
وفي نهاية السنة السياسية وبداية الصائفة الحالية برزت دعوات متناثرة وتأكيد من المنظمة الشغيلة على اجراء التحوير الوزاري في مستويين أولا لسد الشغورات الحاصلة وثانيا لتلافي تمظهرات العجز في عدد من الملفات. وظل حديث التحوير متواترا بدرجات متفاوتة يعلن خلالها في كل مرة رئيس الحكومة أن التحوير من مشمولاته بعد التقييم ويرجع التأخير الى فترة بداية السنة السياسية الجديدة مطلع شهر سبتمبر.
وعلى امتداد هذه الفترة لاح سجال مستفيض كان منطلقه التحوير وقاد الى استنتاج أن هذا الائتلاف الحكومي لم يعد متجانسا وأن التجاذبات قد سيطرت عليه بالكامل الى درجة دخول الحكومة في شبه عطالة في تنفيذ البرامج. واتخذت هذه الصراعات اشكالا عدة لعل أبرزها التلاسن بين مكوناتها واتهام بعضها للاخر بالفساد بينما بقيت ملفات عديدة رهن لي الذراع وحبيسة اختلاف كلي في التصورات والرؤى بما زاد في حجم الضغوطات على يوسف الشاهد من أجل اعادة ترتيب فريقه الحكومي قبل أن يفجرها الفاضل عبد الكافي ويستقيل واضعا الحكومة أمام ضرورة هذا التحوير.
ولا تبدو مهمة الشاهد في التحوير الوزاري هينة على الاطلاق مع ازدياد ضغط الاحزاب واشتراطاتها وتحذيرات الاتحاد العام التونسي للشغل التي برزت مؤخرا، هل هو تحوير جزئي أم حكومة جديدة؟ هو عنوان أحد أبرز الاختلافات الواقعة في الكواليس اذ يرنو حزب نداء تونس الى توسيع تمثيليته في الحكومة نحو استلام الحكم بالكامل كما يعبر عن ذلك المدير التنفيذي للحزب في تدوينته الاخيرة التي قال فيها إن نداء تونس هو الفائز بأعلى الاصوات في التشريعية والرئاسية. وماناله من تعيينات هو أقل بكثير من الوضع العادي الذي يسعى الى تكريسه خلال التعيينات القادمة.
وفي المقابل لا يبدو شريك الحكم حركة النهضة على تماه تام مع فكرة التحوير العميق اذ ما فتئت تعبر قياداتها عن فكرة القيام بالتحوير الوزاري في حدود سد الشغورات وتلافي العجز مع ابداء شيء من التحفظ حيال التحوير الكلي الذي تعتبر توقيته غير مناسب والبلاد مقبلة على محطات انتخابية هامة بما يستدعي برأيها الغالب الاكتفاء بتحوير جزئي وترحيل التحوير العميق الى مابعد الانتخابات البلدية.
هذا التناقض في التصورات من التحوير يلتقي عند نقطة ضغط بالغة الاهمية تكمن في حيازة الحزبين على اكبر تمثيلية برلمانية من شأنها التعطيل وتقابله آراء أخرى لاترى في مجرد التحوير حلا لعل ابرزها الجبهة الشعبية وماعبر عنه منسق حركة تونس أولا وصولا الى موقف المنظمة الشغيلة الذي حذر بشديد اللهجة من تحوير «المحاصصات الحزبية» لقول أمينها العام نور الدين الطبوبي مؤخرا بأن الاتحاد لن يقف شاهد زور في هذه المرة.
وينطلق تشخيص اتحاد الشغل بأن مسار وثيقة قرطاج قد بلغ النفق المظلم جراء استفحال الازمة السياسية التي تمثلت في تباين قراءة الواقع وانعدام التوافق بين مكونات الائتلاف الحاكم امام اختلاف الرؤى والتصورات بما احدث شللا في التعاطي مع الملفات الاقتصادية والاجتماعية بالاساس. واستدعى ضرورة القيام بتحوير وزاري معمق وفق موقف الاتحاد الذي يشدد على ضرورة التخلي عن المحاصصات الحزبية الكلاسيكية التي اثبتت فشلها في كل المحطات بما فيها مسار الوحدة الوطنية.
وبناء على ماتقدم لا تزال مشاورات التحوير ضبابية وسط أزمة سياسية صامتة من شأنها التفجر في كل لحظة خاصة لو صحت الاخبار المتواترة عن عزم رئيس الحكومة إحداث المفاجأة وممارسة صلاحيته خارج ضغط الاحزاب في التحوير الوزاري المرتقب الذي ترتفع وتيرته يوما بعد يوم.