بربطه بالخارج”. ولفت في المقابل إلى أن الإعلام الأوروبي “يعمد إلى الخلط، ونقل المعلومة الخاطئة إلى الرأي العام لتحريضه ضد المهاجرين، وهو عمل من شأنه أن يخلق جماعات متطرفة جديدة”.
وربط السليمي هذه الحملة التي قال إنها “تتم بطريقة منظمة” بالتوجه الاستراتيجي للمغرب نحو أفريقيا، حيث لفت إلى أنها “انطلقت منذ أن شعر الأوروبيون بأن المغرب يدير ظهره لهم ويتجه نحو أفريقيا”. وقال “كلما تمسك المغرب بالقارة الأفريقية ازداد هجوم الأوروبيين ومناوراتهم ضد المغرب عبر الإعلام والتقارير وتحريك محكمة العدل الأوروبية، يضاف إلى ذلك صراع بريطانيا وإسبانيا في منطقة جبل طارق الذي يضغطان فيه معا على المغرب لينحاز لدعم إحداهما، خاصة بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي”.
لكن المغرب، وكما يؤكد السليمي، خارج هذه الضغوطات و”سيكون من الصعب على دول أوروبا الغربية إدارة المعركة ضد الإرهاب دون تعاون مع المغرب الذي يملك قاعدة معلومات أمنية كبيرة حول تحركات الإرهابيين الأجانب الذين يعودون إلى أوروبا”.
وحذر في المقابل من محاولة زعزعة التعاون البناء بين المغرب وعدد من الدول الأوروبية منها إسبانيا وفرنسا وبلجيكا وهولندا، أو محاولة ضرب استقرار المغرب، لأن ذلك سيجعل أوروبا تفقد داعما استراتيجيا لها في مكافحة الإرهاب، ما “يعني الفوضى العارمة في أوروبا بكافة أطرافها باعتبار أن المغرب تفصله عن أوروبا 14 كلمفقط”.
الجمعي قاسمي
المصدر: العرب ،العدد 10732، 2017/08/24،ص7.