
تبريرات الحكومة:
لكن حسابات السياسة الإيطالية لم تأخذ بعين الاعتبار مواقف والدي ريجيني، وإن حرصت على إخراج عملية العودة باعتبارها خطوة على طريق “تسريع كشف الحقيقة” كما جاء في التبريرات التي قدمتها الحكومة، فقد أكدت أن القرار اتخذ بعد إرسال القضاء المصري وثائق جديدة في قضية مقتل ريجيني إلى الادعاء الإيطالي، وهو ما اعتبرته الحكومة مؤشرا إيجابيا يكفي لعودة السفير خلافا لشروطها السابقة.
لكن الصحيفة -التي لم تخف أن القرار له طعم المرارة والخيبة- دعت الحكومة الإيطالية إلى الحديث بشكل واضح مع الرأي العام وإطلاعه بأن السبب الحقيقي يكمن في ليبيا لا في تسريع التحقيق في قضية جوليو ريجيني.
لقاء باريس:
يبدو إذن أن السياق الدولي لعب دورا حاسما لصالح عودة السفير الإيطالي إلى القاهرة. ولعل نقطة التحول الكبرى كانت في اللقاء الذي جمع في باريس رئيس حكومة الوفاق الوطني فايز السراج واللواء المتقاعد خليفة حفتر المدعوم من مصر. لقد تبين لروما حينها أن باريس ماضية في إمساك خيوط اللعبة، وأن العلاقات مع القاهرة -التي تشترك مع باريس في دعم خليفة حفتر- مهمة لإدارة لعبة الأزمة الليبية الصعبة بفعالية أكبر.
قبيل هذا القرار، بدا أن حفتر الذي يقدم نفسه بأنه الرجل الأقوى في ليبيا، يريد أن يستفيد من الزخم الذي خلفه لقاؤه في باريس مع الرئيس إيمانويل ماكرون، حيث كشف لصحيفة “كوريي ديلا سييرا” أن ماكرون طالبه بقائمة باحتياجاته العسكرية، وأنه بصدد إرسال هذه القائمة التي تشمل طائرات مروحية وسيارات عسكرية ومعدات للرؤية الليلية، وهو ما يعني أنه سيتلقى دعما عسكريا معلنا من باريس.
وبدا أن روما لا تتظر بعين الرضا إلى هذه التطورات وترى فيها تهديدا لمصالحها في ليبيا، وتجاهلا لموقعها في المنطقة وهي التي ترتبط بعلاقات تاريخية وجغرافية واقتصادية مع ليبيا. لذلك عدلت قليلا بوصلتها الخارجية في محاولة لاستمالة حفتر بغية خلق توازن مع الغريم الفرنسي.
وجاءت تصريحات لوزير الخارجية الإيطالي أنجيلينو ألفانو غداة هذه المقابلة، لتؤكد هذا التحول الهادئ، إذ قال ألفانو إنه لا يرى مانعا في التعامل مع حفتر، معتبرا أنه من غير المستغرب أن تجري الحكومة الإيطالية لقاءات معه، مضيفا أن بلاده كانت من أوائل الدول التي اعتبرت أن حفتر يستحق دورا مهما لإعادة بناء ليبيا، لكن تحت مظلة المؤسسات المدنية.
المصدر : الجزيرة