المغربتحاليل

”الأصالة والمعاصرة“: ماذا بعد استقالة إلياس العماري؟

 

 

شكلت استقالة إلیاس العماري، من منصب الأمانة العامة لحزب ”الأصالة والمعاصرة“ الحدث الأبرز خلال الشھر الجاري. ففي الغالب الأعم تكون الأحداث الحزبیة والسیاسیة والبرلمانیة قلیلة إلى منعدمة خلال شھر غشت من كل سنة، لكن قرار العماري بالاستقالة من حزب ظل لصیقا باسمھ كسر ھذه القاعدة. والواقع أن استقالة ابن الریف من منصبھ وإعلانھ عن ذلك في ندوة صحافیة كانت مفاجئة سواء لخصومھ أو لمؤیدیھ الذین لم یستسیغوھا بعد، لكن السؤال الأھم: ماذا عن مستقبل حزب ”الجرار“ بعد إلیاس العماري؟

رغم أن الأخیر لم یتسلم دفة الحزب إلا قبل سنة ونصف، إلا أن العارفین بدھالیز ”البام“ یعلمون علم الیقین أنھ كان المتحكم الأول في التنظیم الحزبي منذ عھد محمد الشیخ بید الله ومن بعده مصطفى الباكوري. العماري أثر كثیرا في مسار ”الأصالة والمعاصرة“ سواء على المستوى السیاسي أو في مواقفھ أو في التسییر واختیار المرشحین، بل إن الأمین العام المستقیل تمكن من التأثیر حتى على قیادیین حزبیین آخرین من أجل أن یكونوا جزء من تحالف یقود ھو سفینتھ

ھذا لا یمنع من ذكر بعض الإشكالیات التي طرحھا وجود العماري على رأس ”البام“ وأبرزھا تدبیره للانتخابات الجماعیة باعتباره رئیس لجنة الانتخابات وتدبیره للانتخابات التشریعیة باعتباره ربان ”التراكتور“. صحیح أن العماري برر استقالتھ بعدم رضاه عن مردودیة البرلمانیین ورؤساء الجماعات الترابیة والجھات الذین اختارھم بنفسھ (ھذه المبررات لم تقنع أغلب الصحافیین الحاضرین في ندوة العماري الصحافیة الأخیرة)، إلا أن ھذا لا یمنع من التذكیر أن ھاجس الفوز في الاستحقاقات الانتخابیة السالفة الذكر بأي ثمن، جعل العماري یغمض عینھ عن كل الطاقات التي یزخر بھا الحزب، مفضلا منح التزكیات فقط للأعیان والكائنات الانتخابیة التي أتى بعضھا من أحزاب سیاسیة أخرى، وبالتالي فإن النتیجة غیر المرضیة لإلیاس العماري والتي دفعتھ إلى الاستقالة لا تعدو أن تكون سوى ”تحصیل حاصل“ لتدبیره العملیة الانتخابیة.

ولقد سبق أن أشرنا في مقال سابق على موقع ”الجریدة 24 ″أن تركیبة نواب الأصالة والمعاصرة تتشكل من رجال الأعمال والأعیان والتجار، ھؤلاء لدیھم نفوذ في مناطقھم ودوائرھم الانتخابیة، صحیح أنھم مكنوا حزب ”الجرار“ من مقاعد كثیرة جدا إلا أن وضعھم في المعارضة لن یكون مریحا لھم بالمرة، وسیصعب علیھم التوفیق بین أعمالھم واشتغالھم داخل المؤسسة التشریعیة، اللھم إذا قمنا باستثناء عدد قلیل جدا منھم. كما أن أغلبیة نواب اللائحة الوطنیة لیست لھم تجربة سیاسیة كبیرة على المستوى المیداني والتنظیمي وبالتالي سیصعب إسناد مھام إلیھم داخل مجلس النواب.

لا خلاف في كون حزب ”الأصالة والمعاصرة“ یزخر بطاقات سیاسیة ونخب أكادیمیة وحقوقیة، إلا أنھا ظلت على الھامش في لحظة صراع كان یراد فیھا للحزب إلحاق الھزیمة بالإسلامیین وھو ما فشل فیھ. ھذه النخب یجب أن تعود إلى مكانھا داخل الحزب وتعمل على بناء حزب حداثي دیمقراطي یدافع عن برنامج نقیض للمشروع الإسلامي، وعدم الاعتماد فقط على ”الكائنات الانتخابیة“ من أجل الحصول على المقاعد.

إن التقاطب الحاصل في المجتمع بین تیار محافظ یمثلھ حزب ”العدالة والتنمیة“ وتیار حداثي مشتت في مواقع مدنیة عدة، یجعل العدید من النخب ذات المرجعیة العلمانیة أن تعول على حزب ”الجرار“ من أجل خلق التوازن مع التیار الأول، لكنھا في الآن ذاتھ لا تنظر بعین الرضا لمنتخبیھ الجماعیین والجھویین والبرلمانیین. لھذا فإن بناء جبھة حداثیة تدافع عن الحریات الفردیة یقودھا ”البام“ لیس حلما بعید المنال وإنما واقعا ممكنا إذا استثمر ”الأصالة والمعاصرة“ كل قواه الحیة من أجل بناء الإطار النظري والسیاسي لھذه الجبھة، خصوصا أن لھ امتدادات في المجتمع المدني المغربي، والحسم مع منطق ”الكرسي ھو الأھم“ بدل ”المشروع السیاسي ھو الأھم“ والابتعاد في المقابل عن مجموعة من الممارسات السابقة التي جعلت الحزب وأعضاؤه یوصفون بحزب ”السلطة“ أو ”التحكم“.

الجريدة 24 _ 2017/08/17

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق